مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

عاصفة في أحواض المجلس

عبدالله بشارة
2014/03/09   11:45 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



جاءت عاصفة مجلس التعاون التي لخبطت خريطة حوض المجلس الهادئ بعد تواتر الأخبار عن عدم الرضا من السلوك الاعلامي القطري في مقاربته للقضايا الاستراتيجية لمجلس التعاون، ولم تكن الأزمة وليدة اليوم، وانما كانت مظاهرها مع التبدلات السياسية التي شهدتها القاهرة بعدما ثار الرأي العام المصري ضد سلوكيات الاخوان في السيطرة على الدولة المصرية، وتحويلها الى نظام اخواني يسعى للقضاء على الهياكل التاريخية للدولة المصرية العريقة.
وقد سارعت دول مجلس التعاون بدعم مواقف الشعب المصري بعد ان تحركت قواته المسلحة للتخلص من نظام الاخوان، وترجمت دول المجلس تأييدها بالدعم المالي والسياسي الذي ساهم في تنشيط الحياة الاقتصادية في مصر.
جاءت مساهمة دول الخليج من قناعة بأن النظام المصري الجديد ينسجم مع استراتيجية مجلس التعاون في عزل أنظمة الأيديولوجيات التي أضرت في الحياة السياسية العربية منذ الخمسينيات مع ضرورة اضعافها وتآكل مصداقيتها وتأكيد عجزها عن تنفيذ طموحات شعوبها.
باختصار، مجلس التعاون منظومة اقليمية تعمل على تعظيم الاعتدال، واضعاف الايديولوجيات وتدعم الانفتاح على منابع التجديد وتتناغم مع المبادئ السياسية الانسانية التي صارت قاعدة جوهرية في العلاقات الدولية.
تخلصت دول المجلس من نظام صدام حسين، ومن نظام علي صالح في اليمن وساندت ثورة الشعب السوري ضد الاستبداد البعثي الطائفي، وهمشت استعراضات الرئيس السوداني ونجحت في توسيع القاعدة السياسية والجغرافية للاعتدال والوسطية، وأغلقت الأبواب أمام طموحات «الاخوان المسملين» وبرزت قوة استراتيجية عالمية سياسيا واقتصاديا ومرتكزا للأمن والاستقرار ونالت مصداقية دولية وتمركزت في مقعدها في الصف العالي في القرار العالمي.
هذه ايجابيات صاغها مجلس التعاون عبر ثلاثة عقود من التروي والتقدير الصحيح للأوضاع الاقليمية والعالمية.
ولولا قناعة قيادة دول المجلس على تجذير العمل الجماعي الخليجي عبر موقف موحد من كل هذه القضايا الشائكة ما كان بمقدور المجلس الوصول الى الأهداف التي أرادها منذ يوم ولادته.
في أحداث مصر، لم تكن السياسة القطرية متقاربة مع التوجه العام لدول المجلس، فانفردت دولة قطر بدعم الاخوان سياسيا واعلاميا وسخرت أجهزة الجزيرة بكل فروعها لتبني مواقف الاخوان ونظام مرسي والدفاع عنه، وانفتحت الأبواب لأصحاب الفتاوى وخطباء المساجد للتعريض بالنظام المصري الجديد، واتسع الخرق في العلاقات بين دول المجلس مع التحريض ضد الأنظمة الخليجية من حناجر دعاة الاخوان الصادر من تسهيلات قطرية.
يعكس هذا الموقف رغبة قطرية اعلامية قوية في عرقلة نجاح النظام المصري الجديد وفي التشويش على سمعته وفي التصدي لشرعيته والتشكيك في برامجه مع اتهامات تطلقها تجمعات الاخوان في قطر، لإفشال الحكم الجديد واسقاطه، بينما المصالح الخليجية العليا تفرض املاءات الدعم والمساندة وتعويم فلسفة النظام المصري الجديد القريبة من استراتيجية دول الخليج والترحيب به كاضافة ضخمة للمشروع الخليجي الاقليمي.
ومن الطبيعي ان يطفو على السطح الخارجي هذا التباين الجوهري في المنظور بين الدول حول القضايا الاقليمية بما فيها ممارسة التحريض ضد مساعي الاستقرار مع الاستنجاد بالعنف ليلعب دورا في التغيير.
تولى سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر ثقل المسؤولية في الحفاظ على الوحدة الخليجية، وجاءت مساعيه الناجحة عبر اللقاء الثلاثي في الرياض في نوفمبر 2013، وتجدد التأكيد على الالتزام بالخطوط العامة للاستراتيجية الخليجية، كما تكرر الوضع في اجتماع الكويت في 17 فبراير 2014 بحضور سمو الأمير وسمو الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر.
