مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

«السلفية» وتشويه العابثين

د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي
2014/11/23   11:49 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان الا على الظالمين، أما بعد:
لَم يستطع أحد، ان يقتلع الاسلام من جذوره، - ولن يستطيعوا - عندما كانت المواجهة صريحة للقضاء عليه، فلم يكن لَهم ما أرادوا عندما قاموا بِإعلان معاداة دين الاسلام ومحاربته اسماً ورسماً جهاراً، قال تعالى: {يُرِيدُونَ ان يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ الا ان يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ هُوَ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ} (التوبة 33-32). ولذا سأتكلم على الدور الذي يُمارسه بعض من يدعي السلفية، وهو يقوم على تشويه السلفية ودين الاسلام.

السلفية هي الإسلام.. والإسلام هو السلفية

الاسلام هو الاسلام، فلا يُعرفُ الاسلام بالاسلام الجهاديِّ، ولا يوصف بالاسلام العلمي، فهو سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يزيغ عن هذا الطريق الا هالك، وان السلفية هي الاسلام، والاسلام هو الدين والايمان والعبودية لله، فأعلاها وأفضلها وأرفعها، لا اله الا الله، وأدناها اماطة الأذى عن الطريق، فقد روى البخاري (9) ومسلم (35) في «صحيحيهما» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا اله الا الله، وأدناها اماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الايمان». وفي روايةٍ لأحمد في «المسند» (379/2) باسناد صحيح: «الإيمان أربعة وستون بابا، أرفعها وأعلاها قول لا اله الا الله، وأدناها اماطة الأذى عن الطريق».

السلفية شعار الاعتقاد السليم والعمل الصحيح

ان السلفية اسم عام يشمل كل اعتقاد وعمل، عبادة ومعاملة وأخلاق وسلوك، ولقد كان القدوةُ والسلفُ في هذا الأمرِ كلِّهِ، هو صاحب الرسالة، وحامل الوحي، النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام الذين نصروا دعوته، واقتدوا بهداه، ونشروا دينه، وبلغوا سُنَّته، ولم يَحيدوا عن أثره أو يُخالفوا أمره وروى أحمد في «المسند» (126/4)، وأبو داود (4607)، والترمذي (2676)، وابن ماجه (44) في «السنن» ما صح من حديث العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب قلنا: يا رسول الله! ان هذه لَموعظة مودع فماذا تعهد الينا؟ قال: «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي الا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضوا عليها بالنواجذ». والسلفية شعار لأهل السنة ظهوراً وتميزاً عن كل مخالف، وليست من باب التزكية بل اعلان التمسك بالحق ومتابعة سبيل المؤمنين، فمن قال أنا على السلفية أو أنا سلفي أو أنا على مذهب السلف لا ينكر عليه. قال شيخ الاسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (149/4): الذي أراده والله أعلم فيقال له: لا عيب على من أظهر مذهب السلف، وانتسب اليه، واعتزى اليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون الا حقا. اهـ.

ما خبر السلفية العلمية، والسلفية الجهادية، والسلفية القتالية؟!

قد بينا ان الاسلام لا يعرف بالاسلام العلمي، ولا يوصف بالاسلام الجهادي، ولا ينبغي ان يطلق عليه الاسلام الحركي، وهو اصطلاح المثقفين المعاصرين، وكذلك الحذر من تسميته بالاسلام السياسي، فانه لَمزُ المعادين وقولُ المخالفين، قال تعالى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} (الكهف: 5)، وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} (العنكبوت: 68)، وقد ورد ذكر الاسلام في كتاب الله عز وجل في مواضع كثيرة مطلقاً من غير قيد، كما في قوله تعالى: {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاسْلاَمَ دِيناً} (المائدة: 3). فإذا كان لا يصح ان يقال الاسلام العلمي، فلا يصح تركيب السلفية العلمية، ولا تقييدها بقيد، الا اذا كان ما أرادوه معنى آخر!!، واذا كان لا يقال الاسلام الجهادي (بلا قيد)، فلا يصح تركيب السلفية الحهادية، الا ان أرادوا معنى مغايراً عن الاسلام، واذا كان لا يصح القول بالاسلام السياسي، فيصبح مفهوم السلفية السياسية مفهوماً يخالف مفهوم الاسلام، هذا على التسليم انهم موافقون لنا، ويذهبون الى ان الاسلام النقي، هو السلفية، والسلفية الصافية، هي الاسلام.

ما حده الشرع وعَرَّفه مُنِعَ تجاوزه

إن ما ذكره الشرع وعَرَّفه منع من تجاوزه، قال تعالى: {انَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 169)، ومما تقدم نعرف:
(1) ان امتثال الاسلام مطلق من غير قيد.
(2) والاتباع مطلق من غير قيد.
(3) وأن السير على نَهج السلف مطلق بلا قيود.
(4) واصطلاح السلفية يطلق من غير قيود، والسلفية هي الاسلام في شموله الذي بُعث به سيد الأولين والآخرين رحمة من رب العالمين، وما ضل من ضل من الطوائف والفرق، وما جرى من محن وفتن وويلات على أمة الاسلام، الا بسبب الانحراف عن عموم الاسلام، وانتزاع النصوص، وتجزئة الشرع والدين، فذهبت كل طائفة وفرقة بفهم وجزء من الشرع، وجعلته أصولاً ومرجعاً يرجع المريدين اليه والعمل عليه، ويتحاكم الخلق اليه، وهكذا!! فُهِمَتْ نصوص الشرع مفرقة دون جمع بينها، والله المستعان.

