مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

كلٌّ يغني على ليلاه

وسمية المسلم
2015/01/01   10:15 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



في الأدب العربي ازدهر الشعر في العصر الأموي ازدهاراً كبيراً وظهر ما يسمى بالشعر الغزلي العفيف فاشتهر الكثير من الشعراء بهذا اللون من الشعر منهم مجنون ليلى العامرية وهو قيس بن الملوح.
فالمجتمع العربي يتقيد ببعض القيود التي تستدعيها معيشة المجتمع ولا مناص لهذا المجتمع من الاشتهار بمناعة الحوزة بين الأعداء والنظراء وإلا طمع فيهم كل طامع واستباحهم كل مستبيح وأول حوزة يحميها الرجل هي المرأة فمن شرف المجتمع العربي أن تتمتع النساء فيه بالمناعة والحمى ويتقاصر عنهن لسان المتغزل.
فالمنعة هي التي أوجدت الحب العفيف والغزل العذري فالعرب أولعوا في ألوان فنونهم القولية بما يتعلق بالمرأة واجمل ما تعلق بها الحب العفيف فأصدروا فيه الأشعار والقصص والأسمار.
جاءت بنو عامر بمجنونها قيس بن الملوح وبفتّانتها ليلى العامرية وهام قيس بليلاه فطغى على كل المحبين وصارت ليلى لكثرة ما شهرها مثلا لكل متشوق وسُترة لكل محبوب حتى قيل «كلٌّ يغني على ليلاه».
وقيس بن الملوح كان يهوى ليلى العامرية عشق كل منهما صاحبه وهما حينئذ صبيان يرعيان اغنام اهلهما عند جبل التوباد فلم يزالا كذلك حتى كبرا وكان قيس كثير الذكر والإتيان بالليل اليها وأدام زيارتها ولا يزال عندها نهاره اجمع حتى إذا امسى انصرف، وصار عشقه حديث الناس وانشد فيها الأشعار:
سقى حِّي ليلى حين أمستْ وأصبحت
من الأرض مُنْهَلّ الغمام رَعُودُ

