مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

الاتحاد الخليجي.. الإقلاع إلى منابع التطوير

عبدالله بشارة
2012/02/27   11:47 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



مرة أخرى، نتواصل مع مقترح خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز في تطوير مجلس التعاون، ونقل صيغته من التعاون الى الاتحاد، وقبل ان يبدأ التأييد المطلق أو الاعتراض الجامد علينا ان نفكر في معاني المقترح، ونتوقف عند رمزيته، ونتصور الايحاءات التي دفعت صاحب المقترح الى ان يضعه على رأس جدول أعمال القمة الخليجية السابقة، فيشير الملك الى دقة الظروف وحساسية المرحلة وبطء المسيرة وتأخرها عن التجاوب مع التحولات الاقليمية والعالمية، وتراخي الراي العام الخليجي في التفاعل معها، رابطا ذلك كله بالدفع نحو التفكير في مسار آخر يزيد من حجم الانتاج والانجاز ويشعل الراي العام الخليجي بالتفاؤل، ويؤمن له الادراك بأن الهيئات الوطنية والمؤسسات الاقليمية تملك المرونة في تجديد حيويتها واستعادة الموجة التفاؤلية التي أضعفها الجمود.
من المؤكد أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز تحرك نحو ذلك المقترح لاقتناعه بأن تطوير الصيغة الخليجية الى الاتحاد يبعث على الاطمئنان ويستجيب للطموحات ويأتي بالاطار الذي يبني طوقا خليجيا وحدويا يوفر المتانة ويزيد الثقة في أن القيادات على التزام تام بالتحديث وأنها على اطلاع على ضرورات التبديل، وأن صيغة الاتحاد تحمل مضمون التحدي وترسل العناوين بأن أهل الخليج على وعي تام بأهمية الخروج من حالة السكون غير القادرة على تحديات هذا الزمن.
مجلس التعاون بقياداته وسكانه هدفا لحركة اقليمية متجددة أشعلها ويقودها جيل مختلف، وفق اقتناعات غير التي نعرفها وبأطروحاتها الاعلامية والسياسية تأتي متحدية نحو الخليج حاملة شهادات النجاح بعد ان أزالت قيادات عربية قديمة سوء حظها أنها لم ترصد التيارات الشعبية الساخطة والمسكونة بالبؤس والفقر والاستبداد.
تتحدث هذه القيادات التي تقود الآن في كل من مصر وتونس ودول عربية أخرى بثقة نحو العالم بأن الراي العام العربي الجماهيري معها وأنه حليفها في البحث عن علاجات ووسائل لتخرج من الكآبة التي ورثتها من المستبدين.
وما يلفت النظر أن تواصلها مع القيادات الخليجية يحمل نشوة الانتصار، وفيه اثقال الضغط، وقد تابعت حوارا يتحدث فيه أحد الزعامات التونسية عن حتمية المساهمات الخليجية في بناء الخراب الذي تركته قيادات الماضي في دول الربيع العربي، وأن هذه المساهمات حق تقدمه دول الخليج الى المناطق المتأثرة، ليس عونا أو مساهمة وانما ثمنا يقنع الراي العام بأنها صادقة في تمنياتها لشعوب الربيع العربي.
كان هذا المتحدث يردد الأرقام التي يريدها بين مئتي مليون دولار، لإنشاء شبكة حديد وطرق وسدود ومصانع، لم تستوقفني الأرقام التي تمناها وانما شدتني الحالة الفكرية بأن سلامة المنطقة يوجد في تداخلها وتشابكها وتفاعلها مع حركات الربيع العربي.
