مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

في لزوم محاسبة المجرم والتفكير في الضحية

فهمي هويدي
2014/08/09   09:26 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



إننا بإزاء جريمة مكتملة الأركان كل ما تتطلبه هو التوثيق والتحقيق لكي تقدم إلى العدالة الدولية يوماً ما

المناضلون الفلسطينيون لا يبقى لهم خيار بعد أن جربوا مفاوضات ومراوغات السلام إلا بالصورة التي تمت بها في غزة





الآتي ينبغي ان نفكر فيه جيدا، حتى لا تمر الجريمة الاسرائيلية كسابقاتها دون حساب أو ترتيب.

(1)
قبل أي كلام في الموضوع، أرجو ان يتوقف النائحون واللوامون عن التذرع بالثمن الباهظ الذي دفع، والاتكاء عليه لهجاء المقاومة وتبكيتها، والادعاء بأنها لو رضخت من البداية «وسمعت الكلام» وأحنت رأسها للعاصفة، لما جرى ما جرى، فلا أريقت الدماء ولا هدمت البيوت ولما انقطع التيار الكهربائي ولما تحول قطاع غزة من سجن الى مقبرة كبرى، وإذا نحينا جانبا كلام الصهاينة العرب الذين هم ضد المقاومة من الأساس، وافترضنا حسن النية في غيرهم فينبغي ان ندرك ان معارك التحرير تقاس بنهاياتها وخواتيمها وليس باطوارها وجولاتها، ذلك حدث في الحرب العالمية الثانية ولاحقا في فيتنام والجزائر، حيث لا ينبغي ولا يجوز احصاء رءوس الضحايا أثناء العراك لان ذلك من مداخل الانكسار المؤدي الى الهزيمة، وفي أمثالنا الدارجة أنك إذا شغلت نفسك في العراك باحصاء الرجال فلا تقدم على المعركة من الأساس، ليس ذلك حفاوة بالموت ولا تشجيعا على التضحية المجانية ولكن لضبط بوصلة المقاتلين الذين ينبغي ان ينشغلوا بتحقيق النصر مهما كان الثمن، بوجه أخص فانه في مواجهة العربدة الاسرائيلية التي لم تعترف للفلسطينيين منذ قرن تقريبا بحقهم في الوجود، ولا نرى لمشكلتهم حلا سوى الاقتلاع والابادة، فان المناضلين الفلسطينيين لا يبقى لهم خيار، وبعد ان جربوا مفاوضات ومراوغات السلام منذ أكثر من 20 عاما فان تحدي تلك العربدة ومحاولة ردع العدو والرد على جرائمه وجبروته ليس له ان يتم الا بالصورة التي تمت بها في غزة.

