مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

اختلاف المفاهيم

المشترك بين الحاكم والقاضي والداعي

د.عبدالرحمن الجيران
2014/03/24   10:24 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



فوائد كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القضاء والمشاورة لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه:
وذلك حين ارسله قاضيا على اليمن حيث قال له: «أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم اذا أدلي اليك فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له آس بين الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك البينة على المدعي واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين الا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ومن ادعى حقاً غائباً أو بينة فاضرب له أمداً ينتهي اليه فان بينه أعطيته بحقه وان أعجزه ذلك استحللت عليه القضية فان ذلك هو أبلغ في العذر وأجلى للعماء ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك ان تراجع فيه الحق فان الحق قديم لا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل والمسلمون عدول بعضهم على بعض الا مجرباً عليه شهادة زور أو مجلوداً في حد أو ظنينا في ولاء أو قرابة فان الله تعالى تولى من العباد السرائر وستر عليهم الحدود الا بالبينات والأيمان ثم الفهم الفهم فيما أدلي اليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة ثم قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال ثم اعمد فيما ترى الى أحبها الى الله وأشبهها بالحق واياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر عند الخصومة أو الخصوم فان القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ويحسن به الذكر فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين بما ليس في نفسه شأنه الله فان الله تعالى لا يقبل من العباد الا ما كان خالصاً فما ظنك بثواب غير الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام عليك ورحمة الله».
قال الماوردي:
«وقد استوفى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عهده الى أبي موسى الأشعري شروط القضاء وبين فيه أحكام التقليد».
ولازال كتاب عمر رضي الله عنه يعد مرجعاً للقضاة وولاة الأمر في بيان أصول الحكم والشهادة وآداب القضاء.
يقول الامام ابن القيم رحمه الله عن كتاب عمر في القضاء:
(فهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة والحاكم والمفتي أحوج شيء اليه والى تأمله والتفقه فيه).
الفائدة الأولى:
قوله: «القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة» وهنا توضيح ما يحكم به الحاكم وهو نوعان:
-1 فرض محكم غير منسوخ مثل شرائع الاسلام والأحكام الكلية التي أحكمها الله تعالى في كتابه مثل أصول الايمان والاسلام والسلوك والأخلاق.
-2 أحكام سنها النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي عبر عنها علماء الاسلام بقواعد الشريعة العامة أو مقاصد التشريع ويدل على هذين النوعين من الحكم حديث عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: العلم ثلاثة فما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة وسنة قائمة وفريضة عادلة وهذه مثل السياسة الشرعية التي اتبعها الرسول صلى الله عليه وسلم وسار عليها خلفاؤه الراشدون.
الفائدة الثانية:
قوله «فافهم اذا أدلي اليك» وهذا مطلوب ومتأكد بحق الحاكم والقاضي والداعي ذلك ان الفهم مع صحة القصد من أعظم نعم الله تعالى على العبد، وبهما يختلف طريق المؤمن عن طريق المغضوب عليهم والضالين، فالمغضوب عليهم علموا ولم يعملوا والضالون ضلت فهومهم وعملوا على جهل. وأما أهل الصراط المستقيم فهم الذين حسنت أفهامهم وصحت قصودهم وأمرنا بالدعاء في صلواتنا للهداية الى طريقهم وهذا الذي ندعو به في كل صلاة في سورة الفاتحة بقولنا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (الفاتحة: 6).
