مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

وما زلنا في ضيافة الهستيريا

عبدالله بشارة
2012/11/11   10:32 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



أكثر المضايقات في أحداث الكويت ما حدث من تهميش لمفهوم الدولة المدنية العصرية، التي تقوم على حكم القانون وهيبة الكفاءة واستذواق الجودة وطمس الجاهلية بكل ألوانها والخروج من حسابات القبلية نحو حسابات الكفاءة وتحصين العمل السياسي عن الغلو في التفسيرات الدينية الخانقة، ولا سبيل لنهضة الكويت سوى عبر التحرر من القيود الثقيلة من التطرف المقلق في الاستنجاد بالقبلية والطائفية والاحتماء بأحضانها، وأنا من المؤمنين بأن أسرار تقدم الأمم الأخرى خاصة في نهضة دول آسيا هي انجازاتها في تحول مجتمعاتها نحو الدولة الحديثة التي تختار القادر وتطمئن لقيادته وتنتخب المحصن بقيم الالتزام بالقانون وأحكام الانضباط.
نجحت هذه الدول لأنها تبنت ثقافة القانون وآمنت بضرورات تطويع الراي العام لديها وتثقيف شعوبها بالتوجه نحو بنود العصر يجسدها دستور متطور متفاعل مع التحولات الانسانية..
أين نحن من هذا الفصل الذي كلما شعرنا بالاقتراب من ضروراته، جاءت الحقيقة بأن عالمنا ما زال كئيبا في قدرته على هضم ضرورات النهضة التي نريدها، وبدلا من التقييم العقلاني الذي يأخذ المنافع العليا للمجتمع، طغت علينا الرغبة العارمة في مواجهة الفريق الآخر الذي لم يستذوق موقف المعارضين والمقاطعين، عندها لم يتردد الفريق الغاضب باستحضار النعوت القبيحة بربطهم بزبالة التاريخ واستصغارهم وتحقيرهم.
الحالة الآن أننا نعيش في مناخ الهستيريا التي تصاعدت مع اغلاق باب الترشح بأعداد كبيرة غير متوقعة، ومع اتساع ساحة القبول للمرحلة القادمة في اطار انتخابات جديدة ومجلس يخرج من رحم الشرعية الدستورية، مهما حاولنا اجهاضها، واتجاهات قيادية لمرحلة انجاز تنموي واقتصادي جماعي يعوض السنوات العجاف، التي كانت المجالس السابقة شريكا في ولادتها..
جاءت المسيرات، وكثرت الاحتجاجات وحدثت ملاسنات ومواجهات لم تحقق ما تريده المعارضة في اسقاط المرسوم الذي فجر غضبها، والواقع ان زخم المعارضة بدأ في الانحسار وظهرت على سطح الحياة السياسية ملامح الضياع في توجهات المعارضة التي لن تستطيع وقف العجلة التي تدور الى الأمام مع ضجر من الراي العام الكويتي من استمرار هذه المضايقات التي لم يعد لها مبرر بعد ان أسدل سمو الأمير الستار على احتمالات التأجيل والتغيير في جوهر مرسوم الضرورة.
كيف ستتعامل المعارضة مع واقع اليوم، بعد ان فقدت الأمل في التغيير السلمي ولم يعد لها الأمل سوى بالمزيد من التصعيد في مواجهة سيرتفع ثمنها مع مرور الأيام..
لابد من التفكير الموضوعي المتعالي عن أجواء الهستيريا في تدابير المرحلة القادمة، ولا أرى شخصيا سوى الاتزان في الطلبات والتواضع في الأدوات واستشعار مزاج المواطنين الرافضين لسخونة المواجهات.
يمكن ان تكتفي المعارضة بالمقاطعة فلا جدال بحقها، لكنها يجب ان تدرك بأنها لا تستطيع ان تتدخل في حق الآخرين في الترشح وفي ممارسة الحق في الحملات الانتخابية، ولا يمكن لها ان تستند على أمل ان تقف معها جموع الشعب اذا ما لجأت الى آليات الاحتكاك بالمرشحين.