الفرق بين السلفية والسلفية العلمية «السياسة» أو السلفية الجهادية

السلفية التي ذكرها أهل العلم واصطلحوا عليها، تعني الاسلام بعمومه ورخصه وعزائمه، وتعني الدقة والجد في الاقتداء، والعمل بالنقل من النصوص الشرعية، والآثار الصحيحة، وطرح الرأي والاستحسانات العقلية، فطريق النقل واحد من عند الله، وعقول البشر مختلفة وشتى، فهل يستويان مثلا، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} (الزمر: 29)، لا يستوي التلقي من طريق واحد معصوم، والتلقي من جهات متفرقة غير مُحَصَّنة بالعصمةِ، قائمة على الاختلاف والتفاوت، وصدق الله تعالى: {الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.

السلفية طريقة العلماء الأجلاء

فاعلم رحمك الله ان هذه الأسماء المستحدثة من سلفية علمية (سياسية)، وسلفية قتالية (جهادية)، ما أنزل الله بِها من سلطان، فلا يغتر بِها انسان من عوام المسلمين مِمن يُحسنون الظن بالسلفية وطريقة العلماء الأجلاء، ولا يضرنا ما أفسدته هذه الطرق والدعوات على الناس في أمور الدين والدنيا، وذلك بالانتساب اليها، أو استغلالها لهذا الشعار العظيم (السلفية) الذي يشق الأرض طولاً وعرضاً بنقائه وصفائه، معتقدين أنهم بهذا التشويه صرف الناس عن الحق الى الباطل الذي يدعون اليه، قال تعالى: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} (الرعد: 17)، فالواجب علينا العمل بهمة عالية، والاقتداء بسلف الأمة في كل شؤون الحياة، والاهتمام بأمور الشرع، واتباع السنة في الصغير منها والكبير، وكما جاء باللفظ الشرعي «أعلاها وأدناها»، بلا قيود ومن غير حدود، الا ما جاء الشرع ببيان حده، وكشف عن ضوابطه وقواعده.

تقييد مفهوم السلفية تشويه لمعنى الإسلام

وما تلك الممارسات المنحرفة والجرائم البشعة وسفك الدماء المعصومة الا نوع من جنس أعمال الخوارج، بل الخوارج في أوج مذهبهم لَم يحصدوا ويفسدوا كما أفسد أولئك المعاصرون، ويشاهد العالم المسلم والكافر عبث هؤلاء الذين أوقعوا الأمة في ويلات وجروا على المسلمين الآمنين أذى علمه القاصي والداني ووصلوا الى درجة تشويه الاسلام وباسم السلفية أيضاً.

إياك والسلفيات المزورة

اخواني رحمكم الله ان الانتساب الى الاسلام والسلفية، وكونه مازال في دائرة الاسلام لا يمنحه ذلك البراءة من أفعاله وجرائمه، ومعلومٌ أنه اتخذ شعار السلفية مستغلاً نقاء الاسم وطهارته ليدرك جرائمه، وهذا التزوير لن يشفع له، فالسلفية منه براء، بل سلفه الخوارج والعابثين، فكيف وقد سَمَّى نفسه بالسلفية الجهادية (القتالية) قال تعالى: {ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ} (التوبة: 30)، وأخذ يسفك بيديه دماء المسلمين الآمنين قال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ} (الأنفال: 30).

السلفية تعصم الدماء وتحفظ الحرمات

الا يوقف من يسمون أنفسهم بالسلفية الجهادية ويردعها النصوص الشرعية من الكتاب والسنة:
-1 قال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} (المائدة: 32).
-2 وروى البخاري (1741) ومسلم (1679) في «صحيحيهما» من حديث أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، الا ليبلغ الشاهد منكم الغائب».
-3 وروى البخاري (6862) في «صحيحه» من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لايزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما». ولذا قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في «صحيح البخاري» (6863): (ان من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله).
-4 وروى أبو داود في «سننه» (4882)، وابن ماجه في «سننه» (3933) وصح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل المسلم على المسلم حرام، ماله، وعرضه، ودمه، حسب امرئ من الشر ان يحقر أخاه المسلم». ولنا وقفات مع السلفيات المزورة كالسلفية العلمية الجناح السياسي المنشق على أحد الجماعات العاملة في المجتمع.
ولله الحمد من قبل ومن بعد.

د. عبدالعزيز بن ندَى العتيبي
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 
مقالات ذات صلة بالكاتب


الاستهزاءُ بالرسولِ صلى الله عليه وسلم.. قضية وتاريخ
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  18/01/2015 09:24:29 م


ما الموقف من كلام فلانٍ في فلانٍ علماً ان المُتَكلِم والمتكلم فيه، من أهل السُّنة والجماعة؟
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  11/01/2015 09:38:58 م


الأعياد هوية الأمم فحافظوا على الإسلام
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  04/01/2015 09:14:25 م


هل الشرع مبناه على «الظن» أو«العلم واليقين»؟
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  28/12/2014 08:57:13 م


هَلْ نَعيشُ أَزْمَة أَخْلاقيَّة؟!
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  21/12/2014 08:56:05 م


«وأد الفتنة قبل انتشارها فإنّ الشعب إذا صلح بالضرورة ستصلح الحكومة»
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  14/12/2014 09:39:12 م


أثر الألفة والمخالطة في الانحراف عن الحق
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  09/12/2014 11:11:41 م


تصوّر لا يحترمون ابن باز؟!
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  17/11/2014 09:35:44 م


أيها السلفي! كن رجلاً شجاعاً فلا تجبن ودارِ الناس ولا تداهن
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  02/11/2014 09:39:10 م


هل يجوز زيارة المسجد الأقصى؟
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي  19/10/2014 10:42:52 م

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
271.0146
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top