الاتحاد الخليجي ليس وحدة ابتلاعية أو انصهارية على الطريقة السورية البعثية (أمة واحدة برسالة خالدة) كما سجلها التاريخ بين مصر وسورية، وليست فيدرالية على طريقة ألمانيا أو تتماثل مع نظام الولايات المتحدة، بمعنى حكومة واحدة بمرجعية واحدة، وأمة واحدة، وهوية واحدة، وانما اتحاد رحب فيه احترام للخصوصيات الوطنية، ولا يمس السيادة وتوابعها من سفارات واعلام وأناشيد وطنية، ولا يقترب من التراث الوطني ويلتزم الهوية الوطنية بالشخصية المستقلة لكل بلد، ولا تملك هيئات الاتحاد تفويضا يعطيها صلاحيات فوق السيادة الوطنية كما نراها في المفوضية الأوروبية.
اتحاد الخليج يقدم آليات اضافية لما يملكه مجلس التعاون مثل اللجان الوزارية المتابعة لتنفيذ القرارات، ودور هذه الآليات هو معالجة العقبات التي وقفت أمام التنفيذ، وهي آليات تتعامل بحزم وقوة مع المعلقات التي لم يتجاوزها مجلس التعاون بصيغته الحالية، وببساطة، هو مقترح لا يصل الى الاتحاد الأوروبي الذي تملك المفوضية فيه قوة تعلو على هوامش السيادة، وانما هو صيغة تعلو على صيغة التعاون التي لم تستطع ان تغلق الفضاء الذي تذرعت به الدول الأعضاء للتأخير في تنفيذ القرارات.
وغير السيادة واحترامها وتأكيد الهوية الوطنية، تظل آلية العمل هي التوافق والاجماع والاقتناع والتراضي، ودون ذلك لا يمكن الدفع القصري لاجبار الدول على قبول قرارات لا تشتهيها أو تراها مجحفة بحقها أو متربصة بسيادتها، ومن تجربتي في مسيرة مجلس التعاون كان عنصر التراضي هو الأمر الحيوي الذي صان مجلس التعاون وأبقى عليه طوال فترة فيها تحديات وضعت في وجه دول المجلس ابتداء من الحرب العراقية – الايرانية الى تشفيات القوميين العروبيين الذين كانت أحلامهم التسلل الى القرار الخليجي لتسخيره لأغراض لا تخدم المصالح الخليجية، وقد قاومها المجلس بفاعلية ونجاح.
ونأتي الى أورام الجغرافية الكويتية التي أسست خلايا الحذر التاريخي من الجيران الذين لم يغلفوا أطماعهم لاضعاف الكويت، وابتلاع جزء منها أو كلها اذا برزت الفرصة، ومن لم يتعلم من كارثة الغزو يبقى بليدا لا يستحق الحياة التي نبحث عنها.
كان العراق طامعا في الجغرافيا الكويتية وفي النفوذ عليها، وكانت ايران طامعة في النفوذ والتسيد والتأثير، وتراقب خط العراق الثوري في سرقة الكويت، وكان الشاه واعيا لمغامرات السياسة العراقية تجاه الكويت.
نحن الآن في مشهد آخر، حيث النفوذ الايراني طاغ في العراق وعلى خط الجوار بين البصرة والكويت يرتفع الوجود الايراني الراديكالي متطلعا جنوبا نحو الامتداد الخليجي عبر الكويت ومغذيا حالة الحراك الساخنة داخل البحرين ومتعديا الجغرافيا الى خطوط الامارات مستغلا الوجود الايراني التجاري والبشري الكثيف في دولة الامارات، وقافزا على الربع الخالي تجاه اليمن ليشكل تيارا راديكاليا ايرانيا يوجد في العراق وعلى سواحل الخليج وداخل اليمن متجها شمالا نحو المملكة العربية السعودية، ومشاركا في محاربة الشعب السوري ضد الاستبداد البعثي – العلوي، ومسخرا آليته القوية في لبنان متمثلة في حزب الله في مقاومة رجعية مرتدة ضد نضال الحرية والاعتزاز والكرامة.