(2)
إذا أدرنا ظهورنا للنائحين والمنددين، وألقينا نظرة على ساحة المعركة، فسندرك اننا بازاء جريمة مكتملة الأركان، كل ما تتطلبه هو التوثيق والتحقيق، لكي تقدم الى العدالة الجنائية الدولية يوما ما، بعد عشر أو عشرين أو حتى خمسين سنة. ذلك انها كجريمة ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم، ولكنها تظل تلاحق مرتكبيها الى يوم الدين، أدري ان مقاومة العدوان هي المهمة الأولى، وان شاغل الجميع هو تجنب الموت الذي بات يهدد كل انسان في أي موقع كان، لكن ذلك كله شيء وما أدعو إليه شيء آخر قد يكون تاليا ان لم يكن موازيا، ذلك ان جثث القتلى تتوزع بين الطرقات وتحت الانقاض واشلاؤهم ترى رأي العين والطريقة التي قتلوا بها تعلنها الجثث بغير ادعاء، الذين قتلوا بالصواريخ معروفون بالاسم والذين قتلوا بالرصاص في عمليات الاعدام الجماعي كما حدث في خزاعة لاتزال الآثار ظاهرة على أجسادهم، والذين هدمت البيوت فوق رءوسهم مكومون في ثلاجات الخضراوات بعدما ضاقت بهم ثلاجات الموتى، أما الدماء النازفة فلا تزال طرية لم تجف بعد، ناهيك عن ان القصف المجنون يضيف اليها المزيد كل يوم، ولا تسأل عن الشهود فكل أبناء غزة رأوا الموت بأعينهم سواء في بيوتهم أو بيوت اخوانهم وجيرانهم.
الى جانب ذلك فالقتلة موجودون ومعروفون، اسماؤهم ووظائفهم وتسلسلهم الاداري، فضلا عن ان تصريحاتهم التي وعدت بالقتل ودعت اليه وباركته، ليس ذلك فحسب وانما الى جانب الفاعلين الأصليين فأسماء الشركاء والمحرضين بدورها معروفة، الخلاصة ان أركان الجريمة وأطرافها وضحاياها، جميعهم تحت أعيننا، وليس هناك ما ينقص عملية التوثيق سوى القرار السياسي والهمَّة، وتلك مسألة حبذا لو دعت اليها السلطة في رام الله، ولكن المنظمات الحقوقية الفلسطينية تستطيع ان تقوم بها دونما حاجة الى اذن السلطة.
ان الدكتور سلمان أبوستة صاحب مشروع أرض فلسطين الذي أشرف على اصدار أطلس فلسطين وغطى به الفترة من 1917 الى 1966، يعمل منذ ربع قرن في توثيق كل ما له صلة بالنكبة والقضية، ولايزال يبحث عن الشهود الأحياء كي ينقل رواياتهم ويوثقها بعد ان يقارنها بغيرها، وإذا كان ذلك الجهد يبذل لتحقيق ما جرى قبل 65 عاما فأيسر منه كثير ان يحاول الباحثون والنشطاء الفلسطينيون توثيق الحاصل هذه الأيام، وإذا كان الجهد الأول يقدم للدفاع عن التاريخ وحمايته من الاندثار، فان الجهد المطلوب الآن يراد به توفير أدلة ادانة المجرم تمهيدا لملاحقته وحسابه على ما اقترفت يداه.
أتابع الجهد اليومي الممتاز الذي يبذله الأستاذ راجي الصوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الانسان في الضفة، في فضح الجرائم الصهيونية والجنايات التي ارتكبتها والتشوهات التي أحدثتها في مختلف أوجه الحياة الفلسطينية، وأقدر الجهد الذي تبذله منظمات حقوقية أخرى ونشطاء لا تنقصهم الخبرة أو الحماس، لكنني أتمنى ان ينتهز هؤلاء جميعا الفرصة الراهنة لكي يشكلوا فريقا يقوم بتوثيق وتحقيق الجرائم الصهيونية التي ارتكبتها اسرائيل في عدوانها الأخير على غزة، ولست أشك في أنهم أدرى مني بكيفية احكام عملية التوثيق وتجميع أدلة الادانة لتجهيز ملف تقديم الملف الى القضاء الدولي في أي فرصة.

(3)
التوثيق أهم من التحقيق الذي لا ينبغي ان تقلل من أهميته، ذلك ان التوثيق يسجل وقائع الجريمة وأدلتها في حين ان التحقيق يسلط الضوء على ملابساتها، والتوثيق مهمة الفلسطينيين بالدرجة الأولى، أما التحقيق فهو يحتمل كلاما آخر، تؤيد ذلك تجربة القاضي الجنوب أفريقي ريتشارد جولدستون حين أعد تقريره في عام 2009 بعد العدوان الاسرائيلي الذي تعرض له القطاع في بداية ذلك العام، ذلك ان التقرير أدان اسرائيل صراحة، ولكن رئيس الفريق تراجع عن موقفه في وقت لاحق، أغلب الظن بسبب الضغوط المتوقعة التي تعرض لها، ومع ذلك فانه ظل وثيقة تاريخية قابلة للتوظيف والاستثمار في أي وقت إذا توفرت الارادة السياسية المطلوبة.
في كل الأحوال فالتوثيق مرحلة سابقة على التحقيق، وبالمناسبة فان مهمة التحقيق يفضل ان تتم من خلال مفوضية حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، التي سبق لها تشكيل لجنة تقصي الحقائق التي رأسها القاضي جولدستون، الا ان هناك وفرة من الخبراء والحقوقيين الفلسطينيين الذين يستطيعون ان يتعاملوا مع الاجراءات القانونية المطلوبة لايصال ملف القضية الى المحكمة الجنائية الدولية، وفي مقدمة هؤلاء الدكتور أنيس القاسم المحامي الدولي المعروف والخبير الدستوري لميثاق منظمة التحرير، وهو في الوقت ذاته عضو في لجنة جرائم الحرب الدولية في جنيف، وقد شارك أكثر من 20 من أولئك الخبراء في المؤتمر الدولي الذي عقد في بيروت عام 2005 حول اسرائيل والقانون الدولي، الذي ركز على كيفية التعامل مع جرائم الحرب التي ترتكبها.
رغم ان الكلام مبكر عن عرض الموضوع على المحكمة الجنائية الدولية الا ان هذه الخطوة إذا قدر لها ان تتم فينبغي ان يكون ذلك من خلال أي دولة منضمة الى معاهدة روما التي أنشأت المحكمة الدولية (في عام 1957)، وحتى الآن فان المملكة الأردنية هي الوحيدة في العالم العربي التي انجزت تلك الخطوة، ويتردد ان السلطة الفلسطينية قدمت طلبا بهذا الخصوص، الا ان ذلك لم يحسم بعد، وقد اشرت توا الى ان تحريك القضية في ذلك الاتجاه يتطلب ارادة سياسية أرجو ان تتوفر في الوقت المناسب، (للعلم: نشرت صحيفة هاآرتس في 8/3 ان الحكومة الاسرائيلية شكلت فريقا لكي يستعد لمواجهة التحقيقات التي يمكن ان تجري في وقائع الحرب).

