مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

السياسة مؤجلة لما بعد الرئاسة

فهمي هويدي
2014/04/16   10:19 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

المجتمع أصبح منقسماً بصورة حادة لم يشهدها في تاريخه المعاصر والاستقطاب لم يعد مقصوراً على النخب السياسية
ثمة حقائق مدبّبة في واقعنا السياسي يتعين التعامل معها قبل أن تتحول من جراح إلى عاهات وعقد تعوق مسيرتنا


لماذا لا نأخذ بيان الإخوان بخصوص العنف على محمل الجد، ليس فقط لكي نختبر صدقيته، ولكن أيضا لكي نبحث عن مخرج للأزمة السياسية في مصر.

(1)
لا يقولن أحد انه لا توجد أزمة، أو ان ملف الإخوان أغلق ولم يعد يحتمل مزيد كلام. وهو ادعاء لا يمكن قبوله الا اذا اتفقنا على الاستسلام للغيبوبة، وقررنا ان ندفن رؤوسنا في الرمال، لكي لا نرى أو نسمع شيئا مما حولنا. ولكي نوهم أنفسنا بأن كل شيء على ما يرام وأن الدنيا ربيع والجو بديع، الأمر الذي يدعونا الى تقفيل كل المواضيع، كما تقول كلمات الراحل صلاح جاهين في الأغنية المشهورة. أما إذا أفقنا وخرجنا من حالة الإنكار فسنجد ان ثمة حقائق مدبَّبة في واقعنا السياسي يتعين التعامل معها، قبل ان تتحول من جراح يمكن علاجها الى عاهات وعقد تعوق مسيرتنا، ويستعصي البراء منها.
لن أضيف جديدا. لكنني أذكِّر فقط بأن المجتمع المصري أصبح منقسما بصورة حادة لم يشهدها في تاريخه المعاصر. وأن الاستقطاب مع ما استصحبه من تجاذب وكراهية متبادلة لم يعد مقصورا على النخب السياسية، وانما وصل الى عمق المجتمع في قراه ونجوعه، الأمر الذي أزعم أنه بات يهدد استمرار التعايش أو يخدم السلم الأهلي. أذكِّر أيضا بأن مخططات الإرهاب لم تتوقف. واذا كنا قد سمعنا عن عمليات لأنصار بيت المقدس وأخرى لمن وصفوا أنفسهم بأنهم أجناد مصر، فالله وحده يعلم ما هي خطواتهم القادمة، وما اذا كانت هناك منظمات أخرى بصدد الظهور أم لا. وينبغي ان يستوقفنا استمرار المظاهرات طوال الأشهر التسعة الماضية، وهو أمر غير مألوف، واشتداد تلك المظاهرات في الجامعات على نحو دعا أحد كبار مثقفينا الأستاذ بهاء طاهر الى اقتراح تعطيل الدراسة في الجامعات لمدة سنتين. أضف الى القائمة التركة الثقيلة المتمثلة في استمرار اعتقال نحو 25 ألف شخص من مختلف الاتجاهات السياسية، غير 16 ألف مصاب على الأقل، ثم تقديم أكثر من ألفين الى المحاكمات في قضايا يعلم الجميع كيف رتبت ولفقت. ثم ان أحدا لا يستطيع ان يتجاهل أو ينسى ملف الذين قتلوا خلال الأشهر الأخيرة. وعددهم تجاوز ثلاثة آلاف حسب تقرير بعض المصادر المستقلة (موقع ويكي ثورة حصر 3248 شخصا قتلوا في الفترة من 2013/7/3 وحتى 2014/4/31) هل بوسع أحد بعد ذلك ان يدعي بأنه لا توجد أزمة سياسية في مصر؟
أما القول بأن ملف الإخوان أغلق «الى الأبد» وانهم لم يخرجوا من السياسة فحسب، وانما خرجوا من التاريخ أيضا، فهو ادعاء يذكرنا بشعار «الحل النهائي» أو الأخير الذي رفعه النازيون في ألمانيا في أربعينيات القرن الماضي. وبمقتضاه دعا القادة النازيون الى تطهير ألمانيا وأوروبا كلها من اليهود. وأعدوا لذلك (في عام 1942) ستة معتقلات في بولندا لاستقبالهم، تمهيدا للخلاص منهم، صحيح ان ثمة فرقا بين ابادة جماعة بشرية، كما هو الحال في نموذج اليهود. وبين تطبيق الحل الأخير على الإخوان، لكنني أزعم ان ذلك الفرق لصالح ما أدعو اليه، باعتبار ان ابادة البشر قد تكون ممكنة. لكن الأفكار يتعذر ابادتها بقرار تصدره السلطة مهما كان جبروتها، ذلك ان الأفكار لا تقتل بفعل فاعل، وانما قد تموت بفعل الزمن، اذا شاخت وتآكلت ونضب معينها، وتاريخ المسلمين حافل بما لا حصر له من الفرق والملل والنحل، لكننا لا نعرف فكرة قتلتها سلطة، وان عرفنا العديد من الفرق، التي بادت بفعل الزمن. وليس بعيدا عنا ما فعله الرئيس السابق حافظ الأسد الذي أصدر قانونا في عام 1982 قضى باعدام كل من تثبت عضويته في جماعة الإخوان، لكن ذلك لم يستأصل الجماعة التي هي الآن عضو مهم ونشط في الائتلاف السوري. وقد حذا معمر القذافي حذوه، وكانت النتيجة مماثلة لما انتهى اليه الأمر في سورية، حيث هم الآن شركاء مهمون في المؤتمر الوطني الليبي.

