مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

أنا مع وضد

الثورات الشعبية والتغييرات النخبوية أيهما أفضل لدول العالم الثالث؟

د. عبدالله يوسف سهر
2014/01/25   08:45 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



أنا
تتعد المعاني العلمية للثورات مع اختلاف التأصيل النظري لكن المعني بالثورات الشعبية ينحصر في تلك التغيرات التي تصيب الدول جراء ثورة شعبية عارمة تخرج فيها الأغلبية النشطة للشارع، والتي تتراوح ما بين %5 الى %15 من الشعب، ليسقطوا النظام الحاكم، ويطلق أحيانا على هذه الثورات وصف التغيرات التحتية. كما المعنى هنا مختلف عن الثورات ضد الاحتلال والاستعمار التي هي اقرب الى حروب التحرير، كما يختلف المعنى عن الحروب الأهلية التي تجتاح بعض الدول حيث ينشق الشعب الى فئتين أو أكثر وينشغلون في حالة عنف فيما بينهم. أما التغييرات النخبوية أو الفوقية كما توصف أحيانا فهي تلك التي تقوم بها النخب لقيادة التغيير البنيوي للدولة من خلال انقلاب أو استحواذ نخبة ما على السلطة أو ظهور لقيادة كاريزماتية غير تقليدية طموحة للتغيير. حدثت ثورات شعبية كثيرة في دول العالم الثالث ممتدة من الصين الى أمريكا اللاتينية من قبيل الثورات الكوبية والصينية والايرانية وثورات الربيع العربي مثل المصرية والتونسية واليمنية والليبية. بخلاف الثورة الصينية لم تنجح أي ثورة شعبية أخرى في جميع دول العالم الثالث حتى الآن من تحقيق رخاء ونمو اقتصادي وتطور في بنى الدولة الأساسية، بل على العكس فان معظم هذه الثورات قد انتهت الى المزيد من التردي في الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. بينما حققت الثورات التي اجتاحت أوربا مثل الثورة الفرنسية والبريطانية والأسبانية وغيرها تطورا مبهرا على كافة الأصعدة فخرجت الى فسح رحبة من النمو والرخاء. وفي المقابل أحدثت بعض التغيرات الفوقية أو النخبوية تطورا في بعض دول العالم الثالث مثل ما حدث في ماليزيا وسنغافورا وتايوان وكوريا الجنوبية والى حد ما تركيا. اذا سلمنا بهذه المعلومة، فلعل الأسباب الكامنة وراءها هو في اختلاف تداعيات النوعين من الثورات الشعبية التي حدثت في الغرب والشرق. في الدول الغربية حملت الثورات تغيرات اجتماعية وثقافية جذرية ولم تحصر نفسها في تغيير البنية السياسية والهيكيلة للنظام الثائر ضده، بينما الحال في معظم الثورات الشعبية في دول الشرق ومنها بالتأكيد الدول العربية هي ثورات استطاعت ان تغير النظام الحاكم ولكنها عجزت عن تغيير البنى الثقافية والاجتماعية حيث لايزال العقل الثقافي والممارسات أو «العادات» الاجتماعية قائمة وهي المحركات الأساسية للتغيير نحو التطور. الاستثناء الوحيد الذي حدث في ثورات الشرق هي الثورة الصينية، بيد ان هذه الثورة قد صححت مسارها بعد رحيل ارهاصات الثورة الثقافية التي قادها ماو تسي تونغ حيث أتت نخب جديدة تمثلت ببداية ظهور مجموعة «تشينجوليان» التي طالبت بالتخلص من تركة الحرس القديم والبرجوازية البيروقراطية، وكذلك النخب التي أتت بعد رحيل ماو والتي أدركت ان تراجع عجلات التغيير يرجع الى الجمود الايديولوجي وتفاقم الشعور العاطفي فحدثت الانطلاقة التحديثية للصين، والتي من المتوقع أن تتفوق في منتصف العشرينيات من القرن الحالي على الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي. ومن الملاحظ ان التغيرات النخبوية أو الفوقية التي أحدثت تطورا حقيقا في دول العالم الثالث قد حملت تغيرات ثقافية في منظومات القيم الاجتماعية مثلما حدث في ماليزيا مما جعلها تلاحق الرخاء والنماء. اذن يمكن الخلاص الى نتيجة مؤداها أن الثورات التحية أو الشعبية ما لم تكن محملة بعزائم تغير كلي في منظومات القيم الاجتماعية والبنية الثقافية فسوف لن تواكب التطور وطموحات الشعوب. ان الأساس للتطور والتغيير للأفضل هو التغيير الذي يحمل تغييرا نوعيا في الأنفس التي تحتوي على القيم المتناقضة مع التحديث والعادات «غير الراشدة» وثقافة القولبة والتعصب... عندها يحدث التغيير الذي تطمح له الشعوب. {إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

مع
لاحظ ان الثورات التي حدثت في المجتمعات الغربية قد قادها المفكرون والفلاسفة والذين شكلوا قواعد جديدة لتغيير البينة التحتية في منظومة القيم الاجتماعية والسياسية والثقافية، بينما من قاد التغيير الفوقي «الانقلابات» هم العسكر ففشلوا ومن قاد أغلب التغيير التحتي هم المتعصبون ففشلوا أيضا.

ضد
إن صياغة نظرية بشأن الثورات والتغيير تختص بمعالجة وتفسير المجتمعات والدول العربية هو جهد مطلوب، لكن القفز على النتائج بهذا الشكل ونعت الذين قادوا التغيير بالمتعصبين والحكم عليهم بالفشل هو مجرد رأي قد يكون متأثراً بما يروج في الاعلام أكثر مما هو طرح علمي.

د.عبدالله يوسف سهر
sahar@alwatan.com.kw
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
3457.0043
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top