مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

الطريق إلى الله

معرفة الشأن (1)

السيد ابوالقاسم الديباجي
2014/07/02   08:27 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



إن من الامور التي تقرب الانسان الى الله عزّ وجلّ هي معرفة الانسان شأنه، قال الراغب في مفرداته: الشأن هو الحال والأمر الذي يتفق ويصلح، ولا يقال الا فيما يعظم من الأحوال والأمور.
وقيل: ان الشأنَ عبارة عن مراتب الانسان ومقاماته الحاصلة في الكامل والمكمونة في الناقص والأحوال الطارئة له بحسب مقاماته.
فالشأن مرتبة من مراتب الوجود، ولا يمكن للوجود ان يتحرك ويتجه الى الكمال الا بعد معرفة الشأن، وما لم يعرف الانسان شأنه ومرتبة وجوده فهو يُقْدم على أعمال دون شأنه كالذي يملك قطعة من ذهب يريد بيعها وهو لا يعرف قيمتها فيبيعها بثمن قليل دون ثمنها الحقيقي.
ويُعَدُّ عدم معرفة الانسان شأنه من المهلكات، فهو يبيع انسانيته وشخصيته وحريته وشرفه وكرامته بثمن بخس في سبيل الحصول على لذة داثرة منقطعة وهو يحسب أنها غاية السعادة وكمالها.
عن الامام الصادق (ع) قال: «أبْعَدُ ما يَكونُ العَبْدُ مِنَ الله عزَّ وجلَّ اذا لَمْ يَهُمُّهُ الاَّ بَطْنُهُ وَفَرْجُهُ».
وما يعنيه الامام (ع) بالاهتمام بهاتين الشهوتين هو الافراط فيهما والا فالشرع والعقل يحكمان بقضائهما في حدودهما وذلك ابقاءً للنوع وحفاظا على سلامة البدن.
فالله عز وجل منح الانسان العقل وميزه به عن سائر المخلوقات حتى لا تطغى عليه الشهوات واللذات ويصبح كل همه ارضاء أهوائه وشهواته، وبالعقل يستطيع معرفة الله عز وجل ومعرفة شأنه ومنزلته.
ولمعرفة الشأن أربع مراحل:
-1 دموع الشوق: فالانسان بطبيعته يشتاق الى المبدأ الأعلى والموطن الأصلي وهو جوار رب العالمين، فيبكي، وبكاؤه - وان كان يخلو من المعرفة - بكاء شوق الى الحبيب، ومع دموع الشوق يتوجَّه الى الله عزَّ وجلَّ، وبالمعرفة - وهي أقرب الطرق الى الله - يُصْقَل هذا التوجُّه ويُرْشَد السالك الى الصراط المستقيم، ويمكن القول ان دموع الشوق تنشأ من توجُّه القلب نحو معرفة صفات الله اللُّطفية واسمائه الجمالية وتجلِّياته الرحمانية.
-2 دموع الخوف: والخوف من ضروريات حياة السالك الى الله، ودموع الخوف تنشأ من توجُّه القلب نحو معرفة صفات الله القهرية واسمائه الجلالية.
وروي عن الصادق جعفر بن محمد (ع) أنه قال: يا يونُسَ ان مِنَ البَلِيَّةِ الخَدْشَةَ واللَّطْمَةَ والعَثْرَةَ والنَّكْبَةَ والقَفْزَةَ وانْقِطاعَ الشَّسْعِ وأشْباهَ ذلك، يا يونُسَ ان المُؤْمِنَ أكْرَمُ عَلى الله تعالى مِنْ ان يَمُرَّ عَلَيْهِ أرْبَعونَ لا يُمَحَّصُ فيها مِنْ ذُنوبِهِ ولَوْ بِغَمٍّ يُصيبُهُ لا يَدْري ما وَجْهُهُ، والله ان أحَدَكمْ لَيَضَعُ الدَّراهِمَ بَيْنَ يَدَيْهِ فيَزِنُها فيَجِدُها ناقِصَةً فيَغْتَمُّ بذلِكَ ثمَّ يَزِنُها فيَجِدُها سَواءً ذلك حَطًّا لبَعْضِ ذُنوبِهِ.
فاذا كان هذا القدر من الغم والحزن يحطُّ الذنوب والخطايا فكيف بمن يُبتَلى بداهية عظمى ومصيبة كبرى!! فلا تعجب ان قلنا ان للخوف والحزن مقاما رفيعا عند العارفين.
-3 المقام المحمود: بعد معرفة الأسماء الجلالية والجمالية لرب العالمين وتحقق اللذات الروحية يبدأ دور المقام المحمود الذي لا يُنال الا باحياء الليالي وصلاة الليل كما في قوله عزَّ وجلَّ: {ومَنِ اللَّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى ان يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحموداً} (الاسراء: 79)، وقد ورد عن الامام أبي جعفر (ع) أنه قال: «قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ ما تَقَرَّبَ الى عَبْدِي بمِثْلِ ما افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وانَّهُ لَيَتَقَرَّبُ الى بالنَّافِلَةِ (بالنَّوافِلِ) حَتَّى أحِبُّهُ فاذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ بهِ وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ بهِ ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها ان دَعاني أجَبْتُهُ وانْ سَألَني أعْطَيْتُهُ»، فكيف بصلاة الليل وهي أعظم النوافل وأرفعها شأنا كما بين ذلك الامام الصادق (ع) حيث قال: «ما مِنْ حَسنَةٍ يَعْمَلُها العَبْدُ الاَّ ولها ثوابٌ مُبينٌ في القُرْآنِ الاَّ صَلاةَ اللَّيْلِ فَانَّ اللهَ لَمْ يُبَيِّنْ ثوابَها لِعِظَمِ خَطَرِها عِنْدَهُ فقالَ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ}». والآية هي: {تَتَجافَى جُنوبُهُمْ عَنِ المضْاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقونَ، فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لهمُ مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة: 17-16).

السيد أبو القاسم الديباجي
الأمين العام للهيئة العالمية للفقه الإسلامي
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
848.9999
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top