مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

ثلاثة قرون..أزعجها صراخكم

عبدالله بشارة
2012/07/29   08:40 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



في ثلاثة قرون من الحكم السمح المتواصل رصدت خزينة الكويت الكثير من قرارات الحكمة التي اتخذها حكامها السابقون، الذين أجادوا فنون التلاحم مع أبناء الشعب عبر تواصل اجتماعي، وتداخل في المنافع، وترابط في الانساب، وهي عناصر ساهمت كثيرا في ترسيخ الاستقرار وتشييد قواعد صلبة يقوم عليها الحكم بالتراضي وبالاقتناع مع أبواب مفتوحة في التشاور واسداء النصح، ولم تنقطع هذه الآليات حتى بعد اقرار الدستور الذي أخذ الكويت إلى الشرعية الدستورية، ويعود سبب التزام الكويتيين بهذا النهج إلى الخصوصية التاريخية التي تميزت بها منذ بداية حياتها حتى هذا اليوم، ومن أبرز سمات الخصوصية التاريخية هي توارث الهاجس الجماعي الذي ضم الجميع في الحفاظ على الكويت وحماية أراضيها وشخصيتها والبقاء على استقلالها، والذي أفشل مخططات الجوار في ابتلاعها أوالتضييق عليها أو قضم جزء من جسدها.
ولم يسبق لهذا الشعب التعرف على المعاناة من أزمات داخلية تشل البلد وتعطل مسيرتها وتجمد حيويتها كما هي حالة الكويت في هذا الفصل العتيد، الذي امتلأ فضاؤه بالصراخ والعويل والتهديد والوعيد، وكل هذا الصراخ موجه نحو آليات الحكم التي وجدت نفسها في أزمة دستورية من السهل حلها اذا ساد الصفاء نوايا السياسيين من أعضاء المجلس وغيرهم، وتعاملوا مع واقع اليوم بنفس النهج الذي اتبعه السابقون، وهي الحوارات وليس المواجهات، وفي الجدية في طرح المعقول والمقبول والممكن، وليس الاستنجاد بنصوص قابلة للتفسيرات والاجتهادات، ويعرف الصارخون والمستصرخون بأن قيادة الحكومة الحالية تلتزم بالنهج المتوارث في التعامل بالأدب الجم الذي لا ينحدر إلى قاع الصراخ والاستغاثات، وانما يسعى بهدوء وبتقدير نحو الحل المناسب.
ولا يشكك أحد في نزاهة الشيخ جابر المبارك في التنقيب عن الحل المقبول والمريح، لكن الشيء الذي يريده المعارضون، أهل الصراخ العالي، وأصحاب الحناجر المرتفعة، ليس الوصفة التقليدية للخروج من أزمة اليوم وانما المطلوب كما هو واضح ان تقطع الكويت في مسيرتها، مسافة نحو الإمارة الدستورية، وأن تذعن التقاليد المتوارثة لطموحات الآخرين، وأن تفتح أبواب الخصوصيات التاريخية والاجتماعية إلى ينبغيات التطوير واملاءاته - كما يقولون – وذلك بابعاد نهج التوارث من منصب رئيس الوزارة واستخراجه من بطن البرلمان واغلاق صفحة التوارث التاريخي المتعارف عليه نهائيا في حياة السياسة الكويتية.
ويعرف أبناء الشعب في الكويت بأن قيادة الشيخ جابر المبارك تعيش في فصل الاختبار القاطع فاذا لم ينجح في اخراج الكويت من الشلل الاقتصادي والسياسي، واذا لم يحقق ما يطمح اليه الكويتيون في استرجاع الحيوية في مجالات التنمية والثقافة والفكر والاجتماع، واذا لم يقدم انجازا بارزا يستعين به المدافعون عن حكومته من أجل اسكات المتربصين بأسلوبه، فانه عبر التكاسل والتراخي وضعف القيادة سيقدم مبررات تاريخية إلى الذين يريدون اخراجه وبآليات دستورية من قيادة الحكومة.
واقع سمو الشيخ جابر المبارك الآن وواقع حكومته هو اقناع الجميع بأن النهج المتوارث لا زال غنيا بالانجاز ولا زال صلبا في القيادة وندا للتحدي وعلى كفاءة في التصدي، وبصراحة نقول بأن هذا الامر – حق الكفاءة المتوارثة في القيادة – يتطلب الخروج من الامتثال الجامد للتقاليد نحو الاعتزاز بالقانون والاستناد عليه، وحمايته من الاعتداءات، وحكم القانون لا يعني الشدة الغليظة وانما الحزم في احترام بنود الدستور ومبادئ القانون العام والدفاع عنه في التصدي للمخربين من نواب ومن غيرهم