مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

هل يعطل الوهن العربي إعمار غزة؟

فهمي هويدي
2014/09/03   09:20 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



الحرب التي استمرت 50 يوماً عرضت غزة لأكبر حملة قتل وتدمير في تاريخها

«شلتر كلامستر» قدرت أن إعادة إعمار البيوت والمرافق في القطاع ستستغرق 20 عاماً



أدعو إلى ستر عورة النظام العربي التي انكشفت أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة بجهد عربي لاعمار القطاع.

(1)
في صيف عام 1969 «يوم 21 أغسطس» قام مهووس صهيوني اسمه مايكل دينس باحراق الجامع الشرقي للجامع القبلي في الجهة الجنوبية بالمسجد الأقصى، الأمر الذي أدى إلى تدمير واتلاف معالمه التي كان منها منبره التاريخي الذي ينسب إلى صلاح الدين الأيوبي، وهو ما أحدث صدمة في العالم العربي والإسلامي، أدت إلى خروج المظاهرات التي طالبت بحماية الأقصى وانقاذه، فدعا الملك فيصل بن عبدالعزيز زعماء الدول الإسلامية إلى اجتماع طارئ في العاصمة المغربية الرباط، تم خلال شهر «في 22 سبتمبر» وتأسست فيه القمة الإسلامية التي لاتزال مستمرة إلى الآن.
بعد 45 عاما، في صيف عام 2014 أمر مهووس صهيوني آخر هو بنيامين نتنياهو بتدمير قطاع غزة بأسره وإغراقه في بحر من الدماء والأشلاء والخرائب، في حين وقف زعماء العالم العربي الإسلامي متفرجين وذاهلين، ولم يصدر عنهم بهذه الصفة تحرك يذكر، على الرغم من ان الصدمة كانت أكبر والثمن كان أفدح.
لم يخل الأمر من مفارقة، لأن صدى حريق المسجد الأقصى كان له دويه في العالم العربي والإسلامي في عام 1969، في حين أن العالم الخارجي لم يكترث به كثيراً، أما تدمير غزة هذا العام فقد كان صداه عكسيا، إذ وقف العالم العربي والإسلامي متفرجا، في حين ان الصدى في العالم الغربي وصولا إلى أمريكا اللاتينية كان أفضل بكثير، وربما كانت المفارقة كاشفة عن شيء آخر، فضلا عن متغيرات اتجاهات الريح السياسية بطبيعة الحال، وهو ما يتمثل في ان مفهوم المقدس عندنا يختلف نوعا ما، اذ انه في الوعي الجمعي ينصرف إلى المكان والرموز لكنه لا يضفي الأهمية ذاتها على الحياة الانسانية التي لها قداستها في الثقافة الغربية، على العكس مما يقرره موروثنا الثقافي الذي يعتبر ان قتل النفس بغير حق بمثابة قتل الناس جميعا، كما ورد في النص القرآني «سورة المائدة الآية 32».

