مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

الطريق إلى الله

الحرية والتحرر من قيود النفس (2)

السيد ابوالقاسم الديباجي
2014/07/06   07:59 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



اليوم بإذن الله تعالى نكمل المقال السابق عن التحرر من قيود النفس، فالعلامة الرابعة: علاوة على عدم شعور العارف الحر بالتكليف والعناء والكد والمشقة في العبادة فانه يفهم روح العبادة وتشتد رغبته فيها وينشرح صدره لها ويزيد حرصه في طلبها ويجد في قلبه طيبا ولذة وحلاوة وأنسا وسعادة وبهجة، بل اذا مُنع عن ذلك لأي سبب أو عائق لاغتم لذلك واعتبرها من أعظم العقوبات عليه، وهذا كامل العبودية لله سبحانه وتعالى ومقام الخلَّص من عباد الله من الأنبياء والصديقين الذين عملوا لله بأتم لوازم العبودية وأكملها.. فالصدِّيقون المقربون يرون في عبادة ربهم أعظم اللذات الروحانية واسماها.
العلامة الخامسة: خدمة الفقراء الى الله ومجالسة المساكين، فما لم يكن الانسان حرا كيف يمكنه خدمة هؤلاء؟! لقد كان الامام علي(ع) يديم على خدمة الفقراء، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «سَيِّدُ القَوْمِ خادِمُهُمْ «وكان زين العباد علي بن الحسين(ع) ليخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم وربما حمل على ظهره الطعام أو الحطب حتى يأتي باباً باباً فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه وكان يغطي وجهه اذا ناول فقيرا لئلا يعرفه، فلما توفي (ع) فقدوا ذلك فعلموا أنه كان علي بن الحسين(ع)، ولما وضع على المغتسل نظروا الى ظهره وعليه مثل ركب الابل مما كان يحمل على ظهره الى منازل الفقراء والمساكين.
العلامة السادسة: الخروج من الدنيا اختيارا قبل ان يخرج منها اضطرارا، فالحياة الدنيا زائلة والكل يموت لا محالة {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةٌ الموْت}(آل عمران: 185)، ولكن متى يخاف الانسان الموت؟ حينما يكون قلبه متعلقا بشؤون الدنيا، ومن تعلَّق قلبه بشيء كان له عبدا، فكلما اشتدت التعلقات وتعددت الارتباطات بالدنيا كان الفراق عنها بالموت أصعب والألم عليه أشد فيشعر بالكدر والضيق: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبين مَا يَشْتَهُونَ} (سبأ: 54)، في حين ان العبد السالك الى الله يموت اختيارا قبل ان يموت اضطرارا لأنه قد فرَّغ قلبه من حب الشهوات النفسانية وقطع عنه حبائل اللذات الفانية والأماني الباطلة الردية وكان الله سبحانه وتعالى مقصوده ومعبوده ولم يتخذ سواه الها وربا: {أأرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (يوسف: 39).
متى يقال ان العبد أصبح حرا؟! حينما يعتقه مولاه فيكون حرا لوجه الله!! كذلك الذي يخرج من رق الدنيا ويتخلص من قيود النفس وولايتها هنالك يكون حرا لوجه الله.. لذا وجب على السالك الى الله ان يعرف المعيار الحقيقي والميزان الواقعي في التمييز بين امتلاك الشيء والتعلق به حتى يفرِّق بين كون الانسان صاحب مال وثروة وجاه ومقام وكونه من أهل الدنيا وهو الطريق الأساسي لنفوذ الشيطان، فالمناط في تعريف أهل الدنيا هو التعلق بشؤونها، فقد يمتلك الانسان بيتا أو سيارة أو أثاثا فاخرا أو مقاما اجتماعيا رفيعا وغير ذلك ولكنه لا يجد في نفسه وقلبه أي تعلق بهذه المظاهر ولا يكون فرحا بامتلاكها ولا محزونا لفقدها بل متحررا من أسرها وقيودها {لِكَيْلا تَأسوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ولا تَفْرَحُوا بِما آتَاكُمْ} (الحديد: 23)، وعلى هذا يكون هو مالكا للمال لا المال مالكه.
وقال العرفاء ان لكل شيء في عالم الوجود نهاية وغاية، والانسان بما أنه شيء من الأشياء فان نهايته بلوغه ومن ثم تبتدئ مسؤولياته ودوره في الحياة وغايته حريته، والعارف اذا أصبح حرا فقد عرف نفسه بالعبودية التامة للمولى عزَّ وجلَّ ومن عرف نفسه بالعبودية فقد عرف ربه بالربوبية وهي غاية العرفان.
وللحرية مقامات ثلاثة: المقام الأول: حرية عامة من رق الشهوات، والمقام الثاني: حرية خاصة من رق المرادات، والمقام الثالث: حرية خاص الخاص من رق الرسوم والآثار.
ومع التدرج في المقامات الثلاثة والوصول الى مقام الحرية المطلقة عن الأغيار وتحقُّق العبودية المحضة للرب المتعال يُعطَى العارف أمانة نيابة الحق ويكون من أصحاب مقام التصريف والتصرف وتنكشف له حقائق الأشياء ولا تشتبه عليه الأمور ولا يخطئها.
فعلى هذا يا عزيزي ويا أيّها القارئ الكريم، عليك بالسعي والجد والاجتهاد في صقل مرآة قلبك لتنفض عنه غبار التعلقات وتكون على الدوام في محضر رب العالمين وفي خدمته ممتثلا لأوامره منتهيا بنواهيه، فبالحرية التامة من رق الأغيار تصل الى محض العبودية لله عزَّ وجلَّ، واستعن في ذلك بالله سابغ النعمة وهو المستعان وعليه التكلان.

السيد أبو القاسم الديباجي
الأمين العام للهيئة العالمية للفقه الاسلامي
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
699.0103
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top