وبصحة الفهم يستنير قلب الحاكم ويستطيع التفرقة بين الحق والباطل ويتقوى بحسن القصد على مغالبة الهوى وحسم مادته فلا يعلق قلبه بالدنيا ولا يتشوق لثناء الناس ولا يخاف من ذمهم. وهذا مما ينقصنا اليوم وخاصة في جيل الشباب والدعاة الى الله تعالى حيث يبنون مواقفهم على رسائل قصيرة أو مقاطع فيديو وصورة؟ دون الرجوع الى قواعد منهج السلف خاصة في النوازل وبهذا اختلت الموازين واختلط الحابل بالنابل واتسع الخرق على الراقع.
نوعا الفهم اللازم لفهم الواقع:
-1 فهم الواقع والفقه فيه واستبطان الحقائق لمعرفة ما وقع بالقرآن والدلائل والعلامات حتى يحيط بها علماً. ولعل مما أحدثه العلم اليوم من وسائل عديدة في اثبات الجريمة ما يستأنس به القاضي.
-2 فهم الواجب في الواقع، وهو بمعنى التكييف الشرعي للقضية أو القانون اذا لم يرد فيها بالشرع شيء لبيان ايقاع الحكم عليها، وبغير هذين الطريقين تضييع حقوق الناس وانظر هنا الى دقيق فهم السلف رضي الله عنهم حيث أوجبوا لفهم الواقع المعرفة بالحال التي تحكم الواقع ثم ما هو الواجب في الشرع تجاه هذه الحالة، وهذا فيه رد على من يزعم ان العلماء الربانيين لا يفقهون الواقع؟
الفائدة الثالثة:
قوله «اذا أدلي اليك» وقوله «فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له».
تقول أدلى فلان بحجته أي توصل بها الى مبتغاه، والكلام المعنى هنا هو الكلام الذي تُوصل به الى القاضي الذي يحكم بناءً عليه بين الخصوم.
ثم بين الفاروق عمر رضي الله عنه أهمية انفاذ الحكم بعد فهمه وأنه لا ينفع التكلم به ان لم يكن به قوة تنفيذه وهذه من معاني القضاء في الاسلام أنه الزام ذي الولاية بحكم شرعي وقد أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين الذين جمعوا بين القوة والبصيرة في الدين قال تعالى «وَاذْكُرْ عِبَادَنَا ابْرَاهِيمَ وَاسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ» (ص: 45) أي جمعوا بين القوة المادية والقوة المعنوية وهي الفقه والفهم والعمل والتنفيذ.
الفائدة الرابعة:
قوله (وآس الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك ولا ييأس ضعيف من عدلك) وهذا من أعظم الدروس للدعاة الى الله تعالى السائرين على منهج النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَاذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ان اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159).
وذلك ان المساواة في هذه الأمور عنوان العدل وسيما الحق وعلامة الصدق.
واذا طمع الشريف قوي قلبه وثبت جنانه وهو على الباطل، واذا يئس الفقير من العدل ضعف قلبه وانكسرت حجته وربما تهاون في حقه وترك الخصومة فيه.
والقاضي يلوذ به الجميع على اختلافهم وتنوع طباعهم لينالوا منه الحكم العدل فاذا قام القاضي بهذا الأدب حصل المقصود وهو عدم طمع الشريف وعدم يأس الفقير.
الفائدة الخامسة:
قوله «البينة على المدعي واليمين على من أنكر»
وهذا مما جرى عليه القضاء ولازال بحمد الله فالبينة مطلوبة ممن أنشأ الدعوى ولا يُعطى الناس بدعاواهم الا بالبينات وقال تعالى {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ان كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 111) والبينة عامة في كل ما يبين الحق، ولا يصح حصر البينة بالشاهدين لما في ذلك من تضييق على الناس وسبب في ضياع الحقوق ويتمكن كل ظالم فاجر من ظلمه وفجوره فيفعل الحرام ويقول أين البينة والشاهدان على ذلك؟ بل المراد اعتبار القرائن والأحوال المصاحبة وشواهد الحال معتبرة في كل حالة بحسبها ومثالها: لو وجدنا رجلاً يجري وعلى رأسه عمامة وبيده عمامة أخرى ورجل آخر يجري خلفه مكشوف الرأس ويقول عمامتي عمامتي !! فبينة الحال ودلالته تفيد أخذ الأول عمامة الثاني فالشارع لا يهمل مثل هذه البينة والدلالة».
فاذن تراعى قرائن الحال والأحوال المصاحبة بحسب كل حالة وهذه مما اعتبره الشارع الحكيم ولم يغفله، ولعل في قصة اختصام المرأتين الى سليمان عليه السلام كل واحدة منهما تزعم ان هذا الرضيع ولدها والذئب ذهب بولد الاخرى فقال هاتوا السكين حتى نقطعه بينهما فقالت احداهما بل أدعه لها وكانت الأخرى رضيت فقال لها لو كان ابنك لم ترضي ان يقطع فقضى به للأخرى.
