مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

أخلاقٌ.. أم فوضى؟ (2)

الشيخ محمد خليل هراس - رحمه الله –
2014/03/30   10:42 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



لفضيلة الشيخ محمد خليل هراس -رحمه الله-
رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية (سابقاً)

نحن لا ننكر ان بعض مظاهر الانحراف في السلوكِ قد يكون نتيجةً لمرضٍ عضويٍّ أو لعُقدةٍ نفسيّةٍ مكبوتة، أو لسوء التربية والاهمال، ولكن جعل هذا قاعدةً عامة لتصرُّفاتِ الناس، وانتحال المعاذير للمجرمين، وتبرير خطاياهم، مِن شأنه ان يَفتح في الأمَّةِ بابَ فتنةٍ وفسادٍ كبير.
وأيّاً كان الدافع الى الجريمة فهو لا يُسقطُ عن المجرمِ العِقابَ، حتى لا يتّخذ الجُرمَ عادةً، ونُصبحُ أمام حالاتٍ من الفوضى لا أوّلَ لها ولا آخر.
والسعادةُ عند الشيخ خالد ليست في التمسُّكِ بأهداب التقوى ولا في ممارسةِ هذه الفضائلَ التي تعارَفَ عليها الناسُ وأشادت بها الأديانُ ولكنها في الاستجابةِ لغرائزِ النَّفسِ والعملِ وفق طبيعتنا الحيّة، فاننا لم نُوهَب تلك الطبيعة الا لتَسعد بها فاستعمالها على خيرِ الوجوهِ هو السعادةُ وهو الفضيلة، أما الفضائل التي تسبِّب ألماً وحرماناً فهي ليست جديرة بهذا الاسم فذلك العجز الذي كان يسمى ورعاً، وذلك الخنوع الذي كان يسمّى تواضعاً والانطواء الذي كان يسمى عفّة كل هاتيك الغرانيق العلي قد انقرضت وحلّت مكانها هذه الأخلاق الجديدة النابغة من طبيعة الانسان.
هكذا يقول الشيخ خالد، ويقيني أنه لو كان أبيقور أو أرستب أو غيرهما من أصحاب مذاهب اللذَّة أحياء لما تحدَّثوا عن اللذة هذا الحديث الذي يجعلها فضيلةً، ويُعلِّق عليها كل سعادة قد يكون من الجائزِ ان يختارَ الشيخُ لنفسه ولِمُشايِعيه هذا المسلك في الحياة الذي يقوم على ارواء الغرائز واشباعها، أمّا ان يدّعي ان هذا هو السلوك الأفضل ويتكلم عن الفضائل الحقيقة بهذا الأسلوب السّاخر فذلك ما لا نعرف له نظيراً في دنيا العَرْبَدة والاجتراء، ولكن لا عجب، فالشيخ خالد ينكر القِيمَ المعنويَّة، والفضائلَ النفيَّسةِ ولا يؤمنُ بأنَّ في طبيعتِنا ما هو مادّيٌ وما روحيٌّ، بل الانسان في نظرِه ليس الا ذلك المجموع الخليط العجيب من الأعضاء والأعصاب والدم والأمعاء والغدد، وينقل عن بعضهم، وقد سُئل عن السعادة فأجاب بأنّها:عملية هضم سليمة.
والشيخ خالد مع ذلك حربٌ على ان يكون الناس جميعاً مُتَّقين، ولكن عليهم قبل ذلك ان يُدرِكوا هذا المفهومَ الجديد الذي وضعه للتقوى، فالتقوى ليس معناها اجتناب الآثام والمحرّمات كما تصوّرها رجال الدين الأغبياء، ولكنّها: اطرق الغرائز وتوقّي كبتها حتى لا تزيد ضراوةً واستشلاءً، على أنّه ليس هناك شيءٌ اسمه خطايا أو الذنوب كما يقول الدين، فقد انتهى ذلك العهد الذي كان يُسمّى فيه الانحراف في السلوك بهذه الأسماء المُنفِرة، ولا ينبغي ان نخاف اللهَ خوفا يُنقِصُ علينا عيشنا، واذا كان هذا الخوف انما ينبع من مبالغتنا في تقدير الخطيئة فلنعلم ان هذه الخطايا مستلزمات الطبيعة البشرية، ولا مندوحة لنا عنها، بل يجب ان يسميها خطايا ولا نرتّب عليها أيّ جزاء، واذا كان الشعور بالخطيئة، وانما يتولّد من اعتقادٍ ان هناك محرّماتٍ فلا بأس ان نرفض هذا الاعتقاد الذي يعطّل ارادتنا، ويضعها في سلاسل وأصفاد، كيف يُتاحُ لغرائِزِنا ان تتنفَّس، ولطبائعنا الحيّة الشاعرة ان تنمو وتَزدَهِر في ظلال هذا التحريم، ان التربية الحديثة يجب ان تقوم على استبعاد التحريم ورفع نيره من النُّفوس ما وجد الى ذلك سبيل.
والناس ليسوا في حاجةٍ الى دينٍ يهديهم ويرشدهم الى ما ينبغي وما لا ينبغي، فانّ غرائزَهم تعرفُ الطريقَ الذي يجب ان تمضي فيه، ان علينا ان نَثق بطبيعتِنا الانسانية، فهي وحدَها عدَّتنا في النِّضال، ان غرائزَنا أعرفُ منّا بالطريق لأنّها وحتى وقبل ان ينْبَثِق فينا العقلُ كانت رائدنا العليم البصير، ولكنّنا في بلاد احتوشتها التقاليد وضللتها الأساطير مما جعلنا نقف من غرائزنا موقف الخصومة الغيبة.
وبعد..
فان كان هناك من لايزال يُحسن الظن بالشيخ خالد ويريدُ ان يتأوّل كلامَه على ما يليق بمسلمٍ فضلاً عن عالمٍ فانّنا نرى في كتيبه هذا الذي نحن بصدده دعوةٌ صريحة الى التفلُّتِ من كل قيودِ الدين والأخلاق، ونبذِ كل ما تَعَارف عليه الناسُ من فضائل، والتحرر نحو ماديّةٍ طاغية لا تعرف غير المُتع البهيمية الرَّخيصة، ولكنّا نحمد الله –عز وجل- على ان هذا الكتيب قد ولد ميِّتاً، بعد ان أراد له صاحبه ان يميت أمّةً بأسرِها، وينحدر بها الى هاويةٍ لا يُعرف لها قرار.
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
274.9992
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top