مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

بانتظار أن تكرم ثورة تونس أو تهان

فهمي هويدي
2014/11/13   12:10 ص

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

بات من الصعب أن تعود عجلة التاريخ إلى الوراء نظراً لقوة المجتمع المدني ورسوخ قدميه
اشتدت وتيرة ذلك الحراك بعدما أسفرت الانتخابات التشريعية عن متغيرات مهمة في الخارطة السياسية


الانتخابات الرئاسية التي تستعد لها تونس هذه الأيام بمثابة مغامرة قد تحسب ضمن إنجازات الثورة أو انتكاساتها.

(1)
أقول ذلك بمناسبة الحراك السياسي الصاخب الذي تشهده تونس هذه الأيام، اعدادا للانتخابات التي يفترض أن تتم في الثالث والعشرين من الشهر الحالي، أي خلال أقل من أسبوعين، وقد اشتدت وتيرة ذلك الحراك بعدما أسفرت الانتخابات التشريعية عن متغيرات مهمة في الخارطة السياسية، على رأسها مفاجأة فوز حزب «نداء تونس» بالمركز الأول، وتخلي حركة النهضة الإسلامية عن ذلك الموقع وتراجعها الى المركز الثاني.
ولو أن صخب ذلك الحراك ظل مقصورا على الفضاء التونسي لاعتبر شأناً داخلياً وخبراً عادياً بالنسبة للمواطن العربي خارج حدودها، الا أن أحداً لا يستطيع أن ينكر ان أصداء الحدث التونسي ظلت قوية في أنحاء العالم العربي منذ انطلقت منها شرارة الثورة واسقطت نظام الرئيس بن علي في عام 2011، وتحولت تلك الأصداء الى أخبار مثيرة تعلقت بها الأبصار حين فازت حركة النهضة بالمرتبة الأولى خلال أول انتخابات بعد الثورة (عام 2011) وأصبحت لاعبا رئيسيا في الساحة السياسية بالبلاد، واذ ظل اداؤها بمختلف مؤشراته محل رصد في العالم العربي، فإنه لم يتوقف بعد الانتخابات الأخيرة التي تمت في 26 أكتوبر الماضي، ولم يكن النظر الى أداء حركة النهضة وحده محور الرصد، ولكن الجدل لم يتوقف حول المقارنة بين أدائها في تونس وبين تجربة الاخوان حين أصبحوا شريكا في السلطة بمصر، وقد حظيت تلك المقارنة الأخيرة باهتمام سياسي وإعلامي كبير، حتى صار السؤال المتكرر في محيط تلك الأوساط خلال العام الأخير على الأقل هو: كيف ولماذا نجح الإسلاميون في تونس وفشلوا في مصر؟ لم يكن المثير في نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة فقط ان حركة النهضة تراجعت الى الترتيب الثاني، وإنما كان المثير أيضا ان الذي فاز بالمركز الأول كان حزب «نداء تونس» الذي أسسه السيد باجي قائد السبسي الخارج من عباءة النظام القديم وابن مرحلة الرئيسين (بورقيبة وبن علي)، وبدا واضحا ان ثمة ترحيبا بالنتيجتين من جانب التحالف الأهم في الساحة العربية، المشتبك مع الربيع العربي والتيار الإسلامي والمتصالح مع الأنظمة القديمة التي تمثل الثورة المضادة، ومن الأمور الكاشفة وذات الدلالة في هذا الصدد انه في الوقت الذي أعلن فيه زعيم نداء تونس السيد الباجي قائد السبسي ترشحه للرئاسة من أمام قبر زعيمه الحبيب بورقيبة فإن الأخبار تحدثت عن دور الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح مع الحوثيين في تغيير النظام اليمني وتحدي الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، كما كان أنصار القذافي يعقدون مؤتمرهم في القاهرة ويطالبون بالمشاركة في الحوار حول مصير البلاد، (صحيفة التايمز البريطانية ذكرت في عدد 11/6 نقلا عن أحمد قذاف الدم ان أسرة القذافي تستعد للعودة الى ليبيا) في الوقت ذاته كانت رموز نظام مبارك تعود الى الأضواء بصورة تدريجية، كما أصبح الرجل يثبت حضوره في المجالس العامة بحواراته الصحافية ومن خلال الاعلام الذي عادت بعض أبواقه الى تمجيده ووصف ثورة يناير بأنها «مؤامرة»، وهي قرائن دلت على ان رموز النظام القديم يتطلعون للعودة بصورة أو أخرى.
وإذ تتابعت تلك المشاهد وسط دعم إقليمي مشهود، فان ظهور السبسي المنتسب الى ذلك النظام وفوز حزبه من خلال الانتخابات الديموقراطية استدعى كثيراً من الأسئلة القلقة حول تأثير ذلك الفوز على مسار الثورة وتطلعاتها.