ولن يسعف المعارضة اللجوء الى ميكروفونات الميادين للتحريض ضد الانضباط الجماعي الداخلي، ولن يزيد من شعبيتها ابتكار أخبار عن التدخل الأردني أو الخليجي، فالكل على علم بافتقار هذه الأخبار للمصداقية والجدية، ولن تتغير المعادلة من محطات التلفزيون العالمية التي توفر لها مساحة اعلامية لتقارير بعيدة عن حقائق الكويت.
ويعرف نجوم المعارضة بأن أغلبية أبناء الكويت لا يقبلون العبث بأمنهم واستقرار حياتهم، ويسأل المواطن البسيط ماذا بقي من خيارات بعد ان جاءت المعارضة لتحفيز البعد القبلي كذراع لمواقفها وحصانة لموقعها، وبعد ان تم تجنيد الجماعات الاسلامية في مسيرات احتجاجية صدامية مع نهج الحكومة التي أغدقت على هذه الجماعات بسخاء غير مألوف وأحاطتها برعاية سياسية واجتماعية، فنرى مجموعة الاسلاميين في صدارة المحتجين المناوئين، ولا أشك بأن مجموعة الاعتراض الاسلامي (حدس) منحت قوة وغلاظة لأصحاب الصوت المرتفع من ملاك الحناجر في حياة الكويت السياسية، وفي لغة استعراضية حادة، تتجاهل فضل القيادة السياسية على المؤسسة الراعية لحدس.
ضاقت ساحة الكويت في هذه الأزمة وتقهقر مسعاها نحو حقائق العصر الحديث وغاصت أكثر في تربة القبلية والطائفية والاسلاموية مما يسبب الضيق الذي أصاب الأمل في دفع الكويت صوب العقل الذي قال عنه الفلاسفة وأصحاب الابداع بأنه الامام الوحيد في دنيا البشر، والعقل هو العنصر الوحيد الذي يبقى لنا في اخراج الأجواء الحالية من الهستيريا الجافة التي تحمل الأضرار والخراب وترجع بالكويت الى ذهنية الكمين والتربص والترصد.
هناك ملاحظتان مهمتان لا تعملان لمصلحة المعارضة: أولها – المقاطعة، وهي ليست مسارا مستقبليا باعثا لأمل في فصل قادم أفضل من الموجود، وانما هي موقف سلبي رافض وغاضب ومنصب في طاقته على توفير حقن تغذي الاعاقة الخشنة في مظاهرات وتجمعات ومبالغات مع حالة من الاختناق الفكري عاجزة عن تقديم بديل مقبول جماهيريا في تطمين أبناء الكويت بأن خيرهم واستقرارهم وأمنهم لا يتعرض للأذى من تلك المواجهة البشعة بين سياسة أميرية مرسومة ومعارضة تريد افشالها.
وثانيا – ان المعارضة لا تملك الخطة المستقبلية المبرمجة في قدرتها على توفير الأفضل، فلا تراثها من الانجاز البرلماني السابق يسعفها، ولا تصرفاتها في ادارة أزمة المواجهة قادرة على احضار الاطئمنان لأبناء الشعب، وكل ما تقوم به هو ممارسة الاعاقة الخشنة.
وطالما ظل الوضع هستيريا واستفزازيا فلا مفر من تطبيق القانون على الجميع، فلا مجاملات في قضايا الأمن والأمان، والقانون لا يزعل أحدا، ولعل الفضيلة الوحيدة التي أفرزتها أزمة اليوم هي الاقتناع الجماعي بتطبيق القانون دون استحقاقات فئوية وامتيازات قبلية أو طائفية، وحكم القانون هو حامي الحضارات ودرع الشعوب وأمل المستضعفين...
يقول سمو الأمير في لقائه مع رؤساء تحرير الصحف [ بأن القانون سيطبق على الجميع ولن يتم العفو عن المشاغبين والمخربين ] ويعني ذلك نهاية دولة الوساطات، واذا تم اجهاض دولة الوساطات فالكل سينعم بحياة غير مسبوقة من الانجاز وتثمين الجهد والاخلاص..
سمو الأمير يعد ويتعهد في لقاءاته الأخيرة بأن عصر اليوم يشهد نهاية الاسترضائيات ويضع خاتمة للتدخلات التي أضاعت فرص الكويت، ويقول بأن الكويت ستعود جوهرة الخليج...ونحن في الانتظار.

عبدالله بشارة
رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
700.0085
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top