مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

ملفات الأزمة تتحدى الجميع في مصر

فهمي هويدي
2014/01/21   08:38 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



ثمة ثلاث جبهات مرشحة لاستمرار تلك الحرب المفتوحة التي يخشى أن تستنزف طاقة الدولة بغير طائل

المشكلة لا تتمثل في مبدأ وجود الأزمة لكنها تكمن في الطريق الذي تسلكه الثورة وتبث على مدارجه فخاخ الأزمة




فهمي هويدي
لا يلوح سيناريو الانفراج في أفق العام الرابع للثورة المصرية، لأن مختلف الشواهد ترشح شعار «الأزمة» عنواناً رئيسياً له.

(1)
لا ينبغي ان يفاجئنا ذلك الادعاء، لأن التاريخ لم يعرف ثورة قامت في بلد ثم تمكنت واستقام لها الأمر خلال سنتين أو ثلاث. واذا كانت الثورة على عقود من الاستبداد والفساد وفي بلد بأهمية مصر ومحوريتها فان طريقها الى الاستقرار لابد ان تكتنفه مصاعب وعثرات جمة يستغرق التغلب عليها وقتا أطول. من ثم فان المشكلة لا تتمثل في مبدأ وجود الأزمة، لكنها تكمن في الطريق الذي تسلكه الثورة وتبث على مدارجه فخاخ الأزمة وألغامها. ثم ان المجتمعات التي تثور على مستبديها لا تعاني فقط من أزمة السلطة الجديدة وأدواتها خصوصا في فترات الانتقال، لكنها هي ذاتها تظل ضحية للأزمة، لأن النظام المستبد لا يقمع الحريات ولا يستأثر بالسلطة والثروة فحسب، ولكنه أيضا يدمر الخلايا الحية في مجتمعه، وهو يشدد قبضته ويستأصل بدائله.
اذا حاولنا تنزيل هذه الفكرة على الواقع المصري ونحن على بعد أيام قليلة من يوم 25 يناير الذي انطلقت فيه شرارة الثورة قبل ثلاث سنوات. فسنجد ان السلطة القائمة تواجه أزمة، وان المجتمع المصري في جملته يعاني أيضا من الأزمة، وان جماعة الاخوان تعاني بدورها من الأزمة. ولا تفوتنا في هذا السياق ملاحظة ان الأجواء المخيمة في القاهرة في الوقت الراهن هي أجواء أزمة بامتياز. ومن يتابع وسائل الاعلام يجد أنها تقود معركة ضارية ضد المخالفين، اذ تتبنى دعوات صريحة الى الابادة السياسية. وتقاوم بشراسة فكرة المصالحة الوطنية، في انحياز سافر للقمع والفكر الواحد، وهي أجواء دعت رئيس نائب القضاة الى المطالبة بتشكيل مجلس حرب لادارة البلد، لا لتنميته وانقاذ اقتصاده ولا لاحداث ثورة في الادارة أو التعليم، ولكن للقضاء على المخالفين واسكات أصواتهم، بحسبانهم جميعا اما ارهابيين أو منخرطين في الطابور الخامس. ورفع أحد الاعلاميين المعروفين السقف عاليا حين زايد على الجميع وادعى في برنامج تلفزيوني ان ثمة مؤامرة أمريكية لاغتيال الفريق السيسي، وان ذلك اذا حدث فسوف يتم قتل كل الأمريكيين حيثما وجدوا كما سيتم اقتحام بيوت أعوانهم في مصر وقتلهم أيضا. أما الهيستيريا التي اجتاحت بعض الدوائر في مصر ازاء شعار رابعة فانها تعكس ذلك التوتر بشدة. حيث ما خطر ببال أحد ان يلوح شاب بالشعار لقائد طائرة حربية في أسيوط فيتم الابلاغ عنه ويلقى القبض عليه. وان يحال تلميذ السنة الأولى بثانوية كفر الشيخ الى التحقيق ويحبس 15 يوما لمجرد ان مدرسه وجد الشعار مرسوما على مسطرة يحملها، وان فتاة في كلية طب بنها حرمت من دخول الامتحان لأنهم وجدوا الشعار مطبوعا على قميصها.. الى آخر تلك الحوادث التي تعيد الى الأذهان أجواء ممارسات النازية والفاشية في الأزمنة الغابرة.