(2)
المتنافسون على رئاسة الجمهورية 27 مرشحاً، إلا أن نتائج الانتخابات التشريعية أفرزت قوتين تصويتيتين هما حزب «نداء تونس» الذي فاز ب85 معقدا، والقائم أساسا على «الدساترة» (عناصر الحزب الدستوري الحر بورقيبة) والتجمعيين أعضاء التجمع الدستوري الديمقراطي الذي أسسه بن علي، ومع هؤلاء شرائح من اليساريين وغلاة العلمانيين، القوة الثانية تمثلت في حركة النهضة الإسلامية التي فازت بـ69 مقعدا، ولم تقدم مرشحا للرئاسة، بعدهما بمسافة يأتي حزبان أحدهما الاتحاد الوطني الحر (17 مقعدا) الذي يضم بعض الأحزاب الصغيرة، وقد أسسه أحد كبار رجال الأعمال (سليم الرياحي) الذي يثار لغط كبير وشبهات عدة حول مصادر ثروته وعلاقته بنظام القذافي، وهو يقدم نفسه بأنه ليبرالي وعلماني، الحزب الرابع هو الجبهة الشعبية (12 مقعدا) وهو يضم عدة أحزاب يسارية ويترأسه القيادي المخضرم حمَّه الهمَّامي، ومن الملاحظات الجديرة بالذكر في هذا الصدد ان حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي كان يقوده رئيس الجمهورية الحالي الدكتور المنصف المرزوقي فاز بأربعة مقاعد فقط في البرلمان الجديد، في حين ان حزب التكتل من أجل الحريات الذي يترأسه الدكتور مصطفى بن جعفر الرئيس الحالي للجمعية التأسيسية فاز بمقعد واحد.
الخلاصة انه على الرغم من أن الكتلة التصويتية الأكبر لاتزال تتوزع على حزب نداء تونس (النظام القديم) وحركة النهضة التي تنتسب الى قوى الثورة، الا أنه طبقا للنتائج المعلنة فان الحزب الأول لم يحصل على نسبة الأغلبية التي تمكنه من ان يشكل الحكومة وحده، ذلك انه حصل على %38.71 من الأصوات فقط، في حين أنه اذا أراد ان يحكم وحده فينبغي ان يحصل على %51 على الأقل من الأصوات، لذلك فلا مفر من تشكيل حكومة ائتلافية تشترك فيها الأحزاب الأخرى مع حزب الأغلبية المرشح الأقوى لرئاسة الحكومة، لذلك فان السؤال الذي يشغل الجميع في تونس هو: ما هي القوى التي ستقبل بالائتلاف مع حزب النظام القديم. لكي تحظى حكومته بتأييد الأغلبية في البرلمان؟

(3)
لقد أعلن حزب «نداء تونس» أنه أرجأ النظر في ملف تشكيل الحكومة الجديدة والتحالفات السياسية التي ستعتمد عليها الى ما بعد اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، في اشارة ضمنية الى ان مشاركة القوى السياسية في الحكومة مرهونة بتأييدها للسيد السبسي في الانتخابات الرئاسية.
مع ذلك فالطنين لم يتوقف في تونس حول سيناريو التحالفات المقبلة التي تمكن حزب «نداء تونس» من الحصول على أغلبية 109 مقاعد من بين 217 مقعدا للتصديق على الحكومة، فثمة سيناريو يطرح فكرة تحالف نداء تونس مع الجبهة الشعبية بزعامة حمَّه الهمَّامي (15 مقعدا) مع اضافة بعض المرشحين المستقلين والأحزاب الصغيرة التي تمكن حزب النداء من الوصول الى العدد المطلوب، السيناريو الثاني أن يتحالف حزب النداء مع حزب التحالف الوطني الحر (16 مقعدا) مضافا إليه بعض الأحزاب الأخرى الصغيرة، الا أن كلا الأمرين تعترضهما عقبات كثيرة، ذلك ان ثمة خلافات عميقة بين حزب النداء اليميني وبين الجبهة الشعبية اليسارية، تتركز في الملف الاجتماعي والاقتصادي، حيث يصعب التوفيق من الناحية النظرية بين برنامج حزب ينطلق من الخلفية الراسمالية وقوانين السوق الحرة، وبين حزب يساري له برنامج معاكس تماما، وهو التناقض الذي لم يمنع تحالفهما في السابق مع ما سمي بجبهة الانقاذ لازاحة واسقاط حكومة تحالف «الترويكا» الحاكم بزعامة حركة النهضة (اضافة الى حزبي المؤتمر والتكتل).
السيناريو الآخر الذي يقوم على تحالف حزب النداء مع حزب «التحالف الوطني الحر» تعترضه أيضا عقبات عدة، منها مثلا ان مؤسس حزب التحالف سليم الرياحي يطرح نفسه منافسا للسبسي على منصب الرئاسة، منها أيضا ان مصادر ثروة الرياحي مشكوك في براءتها والكلام كثير في تونس حول ضلوعه في عمليات فساد متعددة المجالات، وهناك وجهة نظر رائجة تقول ان الرجل الذي يترأس النادي الأفريقي، أحد أكبر وأعرق الفرق الرياضية في تونس، لا يعتمد على شعبيته ولكنه يعتمد على قدراته المالية التي تمكنه من شراء أصوات الناخبين، وقد أصبح الحديث عن دور الفساد المرتبط بالمال السياسي بمثابة اشارة غير مباشرة إلى اسم الرياحي ودوره.
إذا فقد الرياحي الأمل في الفوز بالرئاسة، وهو الأرجح فقد يعقد صفقة مع السبسي بحيث يدعمه في الانتخابات الرئاسية مقابل ترؤس حزبه (الاتحاد الوطني الحر) للحكومة أو افساح المجال له لرئاسة البرلمان، ورغم ان ذلك التحالف يمكن ان يشوه صورة حزب نداء تونس حيث تؤثر عليها الشبهات المثارة حول مصادر ثروة الرياحي، الا ان السبسي قد يجد نفسه مضطراً الى ذلك لتمرير حكومته أمام البرلمان.

