مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

عندما تعمق الحب.. مَعَانِي بين جلال ودلال

ناصر أحمد العمار
2014/04/15   11:11 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

للوفاء معنى جميل في زمن تعثَّرت فيه معاني الحب المبهمة بين بني البشر


بينما أشعة شمس احد ايام شهور اغسطس الحارة تعلن بالرحيل، مغادرةً صحراء جنوب الكويت، تسدل خيوطها الذهبية على برارينا الجميلة! اذ ببريق عينيها يخطف ابصار الحارس بلال من بعيد، ينظر بلال الى ذلك الشعاع القادم من الجنوب، وهو في حال من الذهول، يَتَسَمر بلال في مكانه، يُحَدِق بعَينيه المتعبتين من غبار الأيام وتعب السنين الى ما هو آت من بعيد، يتراجع بخطوات بطيئة الى الوراء نحو مكان جلوس جلال خلف خيمته المشيدة بين اطلال وبقايا تركتها دلال قبل ان تغادر مملكته التي بناها قبل اعوام، بلال يسرع الخطى اكثر باتجاه جلال وهو يصرخ: عمي، عمي جلال انظر هناك.. هناك.. بعيد.. هل ترى ما أراه من جسم غريب يتجه الينا مسرعاً؟ جلال.. كعادته لا يكترث ولا يعول على ما يبصره بلال ولا حتى لبصيرته التي تخطت منطق النسيان، لان الكثير من أحاديثه (هذرته) عن دلال لا يقدم ولا يؤخر، سوى اجترار ماضي العاشقَين (جلال ودلال).
بلال كمثل الذي يراه {كسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى اذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} لهذا، يسفه جلال دائماً اعتقادات و(هرج) الحارس بلال، خاصة ان ذكرى دلال تزيد من همومه ولوعته على طول الفراق! لكن بلال هذه المرة ليس كما عرفه جلال، لان حقيقة صراخه مقترن هذه المرة بحقيقة تكبر كلما دنا شبح انسان قادم من بعيد، حتى تكونت ملامحه اكثر فأكثر، صمت بلال فجأة، وبقيت عيناه مبصرتين نحو ذلك الكائن الذي بدأ يتضح تكوينه البشري اكثر فأكثر، يقفز جلال من مكانه وهو يوجه كلامه الى بلال.. ماذا قلت يا بلال؟ هل قلت دلال؟ (وهو يحدق بعينيه باتجاه الزائر الجديد الذي خصهما دون الآخرين).. بلال هل ترى ما ارى؟ فعلا انها دلال، صدقت يا بلال انها دلال.لم يصدق الاثنان ما هم فيه من حقيقة الواقع، حتى قرب ذلك الزائر اليهما أكثر، تتداخل الاوهام والحقائق تارة، تغلب الحقيقة الخيال تارة اخرى، يسيطر الخيال مرة اخرى على قلب المحب، فهو يعيش لحظات الجنون واللاتوازن من شدة الفرح، فرح العاشق لاستنشاق رائحة محبوبته بعد ان ظل اياما طوالا يتوسد صخور مرابعها ويتلحف هواء الصحراء التي عانقت هديرها يوماً، يضم الحارس بلال عمه جلال: قرت عينك ياعمي بوصول دلال، الحمدلله على سلامة وصولها سالمة غانمة، وهم في اشد العجب والحيرة يتساءل الاثنان: كيف عرفت دلال مكانها؟ في اوج الفرح وعدم ادراك ما هم فيه، وكأن الامر في سياق الاحلام، تصل دلال الى مستقرها، لكن الغريب ان الشوق هو الشوق الذي اسر قلب الاثنين تضع دلال رأسها على كتف جلال ويعانق جلال محبوبته ليعلنا هما الاثنين انتهاء ايام طويلة من مر الحزن والفراق..
في هذه اللحظة ابرم جلال اتفاقا مع بلال بعدم بيع اي ناقة بعد اليوم، اما محبوبته الناقة (دلال) فإنها عديل الروح فهي الناقة التي عرف مقدار حبها له بعد ان هربت من المالك الجديد الذي اصر على شرائها من جلال عند زيارته للكويت في العام الماضي على الرغم من فشل اسلوب جلال في أبعاد فكرة شرائها من قبل ضيفة الزائر بعرضها بسعر يفوق قيمتها الحقيقية، لكن هذا الزبون الخليجي تعلق قلبه في الناقة (دلال) من النظرة الاولى، واصر على شرائها بأي ثمن لذلك لم يكن امام جلال الا الرضوخ، وتم بيع دلال ونقلها الزبون الجديد الى بلده الذي يبعد اكثر من (2000) كيلومتر عن الكويت لكن بعد وصول دلال الى بلد المالك الجديد لم تستطع العيش بعيدا عن جلال، لتقرر الهرب والعودة الى الكويت متخطية جميع الحدود الدولية لتصل الى من كان له الحب الاولي.
تلك هي قصة حب بين الانسان (جلال) والحيوان (دلال) رواها شاهد عيان في احدى جلسات (الربع) الذين يعشقون تربية الابل، شعرت في زمن الوفاء المتعثر ومعاني الحب المبهمة بين بني البشر، ان نذكر.. ان للوفاء معنى جميلا، واعظم ما تتحلى به النفس البشرية، والناقة (دلال) اقتبست المعنى فعلا في حبها لمربيها (مقابل اطعامها فقط) لترد له الجميل بأعظم معاني الود والعهد مع من احبته، اقصد اطعمها. اما جلال فأحبها وتبادل معها مشاعر ذلك الود فضمها الى ممتلكاته باسم الحب، فحاصرها بغيرته، وسجنته هي بدائرة الممنوعات، لتحبس أنفاسه عندما غادرته مرغما، حتى بقي في صراع معشوقته، لحين أثبت ان الحب أقوى عندما تتعمق معانيه اكثر. ويدرك هو معنى الحق تبارك وتعالى {أفلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت}. باعتقادي المتواضع.. تلك هي المعاني المتعلقة في التكوين الجسماني للابل.. والله اعلم.
ناصر أحمد العمار
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
1058.0039
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top