مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

الطريق إلى الله

معرفة الشأن (2)

السيد ابوالقاسم الديباجي
2014/07/03   10:43 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



اليوم نستكمل مراحل معرفة الشأن حيث ذكرنا ان المرحلة الثالثة هي المقام المحمود والمقام المحمود هو مقام خاص وعد الله سبحانه وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليشرِّفه به يوم القيامة دون الخلائق أجمعين، وهو مقام الشفاعة الكبرى له صلى الله عليه وآله وسلم، فيحمده عليه الأوَّلون والآخرون، وذلك بعدما يثني رسول الله (ص) على ربه تعالى بثناء الهي خاص لم يثْنه عليه من قبل أحد، وبعد الفراغ من الثناء يقال له: سَلْ تُعْطَه واشْفَعْ تُشَفَّع، فيشفع في الشافعين ان يشفعوا، فيشفع الشافعون لمن هو أهل للشفاعة، ولما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة وقدوة للمؤمنين في أقواله وأفعاله كما في قوله عزَّ وجلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21) فعلى المؤمن السالك الى الله ان يسلك مسلكه وينهج نهجه ويتشبَّه به قدر المستطاع حتى يستقبل قلبه وروحه تشعشعات أنواره القدسية ويسأل الله تعالى ان يبلغه المقام المحمود عند الله عز وجل.
ولا غرابة في هذا القول حيث انه يماثل قول الأئمة(ع) في التخلق بأخلاق الله لا من باب الألوهية والربوبية الخاصة به سبحانه لا شريك له في ذلك ولكن من باب أفعاله الكمالية التي تزيد من القرب اليه والزلفى لديه وكونه مصداقا لقول نبي الله عيسى بن مريم (ع): «مَنْ يُذَكِّرُكُمُ اللهَ رُؤيَتُهُ»، حيث روي أنه سأله الحواريون وقالوا: يا روح الله من نجالس؟ فقال (ع): «مَنْ يُذَكِّرُكُمُ اللهَ رُؤيَتُهُ ويَزيدُ في عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ ويُرَغِّبُكُمْ في الآخِرَةِ عَمَلُهُ».
4 - مقام التصرف في عالم الوجود: في هذا المقام يصبح ارادة المؤمن في ارادة الله ولا يشاء الا ما يشاء الله، وهذه هبة الهية ومنحة ربانية لمن أخلص لله تعالى وخلَّص نفسه من تعلقات الدنيا الدنية وسما بروحه الى أعلى المراقي المعنوية، فيكون مسيطرا على وجوده بحيث يصبح بدنه تابعا لروحه لا العكس، ومن هنا يبدأ مقام طيّ الأرض ومقام كن فيكون والمقامات العالية الأخرى.
ولا عجب في ذلك، فقد ورد في الحديث القدسي ان الله عزَّ وجلَّ قال: «يا ابْنَ آدَمَ أنا أقولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكونُ أطِعْني فيما أمَرْتُكَ أجْعَلْكَ تَقولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكونُ».
ومن المصاديق القرآنية المشهورة لهذا المعنى الآية الكريمة: {قَالَ يَا أيُّهَا الْملَأ أيُّكُمْ يَأتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ ان يَأتُونِي مُسْلِمِينَ، قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ ان تَقُومَ مِن مَقَامِكَ وَانّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أمِينٌ، قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ ان يَرْتَدَّ الَيْكَ طَرْفُكَ} (النمل: 38 - 40).
وقد قال البعض في تفسير {قَبْلَ ان يَرْتَدَّ الَيْكَ طَرْفُكَ} أي قبل انضمام جفني العينين بعد فتحهما للنظر، ولكن السيد العلامة الطباطبائي(ره) جاء بمعنى أدق وألطف في تفسيره حيث قال: ان الطَّرْف على ما قيل هو اللحْظ والنظر، وارتداد الطَّرْف وصول المنظور اليه الى النفس وعِلْم الانسان به، والمراد أنا آتيك به في أقل من الفاصلة الزمانية بين النظر الى الشيء والعلم به، وقال أحد المشايخ: وأما فضلُ العالِمِ مِنَ الصِّنْفِ الانسانيِّ عَلَى العالِمِ مِنَ الجِنِّ بأسْرارِ التصْريفِ وخَواصِّ الأشياءِ فَمَعْلومٌ بالقَدْرِ الزَّمانيِّ، فَانَّ رُجوعَ الطَّرْفِ الى الناظِرِ بهِ أسْرعُ مِنْ قِيامِ القائِمِ مِنْ مَجْلِسِهِ، فكانَ عَيْنُ قَوْلِ آصِفِ بْنِ بَرْخِيا عَيْنَ الفِعْلِ في الزَّمَنِ الواحِدِ.
ثم قال في تفسير انتقال عرش بلقيس من اليمن الى فلسطين في لحظة واحدة: لما كانَ تحقُّقُ الموجوداتِ في عالَمِ الوجودِ مُتَعَلِّقاً بتَجَلِّياتِ الحَقِّ تعالَى وفُيوضاتِهِ فَقَدِ انْقَطَعَ الفَيْضُ الخاصُّ بوجودِ العَرْشِ في اليَمَنِ وتَحَقَّقَتِ الافاضَةُ عِنْدَ سَيِّدِنا سُليمانَ (ع) في فِلِسْطينَ، أوْ بمَعْنى آخَرٍ ان الَّذي حَدَثَ هوَ خَلْقٌ جَديدٌ لِلْعَرْشِ، أيْ اعْدامٌ لَهُ في مَكانِهِ الأصْلي وايجادٍ لَهُ في مَجْلِسِ سُلَيْمانَ، وعَلى هذا لا يُمْكِنُ القَوْلُ ان انْتِقالَ العَرْشِ كانَ بنَحْوِ «طَيِّ الأرْضِ» بَلْ بنَحْوِ «الايجادِ بَعْدَ الاعْدامِ»، فتأمل!! وهذا مقام من ﴿عِندَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾، فكيف بمن ﴿عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾ كلِّه!! نعم، هذا هو شأن الانسان ومقامه الذي خلقه الله عزَّ وجلَّ من أجله، فمن عرف شأنه ومقامه وبذل ما أعطاه الله تعالى من المال والصحة والعلم والعزة في سبيل الله ورضاه أبدله الله تعالى من الأموال أضعافا مضاعفة ومن القوة الروحانية ما تتحقق بها المعجزات والكرامات ومن العلم اللَّدُنيِّ ما يرفع به مقامه وشأنه ومن العزة الحقيقية الخالدة السرمدية التي لا ذلة بعدها أبدا في داري الدنيا والآخرة، أما آفة معرفة الشأن فهي معاشرة الأضداد، فكل شيء كان ضد شأنيَّة السالك الى الله فهو آفة تهدم البناء الذي بناه الانسان وكان أساسه الايمان والاخلاص.

السيد أبو القاسم الديباجي
الأمين العام للهيئة العالمية للفقه الاسلامي
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
3225.9943
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top