ومن داخل البيروقراطية – وهي ادارة الدولة - التي استعذبت الاهمال، وأظهرت الاستخفاف في المسؤوليات بسبب غياب المحاسبة وفرض العقوبات، وفوق ذلك ان تهتم القيادة بالحوارات والتصريح والتعليق، فالصمت عند الأزمات مدمر، فلم يفد الصمت مع اتهامات التحويلات والايداعات، ولن يجدي في التساؤلات المربكة عن اللجوء إلى الدستورية، أو قرار الضرورة أو طلب التأجيل، فالرئيس هو القائد وهو الذي يفصح عن سياسة حكومته، ولا يستطيع غيره ان يكون بديلا عنه، فالزمن الآن غير ما كان عندما كانت المشاهد السياسية الكويتية سهلة وناعمة ومتفاعلة مع القواعد المألوفة.
حكومة سمو الشيخ جابر المبارك في مفصل تاريخي، فأهل الدعوة للإمارة الدستورية يسعون بالتحالفات والتفاهمات، ليس في أروقة السياسة البرلمانية فقط وانما مع مسارات الشباب لاقتطاف الحماس السياسي الشبابي وترويضه تجاه مسيرة الإمارة البرلمانية، ولا يمكن ان يعتمد رئيس الوزراء على الدعم الشعبي التلقائي الذي لا يملك الآليات التنظيمية لاستخراج مواقفه وتلطيف حناجره، فالأغلبية المؤازرة تظل قاعدة واسعة لكنها صامتة وضعيفة التأثير، ولا تملك التجارب في المماحكات السياسية ولا في تغريدات الحناجر.
نحن نقول بأن الغرام في الإمارة البرلمانية مطلب شرعي ومن أحكام التطور، هذا اذا ما كان الداعون من عشاق الديموقراطية الحقة، وانما الواقع ان الأغلبية منهم من صناعة التآزر القبلي والتعاضد السياسي المتأسلم أو من مستخرجات الفرعيات، ولا يشكلون في أصواتهم ومواقفهم نصيرا للقانون، وانما هم خصومه، وأكبر من عبث بهيبته وداس على بنوده، وليس فيهم من يتميز بالقيم الديموقراطية التسامحية في الدفاع عن حق الغير وفي الانتصار لأدب الحوار في العلاقات مع أصحاب الرأي الآخر.
وفوق ذلك تدور الحملات الانتخابية في هذا الفصل ومستقبلا حول تعميق القبائلية وترسيخ الطائفية والاستعانة بالأطياف في هبات قبلية جاهلية تحتضن العشيرة، لا هم لها بالكفاءة أو الجدارة أو الأهلية الملائمة للعمل السياسي.
لا اعتراض على الإمارة الدستورية عندما يتعافى المجتمع من أثقال التخلف مع أحزاب لها برامج كويتية وطنية واضحة ومحددة، تردم هفوات التباعد الطائفي والقبلي، وتعتمد على المواطنة المؤهلة في الدفع نحو الحياة البرلمانية.
موضوع الإمارة البرلمانية أعقد من ان يصبح مادة انتخابية في ساحات الكويت وأكبر من استغلاله لتعزيز الجاذبية الانتخابية للمرشحين.
فالكويت عاشت بالتراضي المتسامح وبأسلوب التقدير المتبادل للعطاء وللمسؤوليات، ومن أهم مواقع الصلابة في حياتها الثقة المتبادلة بين حكامها وشعبها، الثقة في حكامها في ادارة الأزمات وثقة حكامها في شعبها بالدعم والمساندة.
لا ننكر بأن حياة الكويت الصافية تعرضت لكارثة الغزو الذي غير النفسيات وأضعف كثيرا من رصيد ثقة الماضي، وأفرز جرأة غير مسبوقة في التحدي والمناكفة.
هذا الواقع لابد ان يدخل في حسابات القيادة من أجل تجاوزه عبر الاصرار على الانجاز والاحتكام للقانون وحده، فالانجاز القائم على قيادة ذات كفاءة مع الوضوح في المواقف والتحاور بدلا من الصمت، هي آليات استعادة الثقة في قدرة القيادة على تجاوز عقبات المستقبل، واضعاف الأصوات التي تبث فضائل الإمارة الدستورية.
ثلاثة قرون كويتية مستقرة وهادئة، أثارتها الأصوات الصاخبة في ساحات الكويت التي صارت مكانا للصراخ والعويل، تراهن هذه الأصوات فيها على التاريخ، دون الاعتراف بأن الكويت بكل جوانبها السياسية والاجتماعية والقبلية لازالت بعيدة عن المواصفات الضرورية للوصول إلى الإمارة الدستورية...

عبدالله بشارة
رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
271.0056
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top