مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

الطريق إلى الله

معرفة الشهود (2)

السيد ابوالقاسم الديباجي
2014/07/10   08:47 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



في سياق مقالنا السابق عن معرفة الشهود.. فاننا نستدل من سياق الآية الكريمة: {وقُلِ اعْمَلوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (التوبة: 105) ان الرؤية المذكورة في هذه الآية انما هي رؤية في الدنيا وما قبل البعث بدليل قوله تعالى في تتمة الآية: {وستردون الى عالم الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة: 105)، وتدل الآية كذلك على ان حقائق أعمال الناس جلية واضحة يشهدها الله عزَّ وجلَّ ورسوله والأئمة والخواص من المؤمنين وهم شهداء الأعمال في حين ان العاملين بها لا يرون الا ظاهر أعمالهم وأما حقيقتها فهي مستورة عنهم ولا يقفون عليها الا يوم القيامة كما في قوله عزَّ وجلَّ: {لَقَدْ كُنتَ في غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنكَ غِطاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} (ق: 22).
فيا عزيزي القارئ، لقد تعدَّد الشهود على أعمالك فالى أين الفرار من محكمة رب العالمين وهو أحكم الحاكمين الذي قال بعد اقامة الحجة واتمامها: {ما يُبدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ} (ق: 29)، فهل تعزم على المعصية فضلا عن ارتكابها وأنت تعلم ان لله عزَّ وجلَّ الحجة البالغة وهو محيط بك علما ويشهد عليك شهودا وتعلم أيضا ان كتاب أعمالك الحسنة منها والسيئة الكبيرة منها والصغيرة الظاهرة منها والباطنة تُعرَض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة (ع).
فاذا جعلت في تصورك وحسبانك ان كل عمل سيئ تقوم به وتعتقد ظاهرا أنك في الخلوة فاعلم أنك أمام ملأ من الشهود الناظرين المراقبين فهل تتجرأ ان تقوم به!!.
ولما كانت الشهادة تؤدَّى يوم القيامة ولازمة الشهادة هي الرؤية بمعنى ان الشاهد لابد ان يكون حاضرا في مشهد العمل سواء كان عملا صالحا أو عملا سيئا لكي يرى ويشهد شهادة حقيقية صادقة فهلاّ تخجَّلنا من أنفسنا ونحن نرتكب ذنبا أو معصية في معرض شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة (ع) فضلا عن شهادة رب العالمين سبحانه وتعالى!! ان ارتكاب الذنب والمعصية الى جانب أنه يوجب الزجر والعقاب فهو هتك لحرمة الله سبحانه وتعالى وحرمة رسوله وأوليائه الصالحين!! فواخجلتاه من مشهد يوم عظيم ان كنا غافلين عن مراقبة أنفسنا في أقوالنا وأفعالنا ونياتنا وضمائرنا وسرِّنا وعلانيتنا!!.
أيها السالك الى الله!! لا يَعمِي أبصارَ القلوب عن رؤية الحق ولا يمنع النفس عن معرفته الا حب الدنيا واتباع الهوى، فلابد بعد التوبة والانابة والصدق والاخلاص والتضرع الى الله عزَّ وجلَّ وأن تلزم المراقبة الشديدة والحياء الدائم من الله عزَّ وجلَّ حق الحياء في الظاهر والباطن والسر والعلن وأن تمثِّل كلمة الحق {ألمْ يَعْلَمْ بأنَّ اللهَ يَرَى} (العلق: 14) بين عينيك وتعتقد بحقيقتها اعتقادا قلبيا راسخا وتشعر بأنك في محضر الشهود في كل زمان ومكان وأن أعمالك كلها مرئية مشهودة لديهم، فاذا كنت ترى ربك بعين الباطن والقلب ولم ترَ سواه وراقبت أعمالك وأقوالك ولم تكن غافلا عن مراقبة الحق لك ولكل شيء كما قال جل شأنه: {وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ رَقِيباً} (الاحزاب: 52)، هنالك تكون نفسك مطمئنة غير وجلة ولا خائفة من شهادة الشهود عليها يوم الأزفة {اذِ الْقُلوبُ لَدَى الحناجر كَاظِمينَ} (غافر: 18).
والمثال الحي الذي يمكن ان نعتبر منه في حياتنا الدنيا ويذكرنا بالآخرة والوقوف بين يدي الله عزَّ وجلَّ يوم الحشر الأكبر هو الوقوف بعرفات حيث يجمع الله تعالى الخلائق في صعيد واحد ويكون الحاج فيه محرما عن كل زخارف الملذات الظاهرية وزينة العلائق الدنيوية ويعيش في صحرائها سويعات يحاسب فيها نفسه ويعترف بذنوبه فيتضرع الى الله ويستغفر وتتمثل أمام عينيه محكمة العدل الالهي والشهود مأمورون بأمر الله للادلاء بشهاداتهم عليه فيشهد على نفسه ويحاسبها من قبل ان يشهد عليه الآخرون!!.
وبعد معرفة الشهود الذين يشهدون على أعمالنا فلماذا إثارة الطائفية والتفرقة بين المسلمين وخاصة بين المواطنين فلنخف من الله عز وجل وهو الناظر الينا ولنخجل من رسول الله (ص) الذي تسوؤه أفعالنا وأعمالنا.
لذا فلنحافظ على الوحدة الاسلامية والتي فيها رضا الله سبحانه وتعالى وبالأخص الوحدة الوطنية ولنكن أوفياء للأرض التي حضنتنا وحضنت آباءنا وأجدادنا والتي تربينا عليها وهيأت لنا أسباب الراحة من مأكل ومشرب ومسكن وامن وامان وكل النعم التي يتمناها كل البشر في العالم، والارض التي جمعت شملنا بعد تفرقنا في بقاع العالم وابتعادنا عن أهالينا وأحبائنا لمدة سبعة أشهر إبان الغزو الصدامي، ولنحافظ عليها بالابتعاد عن التفرقة واثارة النعرات والفتن الطائفية والمذهبية والقبلية والتي لم تصب مجتمع الا ودمرته وأهلكته، وكل انسان عاقل يدرك تماما ان الطائفية مقبرة للأوطان وانتكاسة للانسان والانسانية، لذا علينا الالتزام بالوحدة الوطنية ووأد الفتن حتى نستطيع ان نترقى ونواكب عصر التطور والتكنولوجيا ونزدهر ونعبر المنعطفات والمطبات الصعبة العبور ونجتازها ونحقق المستحيل وغير الممكن.

السيد ابو القاسم الديباجي
الأمين العام للهيئة العالمية للفقه الإسلامي
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
270.9986
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top