مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

خادم الحرمين..وفنون الريادة

عبدالله بشارة
2014/11/30   10:22 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



يظل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مصدرا ملوكيا في كسر الحواجز وتجاوز السياجات وازالة الجمود مع فتح أبواب كانت صامدة تنفتح منها قنوات جديدة في الواقع السياسي والنفسي للاقليم العربي.
معروفة مبادراته التاريخية السابقة وأبرزها المبادرة العربية لتحقيق السلام، وتأتي تلك المبادرة مفاجأة من النوع الاستراتيجي الذي كنا نراه حلما، والآن وبعد قمة الرياض التصالحية، يأتي صوت الملك الجليل مناشدا مصر شعبا وقيادة دعم اتفاق الرياض التكميلي مع قطر تعزيزا لجهود العمل العربي المشترك.
ويأتي تجاوب القيادة المصرية وبسرعة تنم عن حوار متفق عليه، في اعلان عن ثقة مصر الكاملة بحكمة الرأي وصواب البصيرة لخادم الحرمين الشريفين، مع تجديد الموقف المصري بأن مصر لا تتوانى عن دعم ومساندة أشقائها مع تجاوبها الكامل مع هذه الدعوة الصادقة والتي تمثل خطوة كبيرة على صعيد مسيرة التضامن العربي.
وفي تصوري ان هذا الحوار يرسم خريطة حديثة لقواعد العلاقات بين الدول العربية غير مسبوقة في أبعادها، ومن المناسب ان أشير الى بعض ملامح المستقبل كما أتصورها: أولا - نستذكر أن العلاقات بين الدول العربية في الفترة ما بين 1945 - 1949 تسيدتها الشكوك والريبة فلا الملك فاروق ولا غيره من القيادات العربية لهم اطمئنان بنوايا الملك عبدالله بن الحسين، أمير شرق الأردن، الذي كانت له قناعات مختلفة في كيفية التعامل مع القوة اليهودية التي كانت تتعاظم تحقيقا للحلم اليهودي في دولة فلسطين.
كانت تلك الريبة العقبة التي قضت على بصيص الأمل في تنسيق المواقف العربية حول فلسطين.
وكانت حتمية الهزيمة للجيوش العربية، واحدا بعد الآخر، في أجواء من الفوضى والضياع، وأكد الملك عبدالله قبضته على الضفة الغربية عبر تفاهمات مع قيادة بن جوريون بعد تنازلات فرضها منطق القوة على الملك الطامح الذي كان يريد زعامة سورية والأردن وما تبقى من فلسطين.
ثانيا – انتهت تلك الحقبة بالضياع والاذلال، بانقلاب حسني الزعيم في عام 1949 منهيا النظام الليبرالي الديموقراطي الضعيف البنية في سورية وتغيرت أحوال مصر، وانكفأ كل من الأردن والعراق في معالجة أوضاعهما الداخلية، التي تأثرت بالهزيمة والفشل مع خوف من اسقاطات الانقلاب في سورية على القوات المسلحة فيهما.
لكن حسني الزعيم كان طامحا وطامعا ولم يكن ثوريا، فقد عرض على بن جوريون معاهدة صلح وعلاقات كاملة مع تبادل السفراء، على شرط ان تنال سورية جزءا من بحيرة طبريا، واستهان بن جوريون بكل هذه الاغراءات معتمدا على القوة التي ظهرت فعاليتها في تحقيق الحلم.
وجاءت ثورة مصر في عام 1952 حاملة لائحة مستجدة من المفاهيم تضع حكومة الثورة في كرسي القيادة العربية التي عليها ان تتعاطى ايجابيا مع تلك الأفكار والفلسفات التي لم تكن تراها مناسبة لظروفها، ويتصدع العالم العربي وتبرز لغة اعلامية غريبة تسخر من المختلفين وتسفه آراءهم وتصفهم بالعمالة والرجعية، وتتباعد العواصم على الرغم من مساعي لمِّ الشمل في مؤتمرات لا تختلف أجواؤها عن قمة انشاص في 1946 في عمق الريبة والحذر.
وجاءت كارثة 1967 من ذلك التوجه في مغامرة تهور اندفعت فيها القيادة المصرية الى حافة الهاوية متجاوزة خطوط اللعبة.
ثالثا – نحن الآن أمام قيادات مسؤولة ناضجة في قراراتها وثقيلة في أحكامها تدعو الى تأسيس نظام عربي قائم على الشراكة العربية الجماعية أساسها الندية وتبادلية المصالح، وخلوها من آيديولوجيات تحركها ديناميكية التآخي والتعاضد، ليس فيها من يحتكر القرار، وليس من بينها من يستذوق التعالي وينسب لنفسه حق القيادة، ملتزمة بحكم القانون والانفتاح الاقتصادي مدركة لدور الاستثمار في التنمية، ترتبط فيما بينها بالتداخل المالي والاستثماري مع تجارة تنساب ضمن اتفاقية التجارة الحرة، وتواصل ثقافي واعلامي متسع لكل الاجتهادات مترابط مع جميع بقاع الكرة الأرضية.