وبعد فترة من المتابعة والرصد، التقى المجلس الوزاري يوم الثلاثاء الماضي وصدر البيان الثلاثي بعد جلسة ماراثونية استغرقت اثنتي عشرة ساعة طرحت فيها كل الأفكار واستخرجت فيها كل آليات الابداع من أجل الوصول الى حل مرضٍ، لم يتحقق.
وجاء بيان مجلس وزراء قطر في أعقاب قرار الدول الثلاث عاقلا ومعتدلا يسهم في التهدئة، على الرغم من الاشارة الى ان التباين في المواقف يأتي حول قضايا خارج الشأن الخليجي، وهنا موضع الاشكال، فالوضع في مصر ليس خارج الشأن الخليجي وانما هو الهدف الأساسي لتعظيم الاعتدالية دون أيديولوجيات راديكالية ودون شعارات تهيج الوضع الاقليمي، وأكبر نصر لمجلس التعاون ان تعود مصر الى عالمها القديم في حكم دستوري متطور وانفتاح تاريخي معروف وتهميش الشعاراتية وتفكيك ما تبقى من الأجهزة السلطوية وطي صفحة الاشتياق الى الثورية.
في هذا الاطار تبقى قراءة قطر حول مصر بعيدة عن المصالح الخليجية العليا، ومتعارضة مع طموحات الشعب المصري الذي لا يريد حكم الاخوان ولا حكم الثورات، وفي هذا المسار يظهر اخفاق دول مجلس التعاون في تبني سياسة خارجية اقليمية موحدة، تجاه ايران واحداث سورية ومصر واليمن ومشاكل السودان.
ومن هنا يأتي الاتهام بفشل مجلس التعاون في التوحد السياسي الاقليمي، والسبب ان الاجتهادات بين الدول مختلفة فواضح من بيان قطر بأن الاختلاف خارج المنظومة الخليجية جغرافيا ولا يعطل العمل الجماعي الخليجي، لكن الأكيد بأن فوز مجلس التعاون في تأكيد مصر الاعتدالية، هو شهادة باخفاق أنظمة الثورات والتغييرات، وتأكيد حكمة القيادة الخليجية وصواب مسيرتها.
ما هو واقع اليوم بعد العاصفة؟
أقول إن تجارب المجلس خلال ثلاثة عقود، تبرهن على قدرته على تجاوز الاخفاقات وتذليل الأزمات والافلات من خطر التباعد، وقد مر المجلس بمخاطر أكبر من أزمة اليوم خلال الحرب العراقية – الايرانية، وخلال الغزو، وخلال مشاكل اليمن وسورية ومنظمة التحرير ولبنان وسورية، وخرج من هذه الأزمات أقوى مما كان عليه، وعاصر المجلس انهيار صدام حسين ويشهد نهاية نظام البعث في سورية، وتلاشت الراديكاليات والثوريات، ونهاية خيالية الشعارات، وكبر المجلس ليشكل القوة السياسية والاقتصادية الضاربة في الاقليم وفي المحيط العربي.
ولي هنا بعض الملاحظات:
أولا – شهد المجلس الكثير من الاختلافات بين الأعضاء وصلت الى التهيج العصبي، لكنه أبقى كل شيء وراء ستائر الكتمان والتكتم، والواضح ان انفجار اليوم جاء بعدما طفح الكيل – كما يقال. والأمل ان المجلس يملك ذخيرة حية ويجلس على مخزون من التجارب التي عاشها ونجح في نزع فتيل متفجراتها ولن ينجح طيش السياسة في اضعاف الطاقة العلاجية التي يملكها المجلس.
ثانيا – حرص المجلس منذ ولادته على تسكير الأبواب التي يمكن ان تتسلل منها القوى الاقليمية في مسعاها للحصول على موقع من خلال استقطاب أطراف الخلافات، وقد كان صدام حسين وقيادة ايران الراديكالية أكثر القوى الاقليمية في اندفاعها لخلق تحالفات داخل المنظومة الخليجية، وهناك أمثلة كثيرة لإخفاقات مخططات التسلل، والمجلس حذر ومتابع وعارف بتحركات أصابع السوء.
ثالثا – لا يمكن لأحد من أعضاء دول المجلس ان يحقق ارتفاعا في المقام والمكانة خارج أحضان المجلس مهما كانت طاقته المالية، ولذعته الاعلامية، لأن المجلس كيان بشخصية متكاملة تتفاعل قوتها في اكتمال اسهام جميع أطرافها نحو المصب الجماعي.
ومن المؤكد بأن أزمة اليوم مثل أزمات الأمس، ستتلاشى، فلا بديل لدولة قطر عن مجتمع الخليج الواحد، ولا يمكن استمرار المسيرة الناجحة دون مشاركة قطر بحيوية أميرها الشاب، وهناك في الفضاء الخليجي الواسع يظل مخزن التجارب والتعقل مجسدا في سمو الأمير أبرز مهندسي مجلس التعاون، وأبرز الحريصين وأبرز المتابعين المتعايشين منذ يوم ولادته.
صحيح أنها عاصفة في الحصن الخليجي لكنها مثل عواصف الماضي ستزول وسيكبر المجلس بمسؤوليات عربية ودولية وسيصل الى التوحد الشامل.

عبدالله بشارة
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
283.0074
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top