(2)
حين ظهرت في أنحاء مصر بعض عمليات العنف النوعية، التي كان واضحا فيها انها ليست من فعل الهواة، كتبت مقالا في 25/3 كان عنوانه: ليحسم الإخوان موقفهم من العنف والإرهاب. وكان من العوامل الأخرى التي دفعتني الى ذلك ان المتحدث العسكري المصري ومختلف المنابر الاعلامية، أشاروا بأصابع الاتهام في العمليات الكبيرة التي تمت الى جماعة الإخوان، في حين أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس وأجناد مصر عن أنها المسؤولة عن تلك العمليات. وقد طالبت في مقالتي قيادات الإخوان باصدار بيان يرفض العنف ويدين ممارساته، ويتبرأ من الأصوات الداعية اليه في داخل مصر وخارجها. كما يؤكد على مواصلة النضال السلمي لاستعادة المسار الديموقراطي وتحقيق أهداف الثورة، جنبا الى جنب مع فصائل الجماعة الوطنية الأخرى، وتمنيت ان يؤكد الاعلان ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة ويدين أي اعتداء على القوات المسلحة والشرطة.
تعددت أصداء المقالة، بين تأييد وتحفظ وتنديد، ولكن أهم الأصداء كان ذلك البيان الذي أصدره في الثامن من ابريل الحالي الدكتور محمود حسين الأمين العام للجماعة، الذي ذكر فيه ان منهج الجماعة في الاصلاح يقوم على الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن أعضاءها تعرضوا للتعذيب الوحشي في السجون والمعتقلات في عامي 1954 و1965، لكنهم لم يحيدوا عن موقفهم الاصلاحي. ولكي يؤكد ذلك فانه استدعى عدة شهادات هي:
< تصريح للرئيس الأسبق حسني مبارك أثناء زيارته لفرنسا عام 1993 لجريدة لوموند الفرنسية، ونشرته عنه جريدة الأهرام في 1993/11/1، قال فيه ما يلي:
في مصر حركة سياسية تفضل النضال السياسي على العنف. وقد دخلت عناصر الحركة في بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح في انتخابات النقابات المهنية مثل الأطباء والمهندسين.
< تصريح وزير الداخلية الأسبق اللواء حسن الألفي في المؤتمر الصحافي الذي نشرت وقائعه في 1994/4/14 وأبرزته صحيفتا الأهرام والجمهورية آنذاك. اذ حين سئل عن علاقة الإخوان بتنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية (اللذين مارسا العنف آنذاك)، فكان رده: الإخوان جماعة لا يرتكب أفرادها أعمال عنف، بعكس تلك التنظيمات الإرهابية.
< تصريح أدلى به خبير الإرهاب الدولي بالأمم المتحدة اللواء أحمد جلال عزالدين لجريدة الأنباء الكويتية في 1994/8/14، وفيه قرر: ان الإخوان حركة دينية سياسية ليس لها صلة بالإرهاب والتطرف.. وهم في نظر عدد كبير من تنظيمات العنف يعتبرون متخاذلين وموالين للسلطة ومتصالحين معها.
< بيان أصدرته الجماعة في ذروة سنوات عنف التسعينيات (في 1995/4/30) وذكروا فيه أنهم: يجددون الاعلان عن رفضهم لأساليب العنف والقسر لجميع صور العمل الانقلابي الذي يمزق وحدة الأمة.. واذا كان جو الكبت والقلق والاضطراب قد ورط فريقا من أبنائها في ممارسة إرهابية روعت الأبرياء وهزت أمن البلاد.. فان الإخوان يعلنون في غير تردد أو مداراة أنهم برءاء من شتى أشكال ومصادر العنف.. وأن الذين يسفكون الدم الحرام شركاء في الاثم واقعون في المعصية. وهو ذات الموقف الذي عبرت عنه الجماعة بعد تفجير مركز التجارة العالمية في نيويورك عام 2001.
اعتبر البيان ان ذلك يمثل الموقف الثابت للجماعة منذ تأسيسها قبل 86 عاما وأن من ينسب نفسه اليها يجب ان يكون ذلك نهجه وتلك سيرته، فان دعا الى غير ذلك.. فانه ليس من الجماعة وليست الجماعة منه مهما أدى أو قال، والجماعة منه براء».