ويعني ذلك أن حقائق العالم العربي اليوم تكتب نعيا بلا دموع لواقع عربي قديم لم يأت الا بالنكسات والهزائم مع انتشار بذاءة غير مسبوقة في مفردات ومصطلحات الاعلام، حيث تمت تجزئة العالم العربي الى دول صامدة ودول داعمة بعضها ثوري مغال في الشعارات، والآخر ضحية لخيالات الفروسية التي نقرأ عنها في رواية دونكيشوت للعبقري الاسباني سيرفانتيس.
رابعا – لا يستطيع العالم العربي مهما كانت طباعه وتقاليده ان يدير ظهره للزوايا الأخرى في هذا الكون العجيب، حيث يظل الابداع الانساني من حضارات أخرى حشدت عقولها للعلم وتحصنت بالمعرفة وتفوقت في الابتكار وازدهرت بالعمل المضني والعرق، ليس بالخرافات ولا بوصفات تفسير الاحلام.
فالعالم العربي الذي يريده خادم الحرمين الشريفين هو ذلك النوع الذي يترابط مع العالم ويبحث عن المعرفة في زواياه ويقتبس من التفوق ما يقدر عليه، ويدرك أن اسم هذا الزمن هو العولمة في ترابط مصالحها وتداخل أمنها، وتشابك اقتصادياتها فيها عيون ترصد وجميعات تنتقد ومؤسسات تطلب ردا، وحصادها الاصلاح والحكم الراشد والشفافية والمحاسبة وحكم القانون.
خامسا – اتصور أن النظام العربي الجديد سيربط الخليج، أبرز المواقع الاستراتيجية المالية، بالأردن المتميز في علاقاته الدولية وفي بصيرة قيادته مع أرض مصر وساحتها السياسية والفكرية المتشوقة الى أجواء العدالة والارتياح بخبرات تاريخية ثرية في تعاقد مع المجموعة الخليجية والأردن جوهره الاعتدال والتنمية، وتأكيد تأثير هذه المجموعة في واقع سورية واليمن والعراق، وكلها تنشد الاستقرار وراغبة في اغلاق صفحات الانقلابات.
نداء الملك عبدالله بن عبدالعزيز ليس صيحة في الفضاء وانما الصوت الهادي نحو طريق جديد يختلف عن كل ما قرأناه وتابعناه في فصل الثوريات والانقلابات.
سادسا: تحقيق هذا الأمر ليس سهلا، لأننا على دراية بالتباعد بين بعض الأطراف وندرك حجم التخشب والجمود الفكري والبيروقراطي الذي تسيد المجتمعات لاسيما الموروث الكبير لشعارات ثورية نبتت في تربة مصر، ومع ذلك لابديل عن الشراكة المتكافئة وعن الانفتاح، ولا يمكن لأحد مهما كانت سطوته ان يخرج على معاني النداء التاريخي الذي أطلقه خادم الحرمين.
وهنا لابد من ان نشير الى ضرورة وقف ما تبثه قناة الجزيرة الموجهة الى مصر وما يحتويه من إثارة وتحريض لا يفيد دولة قطر ولا يحقق شيئا لمجلس التعاون، ويدفع بالتباعد بدلا من التقارب، وعلى الاعلام المصري ان يتوقف عن التعرض للأحوال الشخصية لقيادات قطر ويبتعد عن مصطلحات البذاءة والتعرض بالمقامات والاستخفاف بالسياسات والتوجهات القطرية، وأن يتحول الى عامل يسهم في انجاح المساعي التي يتولاها كل من خادم الحرمين والرئيس السيسي بدلا من اللعب على هيجان العواطف المشحونة..
من حق الدول سواء في مجلس التعاون أو في الجامعة العربية ان تعاتب وتبدي ملاحظات حول مواقف وسياسات، هذا مقبول، لكن الأمر الذي يجب الابتعاد عنه هو اتخاذ قرار في حالة من الغضب يزيد الأذى ويضر بالمنافع ويزيل ما تبقى من أمل في العلاج، وبهذه الروح نشيد بزيارة الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي ونائب الحاكم، التاريخية الى قطر التي جاءت في الزمن الحساس قبيل اللقاء التاريخي الذي سيدشن فصلا حديثا في مسيرة مجلس التعاون بشركاء جدد من مصر والأردن في النظام الاقليمي العربي الجديد.
٭٭٭
آسف لغيابي عن عزاء الصديق رضا الفيلي الذي لبى نداء الحق ورحل بعد مرض لم يمهله، كان المرحوم أحد رواد ديوان المرحوم برجس البرجس، يعطي بقدرما يعرف، ويتحدث بخبرة اعلامية واسعة يصيغها بمشاعر الوفاء لمن عمل معهم، وبعواطف التقدير لمن استفاد منهم، ويعطي كل من تعاون معه حقه في الاحترام، لا يتحدث عن أحد الا بالخير، لا تفارقه الطيبة ولا تتخلى عنه أخلاقيات الانسان المتحضر، عرفته منذ الستينيات، وتناقشنا في لقاءات تلفزيونية، كان لديه مشروع فيلم وثائقي عن المرحوم الشيخ النادر جابر الأحمد، وسجل بعض الحلقات من هذا المشروع، لكن الظروف لم تستقم معه، وظل ينتظر تلك الفرصة التي تأخرت عليه وغاب عنها وعنا.
رحمه الله، شيد بناء متميزا في العطاء الاعلامي والثقافي، مرتكزا على أخلاق عالية.
له جنة الخلد ان شاءالله، ولأهله الطيبين الصبر والسلوان، وكل من عليها فان..

بقلم عبدالله بشارة
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
1610.9932
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top