مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

نافذتي

{إن يُرِيدَا إصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا}!

د.خالد القحص
2012/02/08   12:46 ص

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

المطلوب الآن ألا ننزع عن مجلس الأمة ستره وألا ننجرف بالحوار إلى الشجار


ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حين تقع مشكلة كبيرة بين زوجين، تصل حد الطلاق، ثبت أنه كان يطلب حكماً من أهل الزوج وحكماً من أهل الزوجة، ويكونان من أهل الصلاح والحكمة والعقل، ليجتمعا ويصلحا بين الزوجين بإزالة أسباب الخلاف ما وسعهما ذلك، تطبيقاً للآية الكريمة في سورة النساء {وَانْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا ان يُرِيدَا اصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا ان اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً}، فاذا لم يتوصلا للاصلاح، فان الفاروق رضي الله عنه يعنفهما وربما علاهما بالدرة (عصا صغيرة كان يحملها)، ويقول رضي الله عنه: لو كان عندكما النية للاصلاح بينهما لوفق الله بينكما، فهمها الفاروق من قوله تعالى {ان يريدا اصلاحاً} أي الحكمين، ولذا عندما يتشدد أحدهما أو يتعنت، فان الاصلاح لن يتم، وبالتالي يكون التقصير منهما، لأنهما لم يريدا فعلاً الاصلاح، ولذا يأتي ابن عباس رضي الله عنه، لينظر لأمر الحكمين بصورة أوسع وأشمل فيقول: وكذلك كل مصلح يوفقه الله للحقّ والصواب.
بعد ظهور نتائج انتخابات مجلس الأمة، وانقشاع الغبار، وتمايز الصفوف، ورفع الأقلام، تأتي مرحلة جديدة من العمل السياسي الكويتي، في وقت طغى فيه خطاب الكراهية، وحديث الاقصاء، ودعوى التخوين، ورفعت فيه رايات الاحتراب الفئوي والطائفي والقبلي، فامتلأت منه النفوس، وثقلت به الأرواح، وتشبعت فيه الأفئدة، يتم تحفيزنا في غير ما فائدة، واستقطابنا من غير مصلحة عامة، واستثارة أسوأ ما فينا، واستدعاء أبغض ما بنا، حتى بتنا ننتظر الطوفان، وتصدع السد، وانهيار الجبل.
من السهل علينا ان نفرق، فخطاب التفرقة، أمر يحسنه أي أحد، ولا يحتاج الى جهد عقلي أو بدني أو أخلاقي، بل هاجم الآخرين في أصولهم ومعتقداتهم، واستهزأ باسمائهم، وعايرهم بلهجاتهم وأماكن سكناهم، وستنجح، لكن خطاب العقلانية، وحديث المحبة، وكلام الحكماء، لا يتقنه جاهل، ولا يعرفه ناقص، ولا يستطيعه متعصب. واذا كان هناك مساحة شعبية في أي ثقافة لمثل هذا الخطاب ضمن نطاقه الطبيعي، فان المطلوب الآن ألا ننزع عن مجلس الأمة ستره، وألا ننجرف بالحوار الى الشجار، وان نكون أعقل من محدثنا، وأفطن ممن يريد استفزازنا، وأحكم ممن يسحبنا نحو مستنقعه ومستواه.
نريد من أعضاء مجلس الأمة ان يجتمعوا، وان يتقبلوا بعضهم بعضاً، دونما حاجة نحو استدعاء الماضي، وفتح الملفات التي تجاوزناها، رحمة بنا، ورأفة بوطننا، وحرصا على المصلحة العامة. لدينا بعض وسائل الاعلام التي تتلقف أي تصريح، كالإسفنجة تمتص أي شيء، لا تفرق بين غث وسمين، وصالح وطالح، ولدينا بالمقابل بعض المواطنين الذين يريدون للنار ان تزيد اشتعالاً، وللمجتمع ان يتفرق، وللنسيج ان يتمزق، انهم المصفقون، والمشجعون، والدهماء والرعاع الذين لا يرون أبعد من أنوفهم، ولا أعلى من أقدامهم، يكثرون عند الأزمات، ويحتشدون عند الرزايا والمصائب، فبئس القوم هم، وبئس الركب ركبهم.
وعلى الحكومة ان تعي الدرس جيداً، وان تقرأ التاريخ بعناية، وألا تستبعد شيئاً، فالتاريخ يعيد نفسه، والأيام تتكرر، وما يحصل لغيرنا، يوشك ان يعمنا بشره، ولو بصورة مختلفة. ان تشجيع خطاب الكراهية، والسكوت بريب على ما يحصل بين المواطنين، والتغاضي عما يجري في المشهد الاعلامي والسياسي والاجتماعي، وتجاهل مشاعر الضغينة والحقد التي راج سوقها أخيرا، ان تشجيع هذا له عواقب وخيمة، لا تبقي ولا تذر، ومن ظن أنه يتحكم بالأمور، فبه تبدأ الأمور، وعليه تدور الدوائر، خاصة اذا كان الأمر يتعلق بتقسيم المجتمع، أو تشجيع فئة على فئة، فليحذر العقلاء مما يقوم به الجهلاء، والجهل لا علاقة له بالعلم هنا، انما أعني جهل عاقبة الأمور، وجهل التصرف، وجهل التدبير والتفكير والقيادة.
وعودة على عنوان المقال، فان كان مجلس الأمة والحكومة، حقيقة وصدقا، يريدان اصلاحاً، فان الله سبحانه سيوفق بينهما، ويهيئ لهما ما فيه صلاح العباد والبلاد، والا فانتظروا الطوفان، ولن تنفع حينها السدود.

د. خالد القحص
kalqahas@alwatan.com.kw
@drkhaledalqahs
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
348.01
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top