(3)
لم يخضع البيان لأي تحليل أو مناقشة جادة فيما هو معلن على الأقل، على الرغم من أهمية مضمونه ومصدره. وما حدث ان الاعلام تجاهله. ولم تشر اليه بعض الصحف (الأهرام والمصري اليوم). أما الصحف التي نوهت اليه فقد كانت عناوينها كالتالي: «الشروق» في 10/4 الإخوان تتبرأ من الدم الحرام ومصدر حكومي: إخوان كاذبون - أمين عام الإخوان: من يمارس العنف ليسوا منا ولسنا منهم ونستنكر كل أشكال ومصادر الإرهاب - الإخوان تتجمل بنبذ العنف والإرهاب شباب الجماعة ينقسمون - مصدر حكومي: البيان مراوغات إخوانية والأمن: مبادراتها لوقف العنف كاذبة - سياسيون بيانات ادعاء السلمية لن تغسل سمعة الإخوان.
عناوين جريدة «الوطن» التي صدرت في اليوم ذاته (4/10) كانت كالتالي: تنظيم الإخوان يتصدع: محمود حسين يتبرأ من العنف ويؤكد الالتزام والقانون - شباب الجماعة: اتت من جيل الانبطاح - أزمة داخل الإخوان: «أمين التنظيم» يؤكد الالتزام بالقانون ويتبرأ من العنف.
خلاصة الأصداء ان الرسالة رفضت من جانب المؤسسة الأمنية وعناصر النخب المتحالفة مع النظام القائم. ولست واثقا من أنها مصادفة، ان يصدر رئيس الوزراء في اليوم التالي مباشرة (4/10) قراره بتنفيذ حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة باعتبار الجماعة منظمة إرهابية وتطبيق قانون الإرهاب على المنتسبين اليها والمروجين لها. (هي بالمناسبة محكمة غير مختصة، لأن القضية من اختصاص القضاء الاداري وليس العادي، حسب رأي وزير العدل الأسبق المستشار أحمد سليمان).
إذا جاز لي أن أترجم تلك الأصداء فانني أراها ملتزمة بموقف اغلاق الأبواب ومن ثم اقامة الجدران وليس مد الجسور. وأكاد أرى خيطا يشدها نحو «الحل النهائي» الذي تبنته السلطة النازية في ألمانيا، على الأقل من زاوية الانطلاق من فكرة الاقتلاع والاستئصال.

(4)
لأن مستقبل الوطن ومصير الثورة أهم عندي من مصير الجماعة، فان السؤال الذي ينبغي ان يشغل الجميع هو: الى أي مدى يمكن ان تؤثر سياسة «الحل النهائي» على استقرار الوطن وتحقيق السلم الأهلي فيه بما يصحح مسار الثورة ويسترد روحها؟ ردي الفوري أنه بعد تجربة الأشهر التسعة الماضية فان تحقيق ذلك الأمل مشكوك فيه، لأن أحدا لا يستطيع ان يرجح امكانية تحقيق الاستقرار والسلم في مصر، في الأجل المنظور على الأقل، طالما استمرت السياسة الأمنية الراهنة على حالها.
أزعم في هذا الصدد أنه لا مجال للحديث عن السياسة في التعامل مع الأزمة قبل الانتخابات الرئاسية وربما البرلمانية أيضا، الأمر الذي يعني ان الاحتقان سوف يستمر حتى نهاية العام الحالي تقريبا. بالتالي فالمرجح ان نظل منشغلين طوال الأشهر المقبلة بالمظاهرات والمحاكمات وبملاحقة شباب الثورة المصرِّين على استعادتها وتحدي قانون التظاهر. وليس لدي تقدير للمزاج الشعبي في الفترة المقبلة، خصوصا في ظل الحديث عن الأزمات المتوقعة مثلا فيما خص تفاقم ظاهرة الغلاء وانقطاع التيار الكهربائي خلال أشهر الصيف.
ترتيبا على ما سبق فالشاهد أنه لا مجال للحديث عن أي تفاصيل لحل الأزمة السياسية ليس فقط بسبب التركيز في الوقت الراهن على ترتيب أوضاع المستقبل، لكن أيضا لأن مبدأ الحل ذاته يثير حساسية وحفيظة التيارات النازية في المجتمع المصري، فضلا عن المؤسسة الأمنية بطبيعة الحال. لذلك فان بيان الأمين العام للجماعة يغدو ابراء للذمة وليس اسهاما في انفراج الأزمة، وخطابا موجها الى التاريخ ولا محل له في حسابات الحاضر، وهو رهان أتمنى أن أخسره وتقدير يسرني ان يخيب - قولوا إن شاء الله.


فهمي هويدي
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
270.0131
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top