من يشاور القاضي والحاكم والداعي؟
يقول الماوردي:
«ان كل من صح ان يفتي في الشرع جاز ان يشاوره القاضي في الأحكام فتعتبر فيه شروط المفتي ولا تعتبر فيه شروط القاضي».
وهذا ملحظ جيد للماوردي رحمه الله في هذا الباب وعليه يجوز للقاضي مشاورة الأعمى والعبد والمرأة وان لم يجز ان يكون واحد منهم قاضياً لأن كل واحد منهم يجوز ان يستقصي ويفتي. حيث ولى النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على الصلاة في المدينة وهو أعمى واعتمدوا أذانه للصلاة وهي عمود الاسلام. ومازال الأرقاء في عهود الاسلام الأولى يتولون الولايات ويفتون في مسائل الدين كما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنه في الاحلال من احرامه لما وقع صلح الحديبية فأشارت عليه بالحكمة فامتثل له الناس في الاحلال من الاحرام حيث بدأ بنفسه فحلق رأسه ونحر هديه وحل من احرامه فتبعه الناس على ذلك بعدما امتنعوا.
والمعتبر في المفتي والمشاور شرطان:
-1 العدالة المعتبرة في المخبر دون الشاهد أما الحرية وسلامة البصر فيعتبران في الشاهد ولا يعتبران في المفتي والمخبر.
-2 أن يكون من أهل الاجتهاد في النوازل والأحكام.
وشروط الاجتهاد المعتبر في الشريعة:
أن يحيط علماً بهذه الأصول وهي:
الأول: المعرفة بكتاب الله تعالى وأحكامه وحدوده وحلاله وحرامه والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعموم والخصوص وهذه أغلبها محلها كتب علوم القرآن.
الثاني: العلم بالسنة وما تنقسم اليه من متواتر وآحاد والاسناد والناسخ والمنسوخ فيها.
الثالث: علمه بمواقع الاجماع والاختلاف وآثار السلف ليعرف مواقع الاجتهاد السائغ ومواقع الاجتهاد الممنوع.
الرابع: علمه بالقياس وأنواعه كالجلي والخفي وقياس الأولى والمعنى وقياس الشبه وصحة العلل وفسادها ومسالك العلة.
الخامس: علمه باللغة العربية فيما تدعو اليه الحاجة من اللغة والاعراب، وصيغ الألفاظ وحكم الأوامر والنواهي والندب والارشاد والحض وغيرها.
واذا استحصل المشاور على هذه الأمور وحصل عليها وان لم يكن أعلم الناس بها جاز للقاضي ان يشاوره في النوازل سواء وافق القاضي في مذهبه أم خالفه.
واختلف في مباحثة الفاسق في المعاني والاستنباط فمنع أبو علي بن أبي هريرة من مباحثته لأنه غير موثوق به حذراً مما يستحدثه من شبهة فاسدة. وأجاز آخرون لأنه ربما انكشف له بمناظرته وجه الصواب.
هكذا اذن كانت أخلاق سلفنا الصالح سواء كانوا حكاماً أو قضاة أو دعاة الى الله تعالى ولكننا اليوم بتنا في عصر اختلفت فيه المفاهيم وصار كل واحد منا يسير في اتجاه مخالف لأخيه مع ان الاسلام يجمعنا الا ان المفاهيم تفرقنا؟؟
الداعي الى الله ليس حاكما ولا قاضيا على الناس:
قال تعالى {ادْعُ الَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ان رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: 125).
وهذا تأديب من الله تعالى للدعاة، بحيث تكون دعوتهم لجميع الخلق مسلمهم وكافرهم الى سبيل الله المستقيم، وليس الى احزابهم المختلفة المتنافرة وليكن ذلك بالحكمة، وهي وضع الامور بمواضعها الصحيحة، فالحاكم غير المحكوم في توجيه الخطاب وهكذا، ومن الحكمة الدعوة بالعلم لا بالجهل والبدء بالأهم فالأهم والأقرب الى الاذهان، والفهم وبالرفق واللين وبعدها الموعظة الحسنة، وهي الامر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، ثم الانتقال بالجدال بالتي هي احسن وتكون بذكر الادلة وان لا تؤدي المجادلة الى خصام أو مشاتمة تذهب بمقصودها ولا تحصل الفائدة فيها، بل يكون القصد منها هداية الخلق الى الحق لا المغالبة والمشاقة، وهذا لا شك من قلب المفاهيم واختلافها.

د. عبدالرحمن الجيران
Dr.aljeran_wk@yahoo.com
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
429.0123
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top