(2)
الحرب التي استمرت خمسين يوما عرضت غزة لأكبر حملة قتل وتدمير في تاريخها، فحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية فإن عدد القتلى وصل إلى 2144 شخصا، منهم 569 طفلا و275 امرأة، أما الجرحى فقد قدر عددهم بنحو عشرة آلاف و600 مواطن، أما التدمير فحصيلته كالتالي: 6300 منزل دمرت بالكامل اضافة إلى عشرة آلاف و300 منزل أصيبت بأضرار جسيمة، وكانت نتيجة ذلك ان تم تشريد ما بين 250 ألفا إلى 300 ألف شخص، ذكرت من قبل ان عددهم نصف مليون، ولم يكن الرقم دقيقا، وهؤلاء وزعوا على مراكز الايواء التي كانت المدارس والأماكن العامة عمادها الرئيسي، وللعلم فان عملية التدمير لم تشمل المباني السكنية فقط، ولكنها استهدفت المستشفيات والمدارس والمساجد والمرافق ومواقع البنية التحتية، ولم تستثن المباني التابعة للأمم المتحدة، ذلك ان القصف الإسرائيلي لم يكتفِ بالتمادي في قتال المدنيين، وانما استهدف كل ما هو محظور دوليا في زمن الحرب، إذ بدا واضحاً ان القيادة الإسرائيلية تصرفت بانفعال وصل إلى حد الجنون، بعدما فوجئت بصمود المقاومة وابتكاراتها وارتفاع مستوى أدائها القتالي الذي هدد الداخل الإسرائيلي ونقل الخوف اليه، لذلك قررت معاقبة كل الفلسطينيين والفتك بهم من خلال القصف الجوي، لأن الطيران كان سلاح التفوق الوحيد الذي لم يكن بمقدور المقاومة ان تتحداه لأسباب مفهومة.
في اتصال هاتفي، قال لي السيد إسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة القطاع السابق، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، انه ازاء حملة التدمير التي تعرض لها القطاع فان قضية الاعمار والاغاثة وتشغيل المرافق العامة تحتل رأس اولويات المرحلة الراهنة، وفي التفاصيل ذكر ان مناطق كاملة تعرضت للتدمير على رأسها بيت حانون والشجاعية وخزاعة ورفح، كما ان احياء فلسطينية عدة تعرضت لحملة الابادة بحيث لم يبق منها حجر على حجر، في المقدمة منها احياء جحر الديك الزنة الفراحين القرارة.
في رأيه ان لنظام غزة مطالب أخرى، بينها استكمال كسر الحصار وفتح المعابر ومواصلة المفاوضات المتعلقة بتشغيل المطار والميناء واطلاق سراح الاسرى، لكن الاعمار يظل القضية رقم واحد في هموم اللحظة، خصوصا اننا مقبلون على فصل الشتاء الذي يضاعف من معاناة الذين دمرت بيوتهم، من ثم فالوقت امامنا ضيق للغاية، ويتعين ادارة عجلة الاعمار بأسرع ما يمكن خلال الشهرين القادمين.

(3)
في الاخبار ان مؤسسة «شلتر كلامستر» المعنية بتقييم اعادة البناء في اعقاب الصراعات قدرت ان اعادة اعمار البيوت والمرافق في قطاع غزة سوف تستغرق 20 عاما، هذا على افتراض انه تم ترتيب مرور 100 شاحنة محملة بمواد البناء يوميا، وقد نقلت وكالة أنباء الشرق الاوسط المصرية ذلك الخبر في 8/30، مشيرة إلى ان المنظمة المذكورة تمثل تكتلا يضم العشرات من وكالات المساعدات التي تنسق الجهود الدولية لتوفير السكن للمتضررين من الصراعات والكوارث، وتشارك في رئاستها وكالة الأمم المتحدة للاجئين والصليب الأحمر.
في ذات الوقت كانت النرويج قد اعلنت عن عقد مؤتمر لاعمار غزة في شهر اكتوبر المقبل، ولكن مصر عرضت استضافته في القاهرة، وتم الاتفاق على ذلك، وقد ذكرت وكالة «معا الاخبارية» ان موضوع اعمار القطاع والمؤتمر المنتظر تمت مناقشتهما بين وزيري الخارجية المصري والأمريكي.
التقدير المتداول فلسطينيا ان عملية الاعمار سوف تتكلف ستة مليارات من الدولارات، وليس واضحا حتى الآن على الاقل الجهات التي ستتولى توفير المبلغ، لكن التقارير الصحافية تحدثت عن مساهمات خليجية متفرقة في عملية الاعمار، فالسعودية أعلنت عن تقديم 580 مليون دولار لأجل ذلك، والهلال الأحمر الاماراتي قدم نحو 40 مليون دولار، والكويت قررت ان تقدم اسهامها إلى الصندوق العربي للتنمية، وقطر أعلنت عن تنفيذ ثلاثة مشروعات حيوية اسهاما منها في الاعمار.
حين سألت مسؤولا في القطاع عن مصير تلك المساعدات، كان رده ان المعلومات قد تكون صحيحة، لكن المبالغ المذكورة لم يصل منها شيء إلى غزة وربما تسلمتها جهات أخرى أو ان اجراءات تسليمها لم تستكمل بعد، تستثنى من ذلك المساعدات القطرية التي وجهت إلى غزة مباشرة، بصورة نقدية أو عبر مشروعات جار تنفيذها.