أمام هذا الوضع الشائع يتحرك مجلس التعاون لممارسة نقد ذاتي لمسيرته وفي بحثه الدائم عن الحفاظ على صحته ومناعته عبر صيغ تناسب الجينات الخليجية، نحو صيغة الاتحاد من أجل اضافات في الآليات وفي حسم وحزم على تطويق المخاطر في حركة تسخير لما يملكه من ذخيرة مميزة من القوة والمتانة.
وتأتي الكويت في أمس الحاجة الى الذراع الخليجية المتينة والقوية والجريئة والشجاعة التي تفرق بين النباح الفوضوي وبين عضات الثعابين القاتلة، فكلما تقوى مجلس التعاون صعدت سلامة الكويت، وكلما تعملق الخليج قويت شوكة الكويت.
قرأت الكثير من وثائق الغزو، من كتب ومن محاضر ومن مقابلات، وهناك الكثير من الأسرار التي بدأت تنكشف حاملة خيوط مؤامرة ابتلاع الكويت أبطالها صدام حسين ومجموعته، والرئيس اليمني المخلوع على عبدالله صالح، وآخر هذه البيانات مقابلة سالم البيض في جريدة الحياة، حيث يتحدث عن الهمسات والحديث الهامس بين صدام والرئيس اليمني المخلوع عن كيفية اغراء حسني مبارك بمال الكويت لينضم الى الجوقة المدمرة.
هذه حقائق تحملها الكويت في مخزون تاريخها، لا يمكن ان تنسحب من ذكراها المؤلمة، وهنا تأتي مبادرة تطوير المجلس الى الاتحاد، الذي يعني التفاؤل والتحدي والثقة بالنفس، كل ذلك يضفي على الكويت متانة وثقة بقيمة التحالف ومصير وحدة الأشقاء التي نرددها في البيانات، ونقول بكل أمانة إن رصيد الكويت يكبر مع النهوض بصيغة المجلس وأمنها يستقوي، وعودها يتصلب ونفسيتها تسعد، والقوة الخليجية هي حضن الكويت ولا مفر منه، وبلا التبختر اللفظي الذي لا يستقيم مع واقع الكويت نقول مرة أخرى إن العاقل المحب لوطنه عليه ان يؤمن بأن حيوية مجلس التعاون فيها المزايا الكثيرة لدولة الكويت، وهنا لابد ان نشير الى ان الرئيس أحمد السعدون، رئيس مجلس الأمة الحالي، يتحمل مسؤوليات دستورية وسياسية ومعنوية وأخلاقية غير ما كانت ترافقه عندما كان عضوا في المجلس يعارض ويقتحم ويتحدى ويشتط في نقده.
هنا الآن مع رئاسة المجلس، يجب ان يتسع منظوره الاستراتيجي الى آفاق أوسع من أيام زمان، فهو شريك في النصيحة تلزمه دون انتظار منه، ولا يليق بالحديث عن استعراضات سياسية حول دول لا يستطعم مذاق سلوكها الداخلي، وهي العمود الفقري للأمن والاستقرار في دول مجلس التعاون.
هنا نقول للمرة الثالثة إن الحالة الخليجية تستعجل التفاهم على أمن واحد، ودفاع متوحد، واقتصاد متداخل ودبلوماسية متآلفة، وأهل الكويت يضعون أمن بلدهم فوق المناكفات البرلمانية، وعلى الرئيس السعدون ان يقود مسار الكويت الى منابع القوة والتطوير، ولا يليق به ان يظل على قائمة المزايدين، فهو أكبر منها وبقامة سياسية أعلى منها.
ونجدد القول إن الاقلاع الى فضاء الاتحاد يعود بالخير والاستقرار والارتياح على الدولة الكويتية بشعبها ومؤسساتها وتجارتها وتاريخها الذي تناثرت عليه مواقع مؤلمة من التجارب الماضية.
عبدالله بشارة
رئيس المركز الدبلوماسي للدراسات
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
1745.9987
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top