(4)
حركة النهضة في موقف دقيق وحرج إذ التساؤل عن تحالفها مع نداء تونس مثار بقوة داخل الحركة وخارجها، ذلك ان ثمة رأيا يؤيد التحالف بدعوى ان اللعبة الديموقراطية لها قواعدها وثمنها، وان ذلك التحالف يعزز حضور الحركة في السلطة، كما انه يشكل كابحا لحزب النداء اذا ما حاول العودة الى حكم الحزب الواحد واجهاض مشروع الثورة بتفريغها من مضمونها، وأصحاب هذا الرأي يرون ان التفاهم مع السبسي يمكن ان ينتهي بتسليم رئاسة البرلمان للنهضة، الى جانب اشراك بعض كوادرها في الحكومة. ومن شأن ذلك ان يحافظ على الثورة من داخل السلطة.
الفريق المعارض لذلك التوجه يحبذ تأييد الحركة لمرشح الثورة (الدكتور المرزوقي مثلا) ويرى أن التحالف مع حزب النظام القديم يعد تخليا عن مربع الثورة وقواها، ومن ثم فهو يجرح الموقف المبدئي للنهضة اذ يجعل من قيمها موضوعا للمساومة، الأمر الذي ينبغي ان تتنزه عنه الحركة، يرى أصحاب هذا الرأي أيضا ان مكان حركة النهضة يجب ان يظل في مربع الثورة وليس الثورة المضادة، وبقاؤها في ذلك الجانب مع القوى الأخرى التي حملت الثورة وضمت أطيافا من العلمانيين المعتدلين واليساريين والقوميين الى جانب الوطنيين المستقلين هو التعبير الوحيد عن الوفاء لقيم الثورة، وفي رأيهم أيضا ان التخوف من انقلاب نداء تونس على الثورة واستعادة النظام القديم من خلال الممارسة الديموقراطية مبالغ فيه، لانه بات من الصعب ان تعود عجلة التاريخ الى الوراء، نظرا لقوة المجتمع المدني ورسوخ قدميه، وهم يؤيدون وجهة نظرهم بقولهم أيضا ان حركة النهضة كانت من البداية عازفة عن السلطة، حيث تركت رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، واكتفت بحضورها في عضوية البرلمان، واذا كان ذلك هو موقفها الذي قدمت فيه مصلحة الثورة على نصيب الحركة من السلطة، فينبغي أن تظل ملتزمة بذلك، وعليها ان تحتشد مع بقية قوى الثورة للدفاع عنها من خلال البرلمان.
ثمة رأي ثالث يرى وجاهة وأهمية لتأمين الثورة في التحالف مع «نداء تونس» وتأييد السبسي، كما انه يرى ان اعلان موقف يؤيد مرشح الثورة المنافس للسبسي له بدوره أسبابه القوية والمقنعة، لذلك فانه يطرح حلا وسطا يتكئ على ان الحركة لم تقدم مرشحا لها في التنافس على الرئاسة، وذلك الحل يفضل عدم اعلان موقف للحركة يؤيد أيا من المرشحين، ويترك لعناصرها حرية الاختيار بين الأصلح منهم.وفي حدود علمي فإن الجدل حول هذه المسألة ظل محتدماً داخل صفوف الحركة، الى أن استقرت قيادتها على الخيار الثالث والأخير.
يفترض أن تحسم الخيارات كلها خلال الأيام القليلة القادمة، قبل ان يحين موعد التصويت على انتخاب رئيس الجمهورية الذي به قد تكرم الثورة أو تهان.


فهمي هويدي
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
277.0178
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top