مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

رحرحة

الغد لن يأتي بهذه الطريقة أبداً

أسامة غريب
2012/07/18   11:13 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



منذ أن عمل بالشركة وهو يشعر بالاضطهاد، ليس من المدير الفاسد فقط وإنما من غالبية الموظفين. يبدو أنه تراث تقليدي..يا ويلك إذا غضب عليك الرئيس في العمل..لن تجد بالمكان ولياً ولا نصيراً..حتي الذين يحبونك سيحبونك في السر لكن في العلن لن تجد منهم سوى الإعراض والخذلان، وحتى إذا احتجت أحدهم للشهادة.. تلك الشهادة التي قال الله إن من يكتمها آثم قلبه فإنهم بكل رضا وسعادة سيشهدون ضدك زوراً، ولا مانع حين يلقونك في المساء أن يتباسطوا معك ويطلبوا منك ألا تزعل لأنهم لا يقصدونك شخصياً لكن لقمة العيش تحكم!.
كان المدير المالي صديقه ودُفعته في الكلية، لكنه ما ان أدرك ان المدير يكره صاحبه حتى قلب له ظهر المجن ولم يخجل ان يبدي له العداوة علناً وان يسخر منه أمام الموظفين وذلك حتى تنقل العصافير للمدير ما حدث فيكسب عنده نقطة اضافية!. حتى السكرتيرة التي كان هو نفسه السبب في تعيينها أصبحت هي الأخرى تنظر اليه بشك وتتلفت حولها حين يصادفها ويلقي عليها تحية الصباح قبل أن ترد في صوت خجول لا يسمعه أحد بكلمات غير مفهومة. لقد بلغ انسحاقهم أمام المدير ومحاولاتهم نيل رضاه درجة لا تصدق. كان الرجل فاسقاً فاجراً وكانوا يعرفون عنه ذلك ويجدونه مدعاة لمزيد من الإذعان خشية التعرض لأذاه، وهو من جانبه لم يقصر في إذلالهم وبعثرة كرامتهم ما استطاع الى ذلك سبيلاً. حدث ذات يوم أنه كان يمر بين المكاتب يتفقد أحوال الرعية والسيجار الضخم بين أصابعه، وكان الوقت في نهار رمضان! عندما وصل لمكتب شؤون الأفراد قام الحاج عاصم مدير القسم منتفضاً من على كرسيه وهو يردد عبارات الاتضاع والتذلل، وعندها قام المدير باخراج قطعة شيكولاتة سويسري من جيب سترته أخذ منها قضمة ثم قدمها لعاصم وقال له: ذقها فإنها ستعجبك.. ولدهشة الجميع فوجئوا بالحاج عاصم يتناول الشيكولاتة ويقضم منها في تلذذ وهو يقول: الله عليك يا باشا..ذوقك حلو حتى في الشيكولاتة!. كان صاحبنا يشاهد كل هذا ويتعذب وهو يستشعر صعوبة التغيير وسط قوم أدمنوا الهوان وأصبحوا على استعداد ان يقاتلوا بضراوة من يحرمهم ثمرته الفاسدة. ومع هذا لم ييئس فكان يسعى للتقرب من زملائه حتى يستنهض فيهم جذوة الشهامة التي خمدت أو كادت، كما كان يقابل إساءاتهم بالاحسان عسى أن يجد من بينهم من يعينه على الوقوف في وجه المدير المسنود من قيادات الحزب الوطني وأعضاء لجنة السياسات. لقد سبق ان تقدم أكثر من مرة بمستندات للإدارة العليا تثبت جرائم المدير واختلاساته وتحويله الشركة الى عزبة ينهبها الأقارب والأصهار، حتى أنه سد باب التعيينات في وجه الشباب المتفوق من كل التخصصات ولم يعين سوى الذين ينتفع من وراء أهاليهم. وعندما لم يستمعوا الى شكواه قام بالتصعيد وأرسل الأوراق الى الرقابة الإدارية التي لم تحرك ساكناً، كما ذهب الى النيابة العامة وقدم ما لديه، وكانت النتيجة أن النيابة حفظت الشكوى لعدم كفاية الأدلة -التي تسد عين الشمس- لفتح تحقيق. لم يفهم أحد سر عداء المدير له.. صحيح هم يعلمون أن مديرهم المرتشي لا يحب الشرفاء، لكنه لم يكره أحداً ويضطهده كما فعل مع صاحبهم هذا، وذلك على الرغم من أنه لم يكن أول من يتصدى للمدير ويكتب الشكاوى ضده، فهناك مثلاً زميلهم رأفت الشيوعي القديم الذي سبق ان خاض معارك ضد المدير ودارت بينهما جولات، لكنها لم تتخذ صورة الحرب الشاملة وظلت بينهما شعرة معاوية لم تنقطع. البعض رجح ان تديّن صاحبنا كان سر العداء الشديد له، وان استعصاءه على الافساد والفشل في شرائه هي الأسباب الحقيقية لاضطهاده وتخطيه في الترقية وتصعيد من لا يدانونه علماً وخبرة ومكانة وجعلهم رؤساء عليه.
لكن يشاء رب العباد ان تقوم الثورة ويذهب المدير الفاسد للسجن مصحوباً باللعنات ويجد صاحبنا نفسه وقد أصبح هو المدير فسبحان مغير الأحوال. يذهب الرجل لمكتبه الفخم وهو عازم منذ اليوم الأول على التطهير وتخليص المكان من رؤوس الفساد.. هو لا يحتاج الى من يدله على الفاسدين، فملفاتهم كلها عنده وجرائمهم جميعاً موثقة وهو أول شاهد عليها.. كل ما عليه أن يسدد اليهم ضربة واحدة فيسجن منهم من يستحق السجن ويفصل من لا أمل من إصلاحه ويعيد تأهيل الباقين..لكن رويداً..ما المشكلة في ان يتريث قليلاً ليستمتع بالسادة ولاد الرقاصة من زملائه السابقين الذين ساموه سوء العذاب وهم يحملون له البخور ويقدمون فروض الطاعة والولاء ويتذللون ويتضرعون في حضرته كما كانوا يفعلون مع سلفه؟ ما المشكلة في ان يسلي نفسه بالتمتع برؤيتهم يخدمونه بعد ان كانوا يعاملونه بقرف واشمئزاز..قليلاً من المتعة لا تضر وبعدها سيطيح بهم جميعاً ويسدد اليهم الضربة التي ينتظرها منه الناس.
أعتقد ان الرئيس مرسي يعيش الآن نفس حالة صاحبنا هذا ويسعد برؤية من كانوا يضعونه في السجن وهم يؤدون له التحية، ويستمتع بخدمات الخدامين لكل العصور قائلاً لنفسه: غداً باذن الله نطيح بهم.لكن ما لا يعلمه الرئيس ان الغد لن يأتي أبداً بهذه الطريقة!.


أسامة غريب
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
308.014
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top