(4)
أخشى ما اخشاه ان تتعثر المساعدات المطلوبة، وألا يفي ما يقدم منها باحتياجات الاعمار، وأرجو الا تتدخل الحساسيات والتحالفات السياسية في توجيه تلك المساعدات، وهي حساسيات بعضها اقليمي وخليجي بالدرجة الاولى، وبعضها فلسطيني لايزال يعيش بعقلية التنافس والتجاذب السابق بين فتح وحماس ويحاول ان يسقط ذلك على العلاقة بين رام الله وغزة، وللأسف فان حديث ابومازن الاخير في الاسبوع الماضي بدا متأثرا بتلك الاجواء، التي يفترض انه تم تجاوزها بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية.
ان الوقت لا يحتمل تراخيا ولا تلاسنا، لأنني ازعم ان أي شيء من ذلك القبيل يعد جريمة لا تغتفر، على الاقل في حق مئات الالوف الذين دمرت بيوتهم وشردهم الاعداء، ثم جنى عليهم وضاعف من عذاباتهم مماحكات الاشقاء والاصدقاء.
لا اتوقع في ظل الفرقة العربية الراهنة ان تنعقد قمة عربية لاعمار غزة، مماثلة للقمة الإسلامية التي عقدت قبل 45 عاما غضبا للمسجد الأقصى، فقد اختلف الزمن واختلف الرجال وتغيرت الاولويات ومنظومة القيم السائدة، فالنظام العربي بات الآن مشغولا بارهاب «داعش» وغير عابئ بارهاب إسرائيل التي صارت تدعي بأن لها «حلفاء» بين العرب.
وللأسف فان أي جهد آخر في العالم العربي بات يحتاج إلى قرار سياسي، بعدما احكمت الانظمة العربية قبضتها على المجتمعات العربية، فاذا دعونا إلى التنسيق بين اسهامات الاعمار العربية فان ذلك يحتاج إلى قرار سياسي، واذا اقترحت الاستعانة بجهد وخبرة المعماري الياباني الشهير شاجيرو بان الذي تميز بابداعه في تصميم منازل لايواء المنكوبين، ونفذ فكرته في دول عدة ضربتها الزلازل والكوارث الطبيعية مثل رواندا وتركيا والهند والصين واليابان، فلذلك بدوره يحتاج إلى قرار سياسي.
واذا ذكَّرت بالجهود التي بذلتها نقابة المهندسين المصريين واتحاد المهندسين العرب لاستخدام انقاض المباني المهدمة في انتاج «بلوكات» توظف في اقامة مبان جديدة فان ذلك ايضا مما يتعذر الاخذ به الا اذا توفر الغطاء السياسي الذي يسمح للمهندسين المصريين والعرب بالقيام بتلك المهمة.
لقد خطر لي ان اقترح اعلان «المؤاخاة» بين بعض المدن والاحياء العربية وبين نظيراتها في غزة، بحيث تتكفل كل مدينة أو حي بنظير له في القطاع ويوفر له احتياجاته من المباني والخدمات والمرافق، وخطر لي ان ذلك سوف يوزع عبء الاعمار على الامة العربية ويوثق العلاقات بين قبائلها السياسية المتشرذمة والمتنافرة فتتآخى الرياض مع بيت حانون والقاهرة مع رفح والشارقة مع القرارة والرباط مع خزاعة والضاحية في لبنان مع جحر الديك والدوحة مع الشجاعية والجزائر مع الزنة ومسقط مع الفراحين..الخ.
لقد استحسن السيد اسماعيل هنية الاقتراح، لكنني وجدت انه يصلح لمقالة تنشر في حين لا ترحب به خرائط الواقع، لأن التنافر الحاصل في العالم العربي بات يستبعد فكرة المؤاخاة بين مكوناته من اساسها، وربما كان الاكثر قبولا في الاجواء الراهنة ان نوقف المؤاخاة السرية التي تمت بين بعض العواصم العربية وبين تل ابيب، لا ان ندعو إلى المؤاخاة بين تلك العواصم ومدن القطاع، ولولا ان المكالمة الهاتفية انتهت لأبلغته بأنني عدلت عن الاقتراح وسحبته، وأرجو ان تصله الرسالة عبر هذه المقالة.

فهمي هويدي
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
2573.0013
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top