(2)
في الجانب المتعلق بالسلطة، يفترض بعد اعلان نتائج الاستفتاء على الدستور ان تتوالى استحقاقات اقامة هياكل مؤسسة الحكم، التي على رأسها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، الا ان أزمة السلطة سوف تتمثل في قدرتها على التعامل مع مجموعة من الملفات الشائكة المرحلة من العام الماضي، والتي تمثل تحديات ثقيلة الوطأة. في مقدمتها ما يلي:
< حسم العلاقة مع الثورة المضادة والدولة العميقة، المتمثلة في أركان النظام القديم وأجهزته وشبكة مصالحه، التي كان لها اسهامها في اسقاط حكم الاخوان، ومن ثم تنتظر حصتها فيما تلا ذلك من خطوات. خصوصا ان تلك الأطراف مدعومة من القوى الاقليمية التي سارعت الى مساندة 30 يونيو، انطلاقا من موقفها العدائي لثورة 25 يناير وهو ما يشكل معادلة صعبة للنظام الجديد، الذي يتعذر عليه الجمع بين أهداف ثورة يناير وجماهيرها العريضة، وبين حلفاء 30 يونيو، لأن كلا منهما ينفي الآخر ويعاديه.
< تحديد مصير الدولة المدنية والديموقراطية التي قامت لأجلها ثورة 25 يناير. خصوصا بعدما أرسى الدستور الجديد أساس الدور السياسي للمؤسسة العسكرية من خلال تحصين منصب وزير الدفاع لثماني سنوات مقبلة. واذا تأكدت الترجيحات الشائعة في الوقت الراهن، الدالة على ترشح الفريق عبدالفتاح السيسي للرئاسة، فان أفق عسكرة الدولة سيصبح مفتوحا على مصراعيه، وفي ظل تنامي دور المؤسسة الأمنية الذي فرضته الظروف الأخيرة، فان فكرة تأسيس الدولة المدنية ستصبح في خطر شديد.
< الجراح المرحلة من عام 2013 تمثل تحديا لا يعرف كيف سيتعامل معه النظام الجديد، ذلك ان ملف تلك الجراح يحفل بعناوين عدة. فثمة عدد يتراوح بين 1800 و2000 شخص سيقدمون الى المحاكمات في قضايا مختلفة، وهذه المحاكمات قد تستمر طوال العام، مع ما قد يستصحبها من أصداء في المحيط الاجتماعي، والى جانب هؤلاء فثمة 21 ألف شخص رهن الاعتقال رصدهم موقع ويكي ثورة (المستقل) يتعذر تصور ابقائهم في السجون طوال العام، والى جانب هؤلاء وهؤلاء فان الموقع سابق الذكر تحدث عن 2665 شخصا قتلوا اضافة الى 15.913 آخرين أصيبوا خلال الاشتباكات التي استمرت طوال العام وحتى يوم 11 نوفمبر.وتلك تركة ثقيلة موضوعة على طاولة النظام الجديد ويتعذر تركها معلقة بلا حل.
< تمثل الحرب على الارهاب تحديا آخر. على الأقل فثمة ثلاث جبهات مرشحة لاستمرار تلك الحرب المفتوحة التي يخشى ان تستنزف طاقة الدولة بغير طائل، والجبهات الثلاث واحدة منها داخلية ضد عناصر جماعة الاخوان بعد تصنيفها جماعة ارهابية، والثانية في سيناء حيث تتمركز مجموعات تشكلت وترعرعت في محيطها، ولم تنجح جهود السلطة في القضاء عليها. أما الجبهة الثالثة فهي في غزة، التي نقل تقرير وكالة رويترز الذي نشر في 1/15 عن مسؤولين مصريين قولهم ان حرب النظام المصري ضد الارهاب لن تكتمل الا باسقاط نظام حماس القائم في القطاع منذ 6 سنوات.
< ثمة ملف آخر له خطورته وأهميته البالغة يتعلق بمستقبل المياه في مصر. ذلك ان السؤال المطروح على النظام الجديد هو كيفية التعامل مع القضية بعد فشل المحادثات الثلاثية التي جرت أخيرا في الخرطوم جراء تمسك الطرف الاثيوبي بموقفه بشأن سد النهضة.
وللتذكرة فقط فان عملية بناء السد تمضي بخطى متسارعة، وانه تم انجاز %30 من مشروعه الذي يفترض ان يكتمل في عام 2017، وفي حالة اكتماله فانه سيؤدي الى خصم ما يبين 12 و14 مليار متر مكعب من حصتها في المياه، الأمر الذي يترتب عليه فقدانها ما بين 25 و %40 من امدادات الكهرباء، اضافة الى بوار ما بين 4 و5 ملايين فدان من الأرض الزراعية تؤدي الى تشريد ما بين 5 و6 ملايين فلاح.
< أما أم الأزمات التي تواجه السلطة فتتمثل في انها اذا صرفت جهدها في التعامل مع الملفات السابقة فانه لن يكون بوسعها ان تقدم شيئا لصالح تحقيق الأهداف الأساسية للثورة خصوصا ما تعلق منها بالتنمية البشرية والاقتصادية أو تحقيق العدالة الاجتماعية.

