

	الثلاثاء 14/04/1447 هـ الموافق 07/10/2025 م الساعة 03:22 توقيت الصلاة المغرب 17:27

مقالات

A A A A A

في ملهاة المشهد السياسي الكويتي

عبدالله بشارة

2014/06/16

02:00 ص

شكرا لتصويت

التقيم

التقيم الحالي 5/0

عدت الى الكويت، بعد زيارة خاطفة الى القاهرة لأقرأ واسمع عن الكوميديا المثيرة التي رافقت المداولات والتعليقات حول أبعاد الشريط المشهور الذي طفح على سطح السياسة بوسيلة بوليسية ملتهبة، وعن أسماء المحظوظين الذين نزلت في حساباتهم شيكات التدليع والغنج السياسي، وكنت مثل الآخرين، أنتظر الكشوفات الصريحة بأسماء بلا تجمل ولا مساحيق ولاغموض، ومن الطريف في هذه الرحلة السريعة ان الذين ذهبت الى لقائهم من الأخوة المصريين كانوا في حالة من التلهف والقلق لا تقل عن مشاعري حول الاكتشافات الموجودة في الملف الذي يحمله النائب السابق مسلم البراك ووعوده الى الرأي العام الكويتي بكشف محتويات هذا الملف الخطير.
وكنت أريد السؤال عن أحوال مصر وتوقعات المصريين من النظام الجديد، ولم أتوقع عمق الهم الكويتي في فكر السياسة الشعبية المصرية، كما لمسته من هؤلاء الأخوة المتابعين.
وبدون مساحيق، أقول خاب ظني بعد ان انتهت الزفة الاعلامية التي أعدها النائب السابق مسلم البراك والتي لا تخلو من عناصر التشويق ولا تغيب عنها الحرفية في أساليب اثارة غريزة الاستطلاع الى همسة باهتة أضرت بمهندسها الأكبر.
كان أمام مسلم البراك خياران، الأول سيأخذه الى مستوى عال من الجاذبية السياسية الشعبية التي تؤهله للتعبئة الجماهيرية والتي تجد فيه العنصر الأبرز في حملة المطاردين للفساد والملاحقين لأصحاب الذمم الركيكة وتراه رمزا للحس السياسي الوطني الصافي، والخيار الثاني ان تنتهي الاستعراضية الاعلامية بفقاعات خالية من المحتوى الذي وعدنا به ا لنائب السابق مسلم البراك.
فقد مسلم البراك اللحظات الهامة في منطلقاته السياسية حين تبدلت حساباته ونقض الوعود التي التزم بها لكشف المستور.
والواضح ان الامكانات الواقعية للنائب السابق وحجم ذخيرته في كشف المستور وتعرية الأسرار لا تتعدى ما يملكه الاخرون وأن التشنيعات التي جاءت في غمز ولمز لا تعتمد على اثباتات قائمة وأدلة لا يمكن الطعن في صدقيتها.
واذا كانت الحصيلة النهائية سلبية، ومؤذية لمصداقية التجمع الذي يقوده البراك، فان مسار الأحداث التي رافقت هذه الضجة لا ترحم الحكومة في ميوعتها وتخبطها في معالجة الموضوع وابقائه تحت قيادتها دون توضيح للحقائق، وامتناعها عن ممارسة الشفافية مع الرأي العام الكويتي الذي زادت شكوكه في مقدرة الحكومة على حسن التدبير.
ولا أشك مطلقا في نزاهة الكلمات التي عبر عنها سمو رئيس الوزراء في ان هذه الأوراق لا ترتقي ان تكون محل فحص وهي عبارة عن أوراق بيضاء وعليها أرقام وأسماء لا يمكن الأخذ بها، وأجزم بأنه بعيد وبريء من خيوط المسرحية التي تسيدت المشهد السياسي أخيرا، ومع ذلك قصرت الحكومة في الامتناع عن الالتزام بالطرح المكشوف وتحاشي الشفافية أمام مجلس الأمة، وأضاعت الحكومة أيضا مناسبة تاريخية لعرض الموضوع بكل تفاصيله أمام المجلس، لكي يشعر الأعضاء والرأي العام بأن الحكومة تملك المبادرة ومدركة لضرورات القيادة.