فلما علم اهلها بغرامه وأشعاره منعوه من زيارتها فكاد يهلك اسى وحسرة فقال:
فلا البُعْد يُسليني ولا القربُ نافعي
وليلي طويلٌ والسهاد شديدُ
أراعي نُجوم الليلِ سهرانَ باكياً
قريح الحشا مني الفُؤاد فريد
واجتمع إليه قومه ولاموه على ما يصنع بنفسه وجعلوا يُعزونه عنها ويقولون نزوجك انفس فتاة في عشيرتك فيأبى الا ليلى ويهذي بها وبذكرها وأكثر عليه قومه في الملامة والعذل، فقال ان الذي بي ليس بهيّن فأقلّوا من ملامكم فلست بسامع فيها ولا مطيع لقول قائل، وجلس نسوة الى المجنون فقلن له ما الذي دعاك الى ان أحللت بنفسك ما ترى في هوى ليلى، وإنما هي امرأة من النساء؟ وهل لك في ان تصرف هواك عنها الى إحدانا فنجزيك بهواك، ويرجع اليك ما ضاع من عقلك ويصح جسمك؟ فقال لهن: لو قدرت على صرف الهوى عنها إليكن لصرفته عنها وعن كل احد بعدها وعشت في الناس مستريحا فقلن له: ما اعجبك منها؟ فقال كل شيء رأيته وشاهدته وسمعته منها اعجبني والله ما رأيت شيئاً منها قط الا كان في عيني حسنا ولقد جهدت ان يقبح منها عندي شيء او يسمج او يعاب لأسلو عنها فلم اجده، غير اني رأيت ظبياً مرة فتأملته وذكرت ليلى فجعل يزداد في عيني فأنشدت أقول:
رأيت غزالاً يرتعي وسْط روضة
فقلت أرى ليلى تراءت لنا ظهرا
ولما اختلط عقل قيس بن الملوح وترك الطعام والشراب مضت أمه الى ليلى فقالت لها ان قيسا قد ذهب حبك بعقله وترك الطعام والشراب فلو جئته وقتا لرجوت ان يتوب اليه عقله فقالت ليلى: أما نهاراً فلا لأنني لا آمن قومي على نفسي ولكن ليلا فأتته ليلا، فقالت له: يا قيس ان امك تزعم انك جننت من اجلي وتركت المطعم والمشرب فاتق الله وابق على نفسك فبكى وانشد شعرا:
لو تعلمين اذا ما غبت ما سقمي
وكيف تسهر عيني لم تلوميني
ولما منع ابو ليلى وعشيرته المجنون قيس بن الملوح من تزوجيه بها قال:
ارى اهل ليلى لا يريدونني لها
بشيء ولا اهلي يريدونها ليا
ألا يا حمامات العراق أعِنَّني
على شجني وابكين مثل بكائيا
ولما منع من تزويجه بها كان لايزال يغشى بيوتهم ويهجم عليهم فشكوه الى السلطان فاهدر دمه لهم فأخبروه بذلك فلم يرعه فانشد:
يقول لي الواشون إذ يرصدونني
ومنهم علينا أعين ورصود
ولما كره ابوها ان يزوجه اياها بعد ظهور الخبر فزوجها من رجل آخر وبلغ قيسا الخبر فيئس وجن جنونه وَجْداً عليها وصبابة بها فأنشد:
تذكرني ليلى على بعد دارها
رواجف قلب بات وهو حزين
ولما ذهب عقل قيس وتوحش كان يجيء جبل التوباد فيقيم به فإذا تذكر ايام كان يطيف هو وليلى به حينما كانا صبيين يرعيان غنما لأهلهما فإذا رأى جبل التوباد قال:
وأجهشت للتوباد حين رأيته
وهلل للرحمن حين رآني
وأذريت دمع العين لما رأيته
ونادى بأعلى صوته ودعاني
وظل قيس في هيامه وتفرده وأنسه برؤية الظباء وكان قومه يتركون له طعاما في الاماكن التي يتنقل فيها وفي يوم جاءت امرأة كانت تصنع له طعامه الى الطعام فوجدته بحاله وغدت في ثاني يوم فوجدت الطعام بحاله فغدا اهله يطلبونه ويتتبعون اثره حتى وجدوه في واد كثير الحجارة وهو ميت بين تلك الحجارة فاحتمله اهله فغسلوه وكفنوه ودفنوه.
لنتبحر ونتعمق في فهم التراث العربي الاصيل بما وصل الينا من الاجداد الاقدمين من صنوف متنوعة في فنون الآداب من الشعر والدواوين الشعرية والمعلقات وكذلك من نصوص النثر سواء كان في العصر الجاهلي او العباسي او الاموي وغيرها من العصور لما احتواه الشعر العربي من مختلف الالوان الشعرية وهي كنوز فكرية ولغوية ومعان وقد سطر الشعراء من خلال اشعارهم حكاياتهم وبطولاتهم وشجاعتهم واسمارهم وصاغوا اشعارهم بحسهم المرهف وبخيالهم المبهر وقدرتهم على سبك القوافي واتقانهم وتفننهم بتنوع الاصناف الشعرية من المدح والثناء والهجاء والقدح والفخر والرثاء والغزل والخطوب والمحن والشكوى والعتاب والوفاد والشهامة وبإحساسهم وتعبيرهم بالألفاظ والمحسنات اللغوية البديعة من السجع والكنايات والوصف بما اضفى على اشعارهم جمالا رائعا.
هذا هو تراثنا العربي الاصيل، لنفتخر ونعتز بما احتواه من نفائس ودرر وثروة لغوية فائقة المعاني.

وسمية المسلّم
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
1063.0031
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top