مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

أخلاقٌ.. أم فوضى؟ (3)

الشيخ محمد خليل هراس - رحمه الله –
2014/04/06   10:25 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



لفضيلة الشيخ محمد خليل هراس - رحمه الله-
رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية (سابقاً)

والآن فلنُتابع هذا الكتاب في أخلاقِه الجديدة الى آخرِ الشوط، ولنَسمع اليه وهو يحدِّثنا عن السعادة، هذا الحديث الأبيقوري الشائق.ان السعادة ليست في التمسّك بأهدابِ التقوى، ولا في ممارسةِ هذه الفضائل التي تَعَارف عليها الناسُ وأشَادَت بها الأديان، ولكن السعادة كل السعادة في الاستجابة المطلقة لغرائز النفس، وفي العمل وفق طبيعتنا الحيّة تلك الطبيعة التي لم توهب لنا الا لِنسعَد بها.
وبقدرِ استثمارنا لهذه الطبيعة تجيء سعادتنا زاخرة موفورة وتلك السعادة في الفضيلة الحقّة أما هذه الفضائل التي تسبب ألماً وحِرماناً، فليست جديرة بهذا الاسم فذلك العجز الذي كان يسمى ورعاً، وذلك الخنوع الذي يسمى تواضعاً، والانطواء الذي كان يسمى عفّة، كل هاتيك غرانيق، لعلّها قد انقرضت، وحلّت مكانها هذه الأخلاق الجديدة النابغة من طبيعة الانسان.
هكذا يصوِّرُ الشيخ خالد السعادة ذلك التصوير الصِرف، الذي يقوم على تحقيق رغباتِ الجسم، ويقيني أنه لو كان أبيقور أو أرسيت أو غيرهما من أصحاب مذاهب اللذة حيّاً لما تحدث عن اللذة هذا الحديث الذي يجعلها فضيلة، ويعلق عليها كل سعادة كما فعل الشيخ خالد أحد العلماء –قد يكون من الجائز ان يختار لنفسه ولمشايعيه في فلسفته هذا المسلك الذي يقوم على ارواء الغرائز واشباع نهمها. أمّا ان يدّعي ان هذا هو السلوك الأفضل ويتكلم عن الفضائل النفسيَّة بهذا الأسلوب الساخر فذلك ما لا نعرف له نظيراً في دنيا العربدة والاجتراء.
ولكن لا عجب، فالشيخ خالد نكر القيم المعنوية والفضائل النفسية كلها، ولا يؤمن بأنَّ في طبيعتِنا ما هو مادّيٌ وما هو روحيٌّ، بل الانسانُ في نظره ليس الاّ ذلك الخليط العجيب من الأعضاء والأعصاب والغدد والأمعاء، وينقل عن بعضهم، وقد سئل عن السعادة بأنّها عملية هضمٍ سليمةٍ، ويُعرِّفُ هو نفسه السعادة بقوله لأن تروّض الغريزة ثم تمتطي صِهوتها وتنطلق بها في سياحةٍ بهيجةٍ عبر حياتِكَ الممتلئة الساحقة.
والشيخ خالد حريصٌ مع ذلك على ان يكون الناسُ جميعاً متَّقين، ولكن عليهم قبل ذلك ان يدركوا هذا المفهوم الجديد للتقوى، الذي ابتكرته عبقريَّتُه وهو: اطلاق الغريزة، وتوقّي كبتها حتى لا تزيد ضراوةً واستشراءً. أما التقوى بمعنى اجتناب الآثام والمُحرّمات فهي من وضع رجال الدين الأغبياء! اذ ليس هناك شيء اسمه (الآثام) و(المحرمات)، فقد انتهى ذلك العهد الذي كان يسمى في الانحراف في السلوكِ اثماً أو خطيئةً أو غير ذلك من الأسماء المُنفِّرة التي تقف حائلاً دون الاستمتاع بمباهِجِ الحياة ولذائِذِها، ولا ينبغي ان نخاف الله خوفاً ينغص علينا عيشنا، واذا كان هذا الخوف انَّما ينبع من مبالغتنا في تقديرِ الخطيئةِ، فيجب ان نعلم ان هذه الخطايا ليست من الشَّفاعة كما صوّرها الدين أو تحدَّثت عنها الأخلاق، بل يجب ألا نسمّيها خطايا، ولا ان نرتِّب عليها أي جزاء.ان الاثم الحقيقي هو ان يلازمنا شعور النَّدم على هذه الأخطاء، وأنَّ كل انسان يشغل نفسه بعد ذنوبه وأخطائه لا يكون انساناً فاضلاً بالمعنى الصحيح، لأنَّ الأخلاقَ السويَّةَ تبدأ اليوم من هذا الشِّعار (ارفع رأسك.. فليس هناك ما يخجلك).
واذا كان مصدر الشعوب بالخطيئة هو اعتقاد ان هناك محرَّماتٌ فلا بأس ان نرفض هذا الاعتقاد الذي يُعطِّل ارادتنا ويضعها في سلاسل وأصفادٍ. بل كيف يتاح لغرائزنا ان تتنفس ولطبائعنا الحية الشاعرة ان تنمو وتزدهر في ظلال هذا التحريم. ان التربية الحديثة انما تقوم على استبعاد التَّحريم ورفعِ نيره عن النفس ما وجد الى ذلك سبيل.
واذا كان الدين هو الذي أغراقنا في هذا السَّيل من المُحرَّمات، فالناس ليسوا في حاجةٍ الى دينٍ يهديهم ويرشدهم، أما ما ينبغي ومالا ينبغي فإنّ غرائزَهم تعرِفُ الطريقَ الذي يجب ان تمضي فيه.
ثم يعرض الشيخ خالد بعد ذلك لمسؤولية المجتمع عن أخلاقِ أفراده، ويتّهم المجتمعاتِ العربية والشرقية بأنَّها مجتمعات استغلاليّة انفصالية تروج فيها نقائص الكذب والنفاق ونقص الذات ويتحدَث عن مشاكل المجتمع الثلاث: فأوّلها مشكلة العيش: والواجب حيالها هو ايجاد الفرص المتكافئة.
ثم مشكلة الجنس: وهذه لا تُحل في نظره الى بإباحة الاختلاط الكلّي الذي لا يبقى معه أثر لحجاب أو حياء، وبتلقين الطلبة والطالبات المعارف الجنسية، بأن نجعل التربية الجنسية مادة أساسية في مدارسنا، ولنكن على يقين من ان الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- يباركان هذا العمل العظيم.
وأخيراً يدعو الشيخ خالد الى قيام وزارة للتربية والسلوك، ولكن.. أتدري ما مهمة هذه الوزارة الجديدة؟ إنّها تنفِّذ ذلك الدستور الذي وصفه الشيخ خالد للأخلاق والسلوك، وعلى ذلك فيجب ان يكون الشيخ خالد على رأس هذه الوزارة الجديدة حتى يضمن تنفيذ وصاياه، ومبادئه بكل دقّة وامعان.
تالله ما أقبح الغرور وما أتعس مجتمعا يعيش فيه أمثال هذا الكاتب ممن قتلها حب الظهور، فراحوا يشغلون أُمَمَهُم عن مواطن الجد وحياة الكرامة بما ينفثون فيها من ترّهات لا تجني من ورائها الا العار والشّنار.
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
1028.0062
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top