مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

أنا مع وضد

الأقلام و«المزابل»

د. عبدالله يوسف سهر
2014/02/15   10:17 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



أنا

الروائي التركي كمال صادق غويجلي (اسم الشهرة يشار كمال) كتب قصة قصيرة عنوانها «الأقلام» يتناول فيها حكاية الجاويش رستم الذي أصبح رئيس الزبالين في مدينة اسطنبول الضخمة. على الرغم من ان الأستاذ كمال من أشهر الأدباء الأتراك الا انه لم يكمل دراسته الاعدادية حيث عمل في البناء وصناعة الأحذية والزراعة الى جانب شتى الأعمال الحرفية الهامشية قبل ان يتحول لكاتب وأديب ذائع الصيت، وهذا ما يجعله عصاميا مبدعا لا يخجل من تاريخه. في قصته «الأقلام» يوجد اسقاطات كثيرة منها ما هو جاد والآخر ساخر، ولكنها دون شك كتبت بأسلوب محبك، ولعله كان ذكيا حيث توارى عبر هذه الفذلكة خلف خيال ساخر كي يتقي بطش حكم العسكر الذين كانوا يهيمنون على الحكم حينما كتب قصته. بكل بساطة يروي الكاتب قصة هذا الجاويش رئيس الزبالين الذي قد أصبح له ثروة كبيرة جراء ما يجمعه من تلك الزبالة التي يرمي بها الناس دون ان يدركوا ثروتها. ولأن الزبالين كانوا يجمعون كل شيء ثم يتقاسمونه فلقد كان له حصة الأسد منها كونه رئيسا. الشيء الوحيد غير القابل للقسمة وكان يأخذه له هو الأقلام. وعندما يأخذ جميع أقلام الزبالة كان يقسمها بين ابنه وابنته التي دفعها فضولها للتباهي بآلاف الأقلام المتنوعة ذات الألوان الزاهية أمام أصدقائها في المدرسة مما دفع أحدهم لاتهامها بأنها قد سرقت قلمه. لما سألتها ادارة المدرسة عن ذلك لم ترد ان تقول الحقيقة بأن أباها يعمل زبالا فادعت بأن لها قريبا يمتلك مكتبة ويهديها كل تلك الأقلام. لم تصدق ادارة المدرسة تلك القصة فاستدعت والدها الذي لم يعترف هو الآخر بمهنته فكرر ذات القصة التي سردتها ابنته فسألوه عن عنوان ذلك القريب المالك للمكتبة فأعطاهم عنوانا وهمياً ولم يفكر بأن حبل «التذاكي» قصير. بعد ان علموا بكذبته أيقنوا بأن تهمة السرقة صحيحة فتم فصل ابنته من المدرسة وبسبب تلك الفضيحة هجر رئيس الزبالين بيته الفاخر في منطقته السكنية حيث كان يتباهى أمام جيرانه الفقراء ومتوسطي الدخل. اقتران الأقلام بالزبالة له عدة معان منها بأنه مثلما يكون هناك أقلام لها ملاك أحرار ومفكرون يعرفون قيمه ما يكتبونه هناك أقلام، وان كانت زاهية وثمينة، الا انها وهمية لا مالك لها أو انها معلومة الملك ولكن المشترك بينها هو المكان... الزبالة. ما يريد الراوي ايصاله هو ان في عالم الفكر والصحافة والثقافة هناك الكثير من الأقلام الحرة المملوكة والمعروفة لأصحابها بغض النظر عما يطرحونه من قول، ولكن هناك في الطرف الآخر أقلام الزبالة الذين من الممكن ان يكونوا قد انتهت صلاحيتهم بعدما استنفدت المصلحة منهم من الملاك الحقيقيين وتم قذفهم بالمكان الصحيح، أو ان هذه الأقلام لا تزال تكتب لصالح ملاك لا يستطيع أحد ان ينازعهم عليها كما لا يمتلكون تغيير ملكيتهم كما كان حال ابنة الجاويش رستم التي ادعى عليها زميلها بأنها قد سرقت أحد أقلامه فاختلقت قصة كاذبة كان مداها قصيرا. السؤال الذي يطرحه الأستاذ كمال لجميع المجتمعات هو كم رئيسا للزبالين لدينا ولديكم؟ وهل يوجد في اعلامنا واعلامكم من أقلام الزبالة؟ وعبر قصته القصيرة تلك يريد التأكيد على وجود «رؤساء على شكل زعماء ووجهاء مصطنعين استكبروا» واستنكروا لماضيهم على الرغم من أنه مجرد وظيفة لا داعي للخجل منها، بل الكثير من هؤلاء كوَّنوا ثروات كبيرة جراء البحث في زبالة أناس المدن فصنعوا لأنفسهم وضعا يخادعون الناس به، وما يخادعون الا أنفسهم. أما من جهة أقلام الزبالة فالكاتب يريد ان يؤكد وجودهم متمثلين بوجه خاص على هيئة الذين يتوارون خلف أسماء مستعارة أو لهم مسمياتهم لكنهم ممن يمتهنون القاء التهم جزافا ليقبضوا من مالكيهم، وعندما تدعوهم للمناظرة لا يجدون مخرجا الا العودة من حيث أتوا... الزبالة، وبالأخير ما يريد الكاتب ان يسأله، هل عرفتموهم؟.... لعل البعض منهم سيرد ومن فوق رأسه بطحة يتحسسها!!!

مع

لا شك ان للرواية والقصة القصيرة أثرا بالغا في البناء المعرفي. وهذه القصة لا ترمي الى استخدام بعض العبارات التي قد يعتبرها البعض «وضيعة» أو غير لائقة، بل على العكس فانها تحاكي الواقع بأسلوب ساخر واقعي. ومن اسقاطاته الدالة حين أشار الى ان زبالة اسطنبول أعطته صورة شاملة عن المدينة وان نوارس البحر «البيضاء» دائما تتصارع على رؤوس المزابل لتصنع لونا ابيض ناصعا يخفي ما تحته.

ضد

ان استخدام عبارات وضيعة في وصف الخصوم أو في تشخيص وضع ما هو أسلوب غير لائق مهما يكن المبرر سواء في كتابة قصة قصيرة أو مقال صحافي. بل ان مثل هذه العبارات هي التي تحوِّل السجال والنقاش الى مرحلة غير أخلاقية. وحتى لو كان ذاك الخصم دنيئا في طرحه أو هذا الوضع فاسدا في طبعه فلا يجوز الانحدار لمستواه لأن وظيفة المثقف هي الارتفاع والارتقاء لا بالهبوط والوضاعة.

د.عبدالله يوسف سهر
sahar@alwatan.com.kw
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
271.0031
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top