لتركيا وروسيا أولويات متباينة في البحر الأسود والقوقاز وسوريا. ومع ذلك تقول ليلي باير في موقع جيوبوليتيكال فيوتشيرز أن كلاً الجانبين لديه مصلحة في تجنب المواجهة على المديين القصير والمتوسط.
ندما أسقطت القوات التركية طائرة عسكرية روسية في 24 نوفمبر الماضي، دخلت العلاقة بين موسكو وأنقرة في أزمة، وفرضت روسيا عقوبات على تركيا وأوقفت وكالات السفر في البلاد عروضها إلى هناك وتوقفت الطائرات المتجهة إلى مراكز سياحية تركية، وأعيد العمل بنظام التأشيرة.
وفي المقابل، عطلت تركيا حركة السفن الروسية الداخلة إلى البوسفور. ومع ذلك، من المهم أن ننظر إلى الأهداف والتحديات التي تواجه البلدين من الناحية الاستراتيجية. وتقول الكاتبة إن الجغرافيا جعلت روسيا وتركيا متنافسين لديهما أهداف مختلفة في القوقاز وسوريا وخارجها. ولكن في الوقت الراهن، "ليس من مصلحة أي منهما الانخراط في النزاع".
وتشير الكاتبة إلى أن الجغرافيا جعلت روسيا وتركيا متنافسين تقليديين مع وقوع روسيا إلى الشمال من البحر الأسود وتركيا إلى جنوبه. من أجل تعزيز فرص التجارة وتحقيق الأهداف الأمنية، حاول كلا القوتين السيطرة، بشكل مباشر أو غير مباشر، على الأراضي حول شواطئ البحر الأسود. على مدى ثلاثة قرون بدءا من بداية القرن السابع عشر عندما حاولت روسيا توسيع وجودها جنوبا، دخلت الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية في عشرات الصراعات في المناطق التي تعرف في العصر الحديث على أنها روسيا، في أوكرانيا ورومانيا وبلغاريا والبوسنة والقوقاز والأناضول.
وبالنسبة للإمبراطورية الروسية، فإن الصراع مع العثمانيين كان يدور حول السيطرة على أراضٍ زراعية جديدة، وزيادة نفوذها في المناطق الاستراتيجية مثل البلقان والقوقاز، وربما الأكثر أهمية، السيطرة على البحر الأسود والمناطق المحيطة به.
وبحلول القرن التاسع عشر، كانت روسيا مصدراً رئيسيا للمنتجات الزراعية، وفي منتصف القرن كانت أوديسا الواقعة على شاطئ البحر الأسود أكبر مواني تصدير الحبوب في العالم. وإلى ذلك، كانت روسيا في حاجة إلى المياه الدافئة والتي يمكن أن يستخدمها جيشها على مدار السنة، وقد أتاح لها البحر الأسود هذه الفرصة.
وتذكر الكاتبة بأن تركيا تقيم علاقات سياسية وعسكرية قوية مع أذربيجان، في حين أن روسيا هي الحليف الرئيسي لأرمينيا. تركيا عضو حلف شمال الأطلسي وبالتالي فإن أنشطتها في البحر الأسود جنبا إلى جنب مع زملائها في حلف الناتو، بمن فيهم رومانيا وبلغاريا، تقابل غالباً بتشكك من موسكو.
وإلى ذلك، تعارض تركيا نظام الرئيس السوري بشار الأسد الحليف لروسيا. ويبقى اليوم كل من تركيا وروسيا متنافسين في منطقة البحر الأسود. وتتحكم تركيا في قدرة البحرية الروسية على الخروج من البحر الأسود والدخول إلى البحر المتوسط. ويستمر البلدان في مواقفهما على جوانب مختلفة من الصراعات الإقليمية من سوريا إلى القوقاز.
ومع ذلك، تقول الكاتبة إن كلاً من تركيا وروسيا لديه أولويات جيوسياسية مباشرة في أماكن أخرى. فالنظام في تركيا لديه مخاوف خاصة بشأن ضمان الاستقرار الداخلي وتقويض الأكراد. وتركز تركيا إلى حد كبير على الأمن الداخلي. لذلك، وعلى رغم اهتمامها بهزيمة الأسد في سوريا ، فإنها لا تريد إطلاق تدخل بري مكلف في البلاد.
وبالمثل، ليست تركيا في أولويات روسيا والتهديدات للأمن القومي. والتحدي الرئيسي في روسيا هو ضمان بقاء أوكرانيا، المنطقة العازلة الحرجة، محايدة عسكريا. بوتتركز مخاوف موسكو أيضاً على انخراط محتمل للولايات المتحدة في أوربا الشرقية ومنطقة البحر الأسود. ومع اختلاف أولويات البلدين ، يتراجع زخم الصراع بشكل كبير.
وفي 28 مارس، وصل فريق عسكري روسي إلى تركيا في زيارة تستغرق ثلاثة أيام لقيادة لواء المشاة البرمائية في محافظة أزمير على بحر إيجة، وهي الأولى من نوعها إلى تركيا بعد حادثة إسقاط الطائرة. وبعد أسبوع، قال وزير الثقافة والسياحة التركي ماهر أونال في كلمة له أمام البرلمان التركي أنه يعتقد أن 2.5 مليوني روسي سوف يزورون تركيا هذا العام مع بدء العلاقات في التعافي.
رتعكس ردود فعل كل من روسيا وتركيا بعد اندلاع القتال العنيف في ناغورنو كاراباخ في 2 أبريل (نيسان) تعكس أيضا هذه الدينامية. فمع أن أنقرة وموسكو تتنافسان على النفوذ في المنطقة، يضع نشوب صراع مسلح واسع النطاق كلاً من الجانبين في مواجهة لا تصب في مصلحة أي منهما.
وتخلص الكاتبة إلى الجغرافيا حتمت التنافس بين تركيا وروسيا " وعلى المدى الطويل، قد تسعى تركيا إلى تثبيت أقدامها في المنطقة". ولكن في المدى القصير والمتوسط، لا تشعر موسكو وأنقرة بالقلق من بعضهما البعض إذ إنهما تركزان على تحديات جيوسياسية أخرى.