وأشعر بأن الموضوع كاد ان يمر دون توقف لولا المداخلات المهمة التي تكفل بها السيد رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم والتي غيرت مسار حفظ الأسرار والتعتيم، الأمر الذي فرض ردا من وزير العدل بالنيابة الشيخ محمد عبدالله المبارك، قائلا بأن هذه الأوراق ليست دليلا ماديا وهي أوراق بيضاء فيها أرقام وأسماء أشخاص، ويضيف وزير العدل بالنيابة بأن الحكومة لا يمكن ان تظهر هذه الأوراق لأنها بذلك تساعد من يبث الاشاعات والحكومة على يقين أنها لا تشكل دليلا ماديا وتعتذر عن اظهار هذه الأوراق.
ومع احترامنا لهذا الموقف الذي ينبع من مناخ الأبوية السياسية التي ترتكز عليها الكويت في مسارها الداخلي ومن شروطها مزج نبل القيم بالقرار السياسي وممارسة دبلوماسية الأدب الجم في الشأن العام، الا ان الحالة الاستثنائية التي تتميز بها هذه القضية وأبعادها في التعبئة المضادة وتصاعد الاشاعات وتسيدها لأحاديث المجتمع، لكل هذه الأسباب، تظل هذه حالة فريدة لابد من معالجتها بالأسلوب الحديث في المواجهة ووضع النقاط على الحروف دون قيود الموروث في الامتناع عن البوح بالأسرار.
وبدون شك بأن أصحاب الحملة الغليظة ومهندسيها يريدون شيئا آخر غير الاغتيال السياسي لبعض الشخصيات، فالهم الأكبر فرض اذعان الحكم وبكل نظامه ومؤسساته للمنظور الذي يمنحهم التسيد في قيادة البلد وتوجيه دفتها نحو الأهداف التي يريدونها وأولى خطواتها حل المجلس واعتماد لائحة الصوتين بدلا من الصوت الواحد، والقبض على الحياة فيها واخضاعها لبرنامجهم السياسي والاجتماعي.
وأكبر أخطاء الحملة المضادة يكمن في توجيه مدفعيتها نحو القضاء للتشكيك في نزاهته وتلويث سمعته، وحسن فعل القاضي المستشار فيصل المرشد في التصدي لهذا المنحى الخطر من أجل القضاء عليه في مهده لكي لا يتكرر..
ولعل قرار مجلس الأمة في احالة كل المستندات والوثائق بما فيها ما لدى الحكومة الى النائب العام مع اثارة غيرة المواطنين الذين لديهم أية معلومات عن هذه القضية المزعجة لتقديمها الى ديوان المحاسبة تمهيدا لتحويلها الى النيابة العامة، وهنا لا مجال للتراخي، فمن له معلومات توضح وتساهم في ابراز الحقائق يتحمل مسؤولية وطنية في عرضها على الجهات المختصة.
لا يمكن ان تلتقي ممارسة الدلع مع الحكم الصالح والراشد لأن الدلع هدام وتغنيج فئة معينة أو طائفة أو شخصية مهما كانت خلفياتها لا تنسجم مع حكم الانضباط والقانون ولا تلتقي مع متطلبات هيبة الحكم بما فيه الحرص على مقام القضاء واحترامه.
وماذا ستحمل سلة النائب السابق مسلم البراك من مفاجآت مستقبلية في العالم الذي يجيده، عالم التلهف والترقب، بعد ان ظل يتمسك ببقاء الكثيرين واقفين على أصابعهم انتظارا لصواريخ مثيرة تقلصت الى لقاء فاتر في ساحة المجلس.

عبدالله بشارة

أخبار ذات صلة dot4line

التعليقات الأخيرة

All Comments

أكثر المواضيع مشاهدة

مقالات ذات صلة بالكاتب

Tweets by WatanNews !function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");

301.0029


موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة