مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

في كربلاء زماننا انتصر الدم على السيف

فهمي هويدي
2014/07/23   07:44 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



المواجهة الراهنة أعادت إحياء فكرة الانتفاضة الثالثة التي ظن كثيرون أنها صارت جزءاً من الماضي

يحسب للمقاومة الفلسطينية أنها لم تسبب حرجاً للإسرائيليين فحسب وإنما كشفت حقيقة المواقف العربية


فهمي هويدي




صارت غزة كربلاء هذا الزمان، بعدما انتصر فيها الدم على السيف.
(1)
رأيت جيش يزيد ينقض على الحسين في الشجاعية، ويغرق القطاع في الدماء والأشلاء.في حين ان الكثرة العربية عاجزة عن اغاثة المظلومين المحاصرين.خذلوهم وتركوا السيف يفجر الدماء انهارا ويحيل العمران خرابا.تماما كما فعل جيش يزيد في الكوفة قبل أكثر من ثلاثة عشر قرنا، ضد الحسين وأهله الذين تحولوا الى رموز للتضحية والدفاع عن الحق والحرية.صحيح كذلك ان مقتلة كربلاء استمرت ثلاثة أيام، ومقتلة كربلائنا تجاوزت يومها الثالث عشر.صحيح أيضا ان قتلة الحسين وأهله كانوا من الاشقاء المسلمين.في حين ان قتلة زماننا من الأعداء المؤيدين من بعض المسلمين، صحيح كذلك ان ضحايا المقتلة الأولى تجاوز عددهم نحو سبعين فردا، الا ان القتلى في زماننا تجاوزوا الأربعمائة، وأعدادهم تتزايد كل يوم.الا ان جرم القتلة كان واحدا وخذلان بعض الأهل بدوره واحداً، ولئن دخل قتلة الأولين الى التاريخ من باب اللعنة، فان قتلى زماننا دخلوا التاريخ من باب البطولة والمجد.
أفرق هنا بين ما هو عسكري يقوم على موازين القوة والقدرة على سفك الدماء وبين ما هو سياسي وتاريخي ينبني على القيمة والرمزية.من هذه الزاوية يقدم فلسطينيو غزة نموذجا يتقدم على أداء الحسين وأهله، ففي كربلاء الأولى سرعان ما انكسرت جبهة الحسين فانسحبوا من الحياة، الأمر الذي حز في نفوس الذين شايعوه، حتى انهم لايزالون يعبرون عن ندمهم بصور شتى حتى الآن.أما في كربلائنا الراهنة فالفلسطينيون لم ينكسروا ولم ينسحبوا وردوا الصاع لقاتليهم.ولئن ضرب الأولون المثل في التضحية فان الأخيرين ضربوا المثل في الصمود والكبرياء، الأمر الذي يضيف الى سجلهم صفحات مضيئة تبعث على الثقة وتحيي الأمل في المستقبل، بقدر ما تضيف الكثير الى رصيدهم على الصعيدين السياسي والتاريخي.

(2)
تحدثنا نشرات الأخبار عما فعله السيف في المعركة الدائرة، لكنها تبخس انجازات الدم حقها.كأنما تدعونا لأن نستسلم للحسرة والبكاء وتحاصر شعورنا بالعزة والكبرياء.تقول نشرة الأخبار الصباحية (الاثنين 7/21) ان 433 شهيدا سقطوا وان 3008 آخرين تعرضوا لاصابات مختلفة ولا تتوفر امكانيات علاجهم.ومن هؤلاء 904 أطفال.تخبرنا النشرة أيضا بأن 1007 منازل دمرت بالكامل و915 منزلاً تصدعت وأصبحت آيلة للسقوط و1746 منزلا أصابها القصف بتلفيات مختلفة، كما دمرت 79 مدرسة و23 وحدة صحية و27 مسجدا.وجراء التهديم والقصف العشوائي أصبح 61.479 شخصا بلا مأوى كما أصبح 900 ألف شخص بلا مياه في حين ان %80 من سكان القطاع البالغ عددهم مليوني شخص لم يعد يصلهم التيار الكهربائي سوى 4 ساعات يوميا كحد أقصى.ولا يكتفي شريط الأنباء بتلك القائمة الطويلة من الفواجع، ولكنه يعززها بشريط من الصور التي تسجل الخراب والجزع وتستدر الحزن والدمع.ويكاد الهلع يتسرب الينا حين نشاهد جثث الضحايا التي تتداولها مواقع التواصل الاجتماعي.الذين تفحمت أجسامهم وتشوهت أطرافهم والذين كسرت رؤوسهم وظهرت احشاؤهم... الخ.
ذلك كله صحيح لا ريب، لكنه يشكل أحد أوجه المشهد أو الوجه الأكثر بروزا فيه.لكن للصورة وجها آخر ينبغي ان يرى أيضا، ليس فقط من باب الانصاف، ولكن أيضا لكي نتجاوز الاحباط واليأس.
اذا توقفنا عند ذلك الوجه الآخر، فسوف نرصد المعالم التالية:
< ان المقاومين الفلسطينيين لم يستسلموا ولم ترهبهم قوة الجيش الغازي، ذلك أنهم لم يكتفوا بالصمود والتحدي، ولكنهم قرروا ان يردوا كيد المعتدي.وان يهاجموه في عقر داره.حتى بلغت بهم الجرأة حدا جعلهم يقصفون مدنه الكبرى وان يجبروا مئات الآلاف من الاسرائيليين على الاختباء في الملاجئ.وقد اعترف لهم بعض المعلقين الاسرائيليين بالشجاعة والبسالة.
< من أهم ما حققته المواجهة الراهنة أيضا انها أعادت احياء فكرة الانتفاضة الثالثة، التي ظن كثيرون أنها صارت جزءا من الماضي غير قابلة للتكرار (هذا هو رأى أبومازن أيضا) ولكن الجسارة التي تميزت بها المقاومة أثبتت ان جذوة الانتفاضة لم تنطفئ وان تجددها أصبح واردا في أي وقت.
< ان أولئك المقاومين خاضوا معركتهم وحدهم ودون أي ظهير. صدورهم العارية استقبلت قاذفات الأعداء وصواريخهم. وظهورهم لم تسلم من طعنات بعض الأشقاء، اذ قاتلوا وهم تحت الحصار من كل صوب.واذ لا ينسى أحد معركة حزب الله التي هزم فيها الاجتياح الاسرائيلي في عام 2006، فان أحدا لا ينبغي ان ينسى أيضا ان الحزب كان مدعوما بسورية وايران، وان خطوط امداده بالسلاح والذخيرة كانت مفتوحة، اضافة الى أنه خاض معركته في بيئة سياسية لبنانية متعاطفة معه.أما فلسطينيو غزة فقد حرموا من كل ذلك.
< فاجأ المقاومون الفلسطينيون عدوهم بعمليات نوعية لم تخطر له على بال.بصواريخهم التي وصل مداها الى 160 كيلومترا.وبالمنصات التي تطلق من تحت الأرض.وبتهديد الداخل الاسرائيلي واشاعة الذعر فيه.والطائرات بغير طيار وبالأنفاق التي وصلت الى بعض المستوطنات.
< بسبب الصمود والتحدي الذي بدا في الموقف الفلسطيني فان اسرائيل فشلت في تحقيق أي اجتياح بري واعتمدت بصورة شبه كاملة على قصف الطيران. وبعد قتل 18 جنديا وأسر آخر، تأكدت مخاوف الاسرائيليين من الثمن الذي يمكن ان تدفعه اذا غامرت بالاقدام على أي اشتباك على الأرض.
< ينبغي ان يحسب للمقاومة الفلسطينية انها لم تسبب حرجا للاسرائيليين فحسب، وانما بموقفها كشفت عن حقيقة المواقف في العالم العربي، اذا بدا واضحا للجميع الآن من يقف في الصف الفلسطيني منحازا الى القضية، ومن يقف في المعسكر الاسرائيلي منحازا الى العدو.وأحسب ان تلك هي المرة الأولى التي يتم بها الفرز على ذلك النحو الذي أصبحت فيه اسرائيل جزءا من محور عربي لا تقف فيه بعض الأنظمة فحسب، ولكن ينخرط فيه أيضا بعض المثقفين والاعلاميين.ان شئت فقل انه في السابق كانت اسرائيل تقف وحيدة أمام الاجماع العربي، حتى وان كان ظاهريا، أما في الوقت الراهن فان المقاومة الفلسطينية أصبحت تقف وحيدة أمام انقسام عربي صارت اسرائيل جزءا منه.

(3)
ثمة سؤال يتردد في الأوساط السياسية المصرية يقول: لو ان حماس وافقت على المبادرة المصرية لما سالت تلك الدماء الغزيرة ولما جرى من خراب ودمار في قطاع غزة؟ وهو السؤال الخطأ الذي انطلق من معلومات وتحليل خطأ.على صعيد المعلومات فرفض المبادرة المصرية لم تنفرد به حماس، وأكرر أنها رفضت من كل الفصائل الأخرى وعلى رأسها حركة الجهاد والجبهتان الشعبية والديموقراطية، علما بأنه لا يوجد فصيل فلسطيني له علاقة بالمقاومة أعلن تأييده لتلك المبادرة.
أما على صعيد التحليل فان أحدا لا يستطيع ان ينكر ان اسرائيل استقوت بالمبادرة التي سارعت الى الموافقة عليها، واستندت اليها لكي تتوسع في قصف القطاع.الأمر الذي يعني ان المبادرة كانت عنصرا ساعد على تكثيف القصف واسالة المزيد من الدماء وليس العكس.
ان الأسئلة التي تستحق المناقشة والمراجعة كثيرة، منها ما يلي: هل يجوز التنسيق والتشاور مع اسرائيل وتجاهل فصائل المقاومة قبل اطلاق المبادرة؟ ولو ان مصر تشاورت مع حماس والجهاد بوجه أخص أثناء اعداد المبادرة، أما كان لذلك أثره في ترجيح احتمالات قبولها ومن ثم وقف نزيف الدماء مع وقف اطلاق النار؟. ألا يمكن ان يؤدي تجاهل المقاومة الى اساءة الظن بالموقف المصري. واعطاء الانطباع بأن مصر أرادت احراج المقاومة وتعجيزها بأكثر مما أرادت وقف اطلاق النار؟ أما كان أدعى للثقة في الموقف المصري ان يناقش الأمر مع المقاومة لتحسين شروط التفاوض حول المستقبل بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي؟ هل من المنطقي والمناسب ان يتم التواصل بخصوص الموضوع مع السيد محمود عباس بدعوى انه رئيس كل الفلسطينيين، في حين معروف عن الرجل انه ضد المقاومة من الأساس، فضلا عن انه رئيس افتراضي وليس رئيسا حقيقيا، لأنه لا توجد للفلسطينيين دولة.علما بأن الرجل لا يتحرك الا بمقتضى تصريح من «دولة» اسرائيل؟ ولماذا تخلت الادارة المصرية الراهنة عن التقليد الذي اتبعته طوال العقود الأخيرة، وبمقتضاه كانت تدعو فصائل المقاومة وفي مقدمتها حماس والجهاد للتشاور حول مبادرات التوافق الفلسطيني أو التفاوض مع اسرائيل؟ والى أي مدى أثر صراع السلطة القائمة في مصر مع الاخوان على قرار مصر تجاهل التشاور مع حماس بخصوص المبادرة قبل اعلانها؟ وهل من الحكمة وحسن التدبير ان يجري الخلط بين الصراع الداخلي مع الاخوان في مصر وبين موقفها الاستراتيجي ازاء القضية الفلسطينية؟ أخيرا هل من اللائق ان يلح الموقف الرسمي المصري على لوم الفصائل التي رفضت المبادرة، في حين ان الغارات الاسرائيلية الوحشية مستمرة على غزة، والدماء الغزيرة تتدفق في مختلف مدن القطاع؟ وأما كان من الأحكم ان يستعلي الموقف المصري فوق الحسابات والمرارات الخاصة، متبنيا خطابا أكثر رصانة ووضوحا في مواجهة العدوان؟

(4)
لا يستطيع المرء ان يخفي شعوره بالخجل حين يقارن بين لغة اللوم والتأنيب التي توجه من مصر ضد الفلسطينيين، وبين لغة التفاهم والدعوة الى الانصات لمطالب المقاومة التي تنطلق في اسرائيل، أتحدث عن مقالة نشرتها صحيفة «هاآرتس» في 7/20 لواحد من أبرز كتابها هو جدعون ليفي، عنوان المقالة كان كالتالي: ماذا تريد حماس حقا؟ وخلاصتها ان الرجل لم يعترض على هجاء حماس وتوجيه مختلف الاتهامات لها، لكنه أضاف أنه مع ذلك فمن المهم للغاية الانصات اليها خصوصا حين أعلنت موقفها ومعها حركة الجهاد الاسلامي للخروج من الأزمة الراهنة.اذ دعت الحركتان اللتان تقودان المقاومة الأساسية في القطاع الى هدنة لمدة عشر سنوات، يتم خلالها التجاوب مع عشرة مطالب هي: انسحاب القوات الاسرائيلية من القطاع اطلاق سراح الذين اعتقلتهم اسرائيل بعد قتل المستوطنين الثلاثة خصوصا الـ57 شخصا الذين سبق الافراج عنهم في صفقة الجندي جلعاد شاليط ووقف الحصار وفتح المعابر وتمكين المزارعين الفلسطينيين من زراعة أراضيهم خارج السور وتوسيع مساحة الصيد التي يسمح للفلسطينيين بالعمل فيها وفتح ميناء غزة تحت رعاية الأمم المتحدة وفتح معبر رفح وابقاؤه تحت الاشراف الدولي اغلاق المجال الجوي الفلسطيني أمام الطيران الاسرائيلي السماح لأبناء القطاع بزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى وفتح المنطقة الصناعية بالقطاع وعدم تدخل اسرائيل في الشأن الداخلي الفلسطيني ووقف اعتراضاتها على حكومة الوحدة بين الضفة والقطاع.
ختم الكاتب مقالته بقوله ان حماس قصفت من اسرائيل واهينت من مصر.ومع ذلك فان الطلبات التي قدمتها مع حركة الجهاد تبدو منطقية ومشروعة، وتشكل مخرجا حقيقيا من الأزمة الراهنة، في حين ان الحل العسكري الذي تتبناه اسرائيل يبقى على الأزمة أمام طريق مسدود اذ يفاقمها ولا يحلها.
أليس من المفارقات ان نسمع ذلك الكلام العاقل من اسرائيل في حين نسمع نقيضه من مصر؟
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
370.0033
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top