(3)
تجليات الأزمة في الجانب المتعلق بالمجتمع المصري وذلك الذي يخص الاخوان ألخصها فيما يلي:

< أزمة المجتمع تتمثل في فراغ ساحته السياسية جراء الضعف الشديد في مؤسساته الشعبية ومنظماته المدنية. ذلك ان النظام المستبد لم يدمر بدائله فحسب ولكنه أيضا عمل على اختراق مختلف مؤسساته واخضاعه لوصايته وسلطانه، ينطبق ذلك على المؤسسات التي يفترض القانون استقلالها (السلطة التشريعية والجامعات والقضاء والاعلام) أو تلك التي تتشكل بالانتخاب (المجالس المحلية والنقابات العمالية مثلا) كما ينطبق على التعاونيات باختلاف مجالاتها، الزراعية والانتاجية والاستهلاكية وغيرها. حدث ذلك أيضا بالنسبة للأحزاب والمنظمات الحقوقية والنقابات المهنية، التي اذا قاومت الاختراق والتطويع فانها اما وضعت تحت الحراسة من قبل السلطة أو حوصرت بالقانون أو حتى بغير القانون.
الخلاصة ان نظام الاستبداد قام بتأميم المجال العام، الا في حالات استثنائية ظلت مؤقتة ولم تؤثر أو تذكر، الأمر الذي لم يتح لمختلف مكونات المجتمع المدني ان تنمو بحيث يشتد عودها وتصبح قوى حقيقية قادرة على التعبير عن شرائح المجتمع أو على كبح جماح السلطة، وترتب على ذلك ان السلطة أصبحت عنصر القوة الوحيد في المجتمع، خصوصا بعد اقصاء قوى الاسلام السياسي التي لم تنجح تجربتها في الحكم. وازاء الضعف الذي استشعرته معظم القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، فانها حين أرادت ان تتحدى حكم الاخوان وتسد الفراغ المترتب على ازاحته، فانها لجأت الى التحالف مع المؤسسة العسكرية والأمنية في مفارقة فريدة وغير مألوفة في أي مسار ديموقراطي .
هكذا فانه بدلا من استثمار أجواء الثورة في رفع وصاية السلطة على المجتمع، على نحو يتيح له ان يستعيد حيويته ويفرز قياداته، فان كيانات المجتمع الهشة استقوت بالمؤسسة العسكرية وفتحت الباب لتنامي دورها السياسي الذي يمهد الطريق لعسكرة المجتمع في الأجل المنظور. بالتالي فانها اسهمت في اضعاف المجتمع بدلا من تقويته.
< أزمة الاخوان متعددة الأوجه، ذلك ان تصنيفها كمنظمة ارهابية لأول مرة في تاريخها، وضعها في موقف حرج، على الرغم من ان ذلك التصنيف ليست له قيمة قانونية، لأنه كان اعلانا لمجلس الوزراء اعتبر موقفا سياسيا، من جانبه، من ثم فانه لم يعد قانونا ولم تنشره الجريدة الرسمية، بالتالي فان الوصف يقتصر أثره على الخطاب السياسي والاعلامي. مع ذلك فقد كان لذلك الخطاب أثره في توسيع نطاق الرفض الشعبي