مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

في أن الوهن العربي أضعف الإنجاز الفلسطيني

فهمي هويدي
2014/08/26   09:20 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



العمليات الفدائية لم تتوقف منذ 48 لكن هذه هي المرة الأولى التي تتحدى فيها المقاومة الصلف والعربدة طوال 50 يوماً

نقطة الضعف الأساسية في الموقف الفلسطيني كانت غياب الظهير العربي فغزة حاربت وحيدة عسكرياً وسياسياً

من مفارقات زماننا ان أكبر انجاز عسكري حققته المقاومة تم في أسوأ ظروف عربية يمكن ان تخطر على البال

(1)

لا أتحدث عن المآلات، لأن ملف الحرب لايزال مفتوحا، وانما أعني ما تحقق حتى الآن على الأرض. أدري ان الانجاز لم يتحقق بالمجان، ولكن القطاع دفع ثمنا باهظا له. لست غافلا عن دماء نحو 2100 شخص قتلوا بينهم 68 أسرة أبيدت عن آخرها، اضافة الى عشرة آلاف و400 آخرين أصيبوا جراء القصف الاسرائيلي المجنون، كما ان نحو 900 منزل هدمت وتحولت الى انقاض غير آلاف المنازل التي تضررت بصورة أو أخرى كما ان نحو نصف ميون فلسطيني تشردوا وأصبحوا بلا مأوى. وهي الأرقام التي أعلنها المركز الفلسطيني لحقوق الانسان قبل أيام قليلة (في 8/21). لكنني أفهم ان ذلك الانتقام لا يعد فقط أحد حلقات القمع والابادة التي تمارس بحق الفلسطينيين منذ أربعينيات القرن الماضي، ولكنه أيضا رد على الضربات الموجعة والمحرجة التي وجهتها المقاومة الى اسرائيل بجرأة وقدرة على التحدي لم تألفها منذ تأسيسها في عام 1948. صحيح ان العمليات الفدائية الجسورة لم تتوقف منذ ذلك الحين، لكنني أزعم ان هذه هي المرة الأولى التي تتحدى فيها المقاومة الصلف والعربدة طوال نحو خمسين يوما متصلة (الحرب على غزة بدأت في 8 يوليو الماضي). وهو تحد تجاوز الصمود والدفاع الى الهجوم والتصدي بالصواريخ. تلك التي استهدفت أهم المدن الاسرائيلية حتى أوقفت الطيران في مطار بن جوريون لعدة أيام، الى جانب ان كثافة اطلاقها جعلت صفارات الانذار تدوي أغلب الوقت في مختلف المدن، الأمر الذي دفع مئات الألوف من الاسرائيليين الى الاحتماء بالملاجئ لأول مرة.وفي الوقت الذي هزت الصواريخ الفلسطينية نظرية الأمن الاسرائيلي واستدرجتها الى ما يشبه حرب الاستنزاف، فان الانفاق التي وصل بها الفلسطينيون الى مشارف بعض المستوطنات سببت صدمة ليس فقط لسكانها الذين أصيبوا بالرعب ولكن أيضا لأجهزة الاستخبارات الاسرائيلية التي فوجئت بها حتى اعتبرت أحد مظاهر فشلها وعجزها عن تقدير مستوى القدرة العسكرية لدى الفلسطينيين على الرغم من الحصار المحكم عليهم المستمر منذ نحو سبع سنوات.

(2)

