مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

نافذتي

من يزرع الكراهية.. يحصد الحريق!

د.خالد القحص
2012/02/01   12:45 ص

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image

إذا أصبح الخطاب عاماً فإن الأمر يغدو خطيراً لأنه يتعلق بوطن


من الأعراف القانونية التي تعلمتها أثناء دراستي في الولايات المتحدة ان الشرطة هناك تهتم كثيراً بمن أطلق الضربة الأولى، أو اللكمة الأولى، أو الشخص الذي دفع الشخص الآخر أولاً، لأن الشرطة ترى ان من بدأ العراك أو المشاجرة، يتحمل تبعاتها وتداعياتها. طبعاً هذا لا يعفي الطرف الآخر من المسؤولية القانونية، ولكنك هناك اهتمام بمن بدأ الفعل. لا يمكنك ان تلوم شخصاً تعرض للضرب من الدفاع عن نفسه، ولا يمكنك ان تعتب على رجل تعرض للاهانة مرة ومرتين وثلاثاً، من ان يرد الاهانة، بأسوأ منها، لكل فعل رد فعل مساو له في القوة، ومضاد له في الاتجاه، هذا ما تقوله القوانين الفزيائية، وتؤكده التجارب الانسانية، وبشكل يومي.
خطاب الكراهية الذي يلوث سماء الوطن، ويزكم الأنوف، ويثير الغثيان، خطاب لم يبدأ بالأمس، بل كان خطاباً متواصلاً لعدة سنوات، هتك به الأستار، وشق من خلاله الصفوف، واستقطب له مناصرون، ووجد له مصفقون، انهمكوا في احضار الحطب لكي تبقى النار مستعرة، متقدة، وهم يدورون حولها. خطاب الكراهية تحذر منه المجتمعات المتحضرة لأنها تعلم خطره، وخطورته، وتدرك تداعياته، قريبة وبعيدة المدى، لذا تسن له القوانين الرادعة، وتقرر له الجزاءات المناسبة لعظم الجرم، وفداحة الخطأ، بينما في المجتمعات المتخلفة، يشتهر من يلوك أعراض الناس، ويعلو يشق لحمة الوطن، ويحضر مجلسه علية القوم، في الصفوف الأولى، يتزاحمون، ويتجاورون، فرحين بما يسمعون، جذلين بما يشهدون.
خطاب الكراهية والتمييز العنصري أو الفئوي أو المناطقي خطاب سهل، بسيط، يتقنه المفلسون، ويجيده الكسالى، ويحرص عليه من لا بضاعة لديه، فيكون سب الناس بضاعته، وتخوين فئة كبيرة من المجتمع عمله، في ظل صمت مريب ومثير للشك من جانب الحكومة، والسكوت علامة الرضا، وأنا اقول ان السكوت علامة المشاركة، وارهاصة القبول، ومؤشر المساندة، فحين تنتهك حرمات المواطنين، يحرم السكوت، وحين يتم الطعن بولاء فئة كبيرة من المجتمع، يكون من المعيب، الصمت وعدم التحرك.
عندما تتغير قواعد اللعبة تتغير اللعبة نفسها، ويتغير، تبعاً لذلك، طبيعة أداء اللاعبين، وعليه، فلا يجب ان تتوقع الحكومة، أو تظن، أنها عندما تغير قواعد اللعب، أو تفضل فئة على فئة، أو تستهدف فئة بعينها، أنها تستطيع التنبؤ بسلوكيات اللاعبين الآخرين من الفئة الأخرى. الحكومة هي الحكم، أو لنقل الجهة المحايدة، لكن حين تتدخل في اللعبة، وتصبح لاعباً فاعلاً، فإن البقية لن ينظروا لها بنفس النظرة، أو التقدير السابق، وعليه سيتغير التعامل معها، بالتبعية. خطاب الكراهية، يستفز فينا أسوأ ما فينا، وكلك عورات، وللناس ألسن، وكلنا يستطيع القذف والتشهير والتخوين، وتتبع الأصول، واستدعاء التاريخ، واستحضار الأموات، ونبش القبور، لكي نعرف من وصل أولاً، ومن يشتم، يُشتم، ويطعن، يطعن فيه، ومن يقتات على ركام، تاريخ نسجه بأوهامه، وصدقه بعض المغفلين، فان الآخرين يستطيعون فعل الشي نفسه، وبصورة أفضل، خاصة اذا كانت البيوت كلها من زجاج، وما أكثر الحجارة في بلادنا.
خطاب الكراهية، ان ظل رهين صدر صاحبه، أو بثه بينه وبينه مقربين لديه، فان الضرر قليل، ولا يحيك المكر السيء الا بأهله، فيشقى بذلك فؤاده، ويهتم له عقله، لكن ان يصبح خطاباً عاما، تنقله وسائل الاعلام، وتتداوله المنتديات، فان الأمر يغدو خطيراً، لأنه يتعلق بوطن، وبالوطن وحده. لا يمكن لأية حكومة ان تتحمل أو ترضى ولو حتى على سبيل النكتة، وجود خطاب للكراهية، بحيث يتعزز ويتكرس، وينتقل للاعلام وللمحاضرات وللبرامج التلفزيونية، وحتى للأطفال، لأنها تغدو ثقافة من الصعب اجتثاثها، واقتلاعها. نعم في كل مجتمع هناك ثقافة شعبية ونكت تنتشر عن فئات المجتمع، لكنها تظل في اطارها المقبول، أو المفهوم، أما ان تصبح خطاباً لمرشح، وتغدو صفة يُعرف بها، فهنا يجب ان تتدخل الدولة، أو تتغير قواعد اللعبة، ومن يزرع الكراهية، فانه لا شك سيحصد الحريق، وما حريق العديلية عنا ببعيد. بقي ان نقول ان الحريق لا يمكن التنبؤ بمداه، خاصة وأننا لا نتحكم باتجاه الريح.

د. خالد القحص
kalqahas@alwatan.com.kw
@drkhaledalqahs
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
274.0057
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top