للحركة. وهو الرفض الذي أسهمت فيه عوامل أخرى موصولة بالاخطاء التي وقعت فيها الجماعة أثاء تولي الدكتور محمد مرسي للسلطة. من ناحية أخرى فان تحالف الجماعة مع جماعات تختلف عنها في نهجها الفكري على الرغم من انتسابها الى المرجعية الاسلامية حملها بأعباء خصمت من رصيدها، الأمر الذي سوغ نسبة كل أعمال العنف التي وقعت الى الاخوان. من ناحية ثالثة فان اعتقال كل القيادات وضع الجميع في سلة واحدة بحيث طمست التمايزات بين أجنحة الاعتدال والتشدد. اضافة الى ان تلك الخطوة قطعت خطوط الاتصال بين القيادات والقواعد، الأمر الذي فتح الباب لممارسات ومبادرات لم تخل من شطط وحمق. من ناحية رابعة فان الاحتجاجات التي يمارسها شباب الاخوان تبدو بغير أفق واضح، في حين انها باهظة التكلفة فالذين يشاركون فيها بصفة منتظمة منذ أكثر من ستة أشهر يعرفون مسبقا انهم سوف يتعرضون للاعتقال أو القتل. (خلال يومي الاستفتاء في 14 و15 يناير تم اعتقال 444 شخصا حسب تصريح وزير الداخلية). واستمرار تلك التظاهرات يشكل نزيفا مستمرا لا يبدو له هدف واضح سوى انه تعبير عن رفع صوت الاحتجاجات والغضب. حتى شعارات العودة الى الشرعية التي ترفع في أغلب تلك التظاهرات تعبر عن وجه آخر للأزمة، التي جعلت المتظاهرين يتعلقون بمرحلة تجاوزها الواقع. ذلك ان الشرعية باتت مشكلة الجماعة في حين ان استعادة الديموقراطية هي مشكلة الوطن والمجتمع.

(4)
أدري ان الهيستيريا التي أصابت المجتمع عطلت العقول وحكَّمت الانفعالات، وان شرائح واسعة من النخبة استسلمت لهذه الحالة ومن عناصرها من تقدم صفوف الملتاثين الذين ما برحوا يدعون الى تأجيج الحرائق وتوسيع نطاق الابادة السياسية. أدري أيضا ان الدعوة الى رد الاعتبار للعقل بما يؤدي الى اطفاء الحرائق ورأب التصدعات في صفوف الجماعة الوطنية، لن تسلم من الاتهام والتجريح. لكنني اذكر الجميع بمقولة رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل التي أطلقها في أعقاب الحرب العالمية الثانية وحذر فيها الشعب البريطاني من «أننا لو تركنا الحاضر يصارع الماضي سيضيع المستقبل». وهي أكثر ما ينطبق على الواقع المصري الراهن، لأن المعارك الراهنة تستهلك طاقة الحاضر في حسابات الماضي ومراراته، الأمر الذي سيكون المستقبل ضحية له، علما بأن المستقبل هو حلمنا وهو أملنا الذي نعول عليه.
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
269.0022
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top