نقطة الضعف الأساسية في الموقف الفلسطيني كانت غياب الظهير العربي.ذلك ان غزة حاربت وحيدة، على الصعيدين العسكري والسياسي. فلم يساندها نظام عربي ولا حتى الجماهير العربية بمن في ذلك أغلب النخب والمؤسسات عالية الصوت.وفي حين قطعت بعض دول أمريكا اللاتينية علاقاتها مع اسرائيل. وتعالت أصوات عدد غير قليل من الأكاديميين والفنانين في العالم الخارجي منادية بادانة الوحشية الاسرائيلية، وفي حين خرجت 250 مظاهرة منددة بالعدوان في أوروبا وأمريكا يوم 8/17، فان الجماهير العربية غابت عن الساحة، اذا استثنينا ما جرى في الأردن والمملكة المغربية.واذ فاجأتنا استقالة البارونة سعيدة وارسى وزيرة الدولة البريطانية لشؤون الجاليات من منصبها احتجاجا على موقف حكومة بلادها، فلم نعرف ان مسؤولا عربيا واحدا عبر بأية صورة عن احتجاجه على الصمت العربي.
صحيح ان مصر قدمت مبادرة لوقف القتال ودعت الجميع للقاء في القاهرة بعد ذلك.لكن المبادرة تجاهلت المقاومة الفلسطينية في البداية، وتمت بناء على أفكار قدمها السيد محمود عباس ومشاورات مع الجانب الاسرائيلي، في حين ان قيادات المقاومة علمت بأمرها من وسائل الاعلام.ولم يكن ذلك متأثرا فقط بموقف القاهرة من حركة حماس المتأثر بالصراع الحاصل في مصر بين السلطة القائمة والاخوان، ولكنه كان أيضا تعبيرا عن موقف أقرب الى الحياد النسبي التزمت به مصر طول الوقت، آية ذلك ان البيانات التي صدرت عن القاهرة لم تشر مرة واحدة الى العدوان الاسرائيلي.ناهيك عن الاحتلال الذي هو أصل المشكلة.وبالتالي لم تعبر عن أية ادانة له.وظلت بيانات الخارجية المصرية تتحدث عن العنف المتبادل والأعمال العدائية من الجانبين والعمليات العسكرية.وفي بيانين اثنين فقط صدرا في 7/28 و8/1 أدانت مصر مرة «بكل ثقة» ومرة أخرى «بأقسى العبارات» استهداف المدنيين الفلسطينيين. وهو ما فهم منه انه غض للطرف عن الهدف الأساسي للغارات التي استهدفت سحق المقاومة وكسر ارادتها.
تحضرني في هذا المقام قصة لابد ان تروى.وهي ان الرئيس جمال عبدالناصر حين قبل بمبادرة روجرز في عام 1970، التي استهدفت وقف أعمال الفدائيين في غور الأردن الموجهة ضد اسرائيل، (ايده في ذلك الملك حسين) فانه تعرض لهجوم شديد وقاسٍ من قبل منظمة التحرير اذ أصدرت بيانات وصفت الموقف بأنه «مؤامرة» واعتبرتها من قبيل «الحلول التصفوية والاستسلامية».ولم يكن سهلا آنذاك ان تطلق تلك الأوصاف على رجل بوطنية وكبرياء جمال عبدالناصر لكن الرجل تنازل عن كبريائه ونسى الخصومة حين دخلت منظمة التحرير في صدام مع النظام الأردني الذي سعى آنذاك لاخراج المقاومة من الأردن، فيما عرف لاحقا بأيلول الأسود، فتحرك بسرعة ودعا الى قمة عربية في القاهرة لمساندة المقاومة واخراجها سالمة من الأزمة. قبل ان يلقى ربه في نفس العام.وهي قصة تقدم نموذجا للارتفاع فوق الخصومات مهما بلغ عمقها دفاعا عن المصالح الاستراتيجية العليا، الأمر الذي صرنا أحوج ما نكون اليه في الوقت الراهن.

(3)

الموقف العربي الرسمي بدا بائسا ومحزنا.من ناحية لأن العدوان الاسرائيلي وقع في ظروف عربية نمت فيها نوازع الانكفاء والقطرية، الأمر الذي أدى الى تراجع أولوية القضية الفلسطينية، حيث بدا كل بلد مشغول بهمومه الخاصة.من ناحية ثانية فان حوادث القتل والدماء الغزيرة التي ظلت تسيل في غزة، لم تعد صادمة للرأي العام العربي، ذلك ان قتل 30 أو 40 شخصا يوميا أو حتى تدمير بيوت وأحياء بأكملها صار خبرا عاديا في سورية والعراق وليبيا وبدرجة أو أخرى في اليمن.
من ناحية ثالثة فان الانقسام العربي، في غيبة «الربَّان» وانكفائه، كان له أثره الفادح في التشتت والانفراط الذي كانت له تداعياته الكارثية.وتمثل أخطر تلك التداعيات فيما فوجئنا به، حين اكتشفنا ان بعض الدول العربية أصبحت أقرب الى المربع الاسرائيلي، في حين وقفت دول أخرى في صف ادانة العدوان ورفضه. واستغلت اسرائيل ذلك الموقف المحزن أسوأ استغلال.حين صارت تتحدث عن «تحالف» اسرائيلي عربي ضد المقاومة في غزة (قيل انه ضد حماس) وأصبح ساستها واعلاميون يروجون لمقولة استناد اسرائيلي الى «شرعية عربية» في تعاملها مع ما وصف بأنه «ارهاب فلسطيني»!.ليس ذلك فحسب وانما عمدت اسرائيل الى تسريب أنباء عن تعاون مخابراتي عربي ساعدها في العمليات والغارات التي قامت بها.ولم يكن «التعاون» مقصورا على التزويد بالمعلومات (وذلك أمر لا يستهان به) وانما وصل الى حد استغلال بعض عناصر الاغاثة العربية لجمع المعلومات لصالح الاسرائيليين (قصة الهلال الأحمر الاماراتي نموذج لذلك).
حين ظلت جبهة النظام العربي تتعامل ببرود مشهود مع الانقضاض الاسرائيلي على قطاع غزة، فلا تنديد أو ادانة ولا سحب للسفراء ان وجدوا ولا تقليص للعلاقات ولا شكوى لمجلس الأمن، فقد كان طبيعيا ان ينعكس ذلك كله على موقف الجامعة العربية.ذلك ان غاية ما استطاعت الجامعة ان تفعله انها أصدرت بيانا في 8/16، بعد نحو خمسة أسابيع على بدء العدوان دعت فيه الى انهاء العدوان الاسرائيلي، وجددت دعم الاقتراح المصري الذي دعت اليه المبادرة لوقف اطلاق النار بصفة دائمة في غزة.

