مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

نافذتي

اليابان.. لقد أحببتك فعلاً!

د.خالد القحص
2014/10/07   08:24 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

لا يمكن أن نترك مصائر الناس وأعمالهم بين أيدي موظفين لاهين عابثين


أقضي اجازة العيد في اليابان، وهذه هي المرة الثانية التي أزور فيها اليابان، والتي يبدو أنني أحببتها فعلاً، وستصبح وجهة سياحية ثابتة لي، على الرغم من بعد المسافة.شخصياً أحب التعرف على الثقافات الأخرى، خاصة تلك التي لا نحتك بها بشكل مباشر، بصورة أو بأخرى، لذا تجدني لا أمانع في الذهاب الى أماكن لم يسبق لي الذهاب لها من قبل، لاكتساب معلومات مباشرة عن تلك الثقافات، دون الحاجة للاعتماد على مصادر أخرى كالكتب، أو مواقع الانترنت.أحببت اليابان منذ اللحظة التي وطئت فيها قدماي مطار كانساي الدولي في مدينة أوساكا، ثاني أكبر المدن. النظام، هذا ما يعجبني في أي شيء.. أحب النظام، والترتيب، والدقة، لا يمكننا ترك الأمر اعتماداً على مزاج الموظف، أو هوى المؤسسة، لا تستقيم الحياة هكذا. لذا أحب النظام وأعشقه، لا مانع لدي من ان أنتظر في صفوف طويلة، ما دام الأمر يتم بشكل منظم، وعادل. لذا تأقلمت سريعاً مع اليابان لأنها بلد يسير على النظام، ولا يمكنك ان تتعب، أو تتوه، أو تنزعج في اليابان، لأن الأمور واضحة، ومنظمة، متناسقة، ومتزامنة، ومرتبة. ربما تحتاج ليوم أو يومين لكي تفهم كيف يسير النظام، وبعدها تستمتع بالحياة اليابانية، والثقافة اليابانية، والطريقة اليابانية. وهذه، في ظني، هي أعظم مؤشرات التحضر في أي بلد. أشعر أني أعيش داخل ساعة يد، لأن كل شيء يتحرك ويمشي بنظام، وهذا ما يسهل الأمور ويسرعها، وحتى ان بدت أنها بطيئة، أو مملة، لأن تبعات الفوضى أشد، وتداعيات اللانظام أقسى.
ومادمنا نتحدث عن النظام والدقة، فهذه تحتاج للجدية والانضباط، وهذا ما لاحظته أيضاً في اليابان، الكل يأخذ وظيفته بجدية، مهما بدت بسيطة وربما تافهة، فحتى الذي يكنس الشوارع، والذين يقفون في بهو الفندق، وعلى أرصفة القطارات، الكل يقف بجدية، ويؤدي عمله باستغراق كامل، دون قضاء وقت العمل في الأحاديث الجانبية، وفي العبث بالهاتف، وفي قراءة الصحف. لا يمكنك رؤية ذلك في اليابان، على الأقل، هذا ما شهدته بنفسي. وهذا مؤشر آخر للتحضر: الجدية، والانضباط. لا يمكن ان نترك مصائر الناس، وأعمالهم بين أيدي موظفين لاهين عابثين، أو مسؤولين غير جادين. هذا عمل يتعلق بحوائج الناس، ويرتبط بمصالح الدولة، فاما تكون هناك جدية، أو لا تكون. وهذه، بالمناسبة، ثقافة، لا يمكن تعليمها بالمدارس، بل هي ثقافة تجتاح الجميع من البيت والمدرسة والمؤسسات الحكومية والخاصة، وهذا ليس بالأمر السهل، لكنه يحتاج للجميع، من أجل مصلحة الجميع.لدينا لا أحد يحاسب أو تتم محاسبته بالشكل اللائق، ولذا لا تتغير السلوكيات، لأنهم لا يرون تطبيقاً للوائح، وعندها يصبح لدينا سوابق في الاهمال وعدم الجدية، ويصبح للكسل شرعية وقبول، حتى من الشخص الجاد، لأنه رأى كيف يتم المساواة بينه وبين زميله الذي لا يواظب أو ينتظم في الحضور، وليس لديه أي انتاجية، وعندها يتحول الانسان الجاد الى عابث ولاه! نحن نصنع اللامبالاة وعدم الجدية ونكرسهما بجدية وانتظام.. أليس هذا غريباً؟ ان يكون لدينا جدية في عدم الجدية، وانضباط في ألا نكون منضبطين، وانتظام في ألا نكون منظمين! أي لدينا نحن حضارة الفوضى، وثقافة الاهمال والكسل، واذا كان الشيء يقاس بضده، واذا كانت الجدية والانضباط تنهضان بالبلد، أي بلد، فان من منطق الأشياء يفترض، ان الاهمال واللامبالاة، تهدمان البلد، أي بلد.
من الأمور التي أعجبتني في اليابان (وهي كثيرة) طيبة وودية الشعب الياباني وحبه للمساعدة، ولا أذكر أني اقتربت من أي مواطن ياباني أسأله عن أمر ما، الا وساعدني بكل ما يستطيع، حتى مع ضعف اللغة بيننا، لكنهم دائماً يهبون للمساعدة، مع ابتسامة جميلة يحملونها.نعم هم جادون، ولا يقترب منك، أو يرمقك بنظراته، لأنه يراها علامة على الاحترام، لكنك ان اقترتب منهم، وسألتهم لا ينزعجون.طبعاً أتكلم هنا عن الغالب الأعم.اشارات الاحترام كهز الرأس والانحناء قليلاً تراها بكثرة وفي كل مكان.. الكل يظهر الاحترام، حتى أصبحت عادة لهم.ربما بعضهم يفعلها بحكم العادة، لكنها جميلة، وتشعرك أنك في مجتمع ودود ومتعاون.الغريب أنك لو رأيت خليجياً في اليابان، فانه بدلاً من ان يبتسم في وجهك، وتبتسم في وجهه، تبدآن في النظر شزراً لبعضكما وبدون مشاعر، وربما بضيق قليلاً! فعلاً الحياة غريبة بعض الشيء.
اليابان فعلاً بلد يستحق الزيارة، والتعرف على ثقافته، والاستفادة من أنظمته، شكراً لليابان على بلد منظم وشعب ودود، وثقافة رائعة.

د.خالد القحص
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
1049.0143
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top