(4)
واجب الوقت ليس مقصورا على المسارعة الى توثيق ما جرى، ولكنه ينبغي ان يشمل أيضا وعلى وجه السرعة محاولة التفكير في اعمار القطاع والبحث عن أساليب فعالة لايواء عشرات بل مئات الألوف الذين هدمت بيوتهم ولاذوا بالمدارس والمساجد والخرائب، وتلك مهمة تحتاج الى تضافر جهود أطراف عدة دولية واقليمية الى جانب المؤسسات والمنظمات العربية ذات الصلة، واذ أفهم ان تلك مسألة ينبغي ان يتصدى لها أهل الاختصاص مع أهل القرار السياسي، ولست انتمي الى أي منهما، الا أننى أسجل هنا ملاحظتين هما:
< انني قرأت عن معماري ياباني اسمه شاجيرو بان، احتفل في طوكيو قبل حين بمنحه جائزة الابداع المعماري. فقد نشرت عنه صحيفة لوموند الفرنسية في 2014/4/5 مقالة استعرضت سيرته ومعالم تميزه، وأشارت في ذلك الى تنفيذه مشروعات مهمة في بلاده وفي فرنسا، الى جانب تصميمه وتنفيذه بنايات فاخرة لعديد من الميسورين في أوروبا، لكن الرجل ذاع صيته أكثر حين قام بتصميم منازل صغيرة من الورق المقوى مخصصة لايواء المنكوبين، وقد نفذ فكرته تلك في عدة دول ضربتها الزلازل والكوارث الطبيعية مثل رواندا وتركيا والهند والصين، اضافة الى بلده اليابان، وتلك خبرة تستحق الدراسة وحبذا لو تمت الاستعانة بها لمواجهة الأزمة التي نحن بصددها.
< الملاحظة الثانية انه في أعقاب العدوان الاسرائيلي على غزة في بداية عام 2009 الذي أشاع قدرا غير قليل من الدمار في القطاع اهتم اتحاد المهندسين العرب بمشروع اعمار القطاع، وطرحت آنذاك فكرة استخدام الانقاض والركام في اقامة مبان جديدة، وفيما أذكر فان الدكتور مهندس شريف أبوالمجد وكيل هندسة حلوان آنذاك درس الموضوع من هذه الزاوية، ووجد ان ثمة تجارب ناجحة تمت فيها معالجة الانقاض وتوظيفها في صناعة «بلوكات» تستخدم في اقامة مبان جاهزة جديدة، ورغم ترجيح نجاح تكرار التجربة في القطاع الا ان عوامل عدة عطلت تنفيذها، أهمها رياح السياسة ونقص التمويل، وتلك خلفية تسمح لمثلي ان يتأملها جيدا، وان يدعو الى التفكير فيها كبدائل مرشحة للاسهام في الاعمار المنشود.
إذا لاحظت أننا بحاجة الى ارادة سياسية في محاسبة اسرائيل على جرائمها أمام المحكمة الجنائية الدولية، واننا أيضا بحاجة الى ارادة سياسية لفتح ملف اعمار غزة واللجوء الى حلول مبتكرة لأجل ذلك، فربما اقنعك ذلك بأن السياسة هي بيت الداء، وانها المشكلة وهي الحل.
< وإذا انتبهت الى أنني لم أشر الى دور للدول النفطية الخليجية في آلحديث عن الاعمار، فلا تحسبن انني سهوت عن ذلك، لكنني تعمدته لأنني وجدت ان أبرز تلك الدول تقف في الناحية الأخرى، لذلك فان حماسها منصرف الى أمور ليس بينها القضية الفلسطينية.

فهمي هويدي
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
291.0126
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top