(4)

في هذه الأجواء طال أمد الحرب على نحو لم تتوقعه اسرائيل، التي لم تألف مواجهات تستغرقه هذه المدة، وهي التي اعتادت على الحروب الخاطفة والسريعة منذ تأسيس الدولة العبرية في عام 1948.كان وزير الدفاع موشي يعلون قد دعا سكان المستوطنات القريبة من غزة في البداية الى الصبر لعدة أيام، لكن الأيام صارت أسابيع وهي الآن على وشك الدخول في الشهر الثالث.ورغم ان غزة دفعت الثمن الباهظ الذي سبقت الاشارة اليه، الا ان الحرب اربكت القادة الاسرائيليين الذين لم يجدوا لها نهاية في ظل استمرار اطلاق الصواريخ الفلسطينية، وفشل حملة التدمير الاسرائيلية في اسكات المقاومة واخضاعها.ازاء ذلك فان المياه تتحرك الآن في الساحة الدولية ليس فقط لفك الحصار عن غزة، ولكن أيضا لمحاولة التقدم باتجاه حل جذري للاشكال يفتح الباب لتنفيذ فكرة اقامة دولتين للشعبين العربي والاسرائيلي.وتتحدث الدوائر الدبلوماسية عن مشروع قرار أوروبي لمجلس الأمن ينص على حل مشكلة غزة بما يلبي احتياجات اسرائيل الأمنية ويفك الحصار، ويربط ذلك بمفاوضات لقيام دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967. كما تتحدث تلك الأوساط عن مشروع قرار أمريكي آخر يعدل من المبادرة الأوروبية بحيث يضيف اليها جعل القطاع منزوع السلاح.وفي كل الأحوال فان صمود غزة طوال الأسابيع الأخيرة يشكل عنصرا حاسما للضغط باتجاه البحث عن حلول جذرية للأزمة.
ذلك لا يلغي المبادرة المصرية بطبيعة الحال. لأن مصر موجودة في قلب المشكلة بأمر الجغرافيا على الأقل، وبرغم أي تغيرات تطرأ على اتجاهات الريح فيها.لكنه يطورها ويستثمر فكرة وقف اطلاق النار الذي دعت اليه المبادرة للذهاب الى أبعد في التعامل مع الأزمة.صحيح ان المبادرة لم تحقق شيئا حتى الآن، على الرغم من ما قيل ذات مرة ان المفاوضات التي رعتها مصر بين الطرفين حققت انجازا شمل %95 من المشكلات العالقة، لكن تبين بمضي الوقت ان ذلك كان نوعا من التمني لا علاقة له بالحقائق القائمة على الأرض.اذ ما عاد سرا ان اسرائيل لا تريد ان تقدم أي مقابل للمقاومة، وانها تريد ان تفرض ارادتها بقوة السلاح، وكل ما قيل عن قبولها لمبادرة وقف القتال كان من قبيل التمويه والكذب.وهو ما فضحه مقال نشره قبل أيام موقع «ديلي بيست» الذي استحوذت عليه مجلة نيوزويك، وروى فيه أحد الخبراء الأمريكيين اسمه مارك بيري تجربته الخاصة مع الاسرائيليين.حين كلف في شهر يوليو عام 2002 بترتيب وقف اطلاق النار بين الاسرائيليين والفلسطينيين عقب الانتفاضة الثانية، واذ عمل جاهدا لأجل ذلك، ولم يبق لانجاز المهمة سوى الحصول على توقيع قائد كتائب القسام آنذاك صلاح شحادة على الاتفاق. ولكن قبل عشر دقائق من سريان وقف اطلاق النار القت طائرة اسرائيلية طنا من المتفجرات على مقر قائد القسام، فقتلته وأبادت الى جانبه 14 شخصا آخر.ثم قال له أحد الاسرائيليين وهو يحييه صبيحة اليوم التالي: انت لم تفهمنا جيدا، لاننا لم نكن راغبين في وقف اطلاق النار! السيناريو تكرر هذه المرة، مع فرق أساسي هو ان اسرائيل فشلت في قتل قائد كتائب القسام محمد الضيف، لكنها قتلت زوجته وطفلته فقط.وفي الوقت الراهن فان الملف لايزال مفتوحا، بعدما رفضت اسرائيل مشروعين قدمهما الوفد الفلسطيني لتثبيت الهدنة المقترحة.وهو ما أعاد الحوار الى نقطة الصفر مرة أخرى.الأمر الذي يستدعي سيلا من الأسئلة حول مآل المبادرة المصرية، وما يمكن ان تسفر عنه الجهود الأوروبية والأمريكية، وحدود المرونة المتاحة أمام الوفد الفلسطيني الذي يصر على ان يكون فك الحصار بأية صورة هو الحد الأدنى للمقابل الذي يتوقعه الفلسطينيون بعد كل الذي جرى، وحدها الأيام المقبلة التي ستجيب على تلك الأسئلة.

فهمي هويدي
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
274.0129
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top