

	الأربعاء 15/04/1447 هـ الموافق 08/10/2025 م الساعة 11:30 توقيت الصلاة الظهر 11:36

مقالات

A A A A A

أزمة أوكرانيا تتحول إلى أزمة عالمية

أحمد الدواس

2014/03/23

08:41 م

شكرا لتصويت

التقيم

التقيم الحالي 5/0

ستؤدي إلى تغيير في العلاقات الجوهرية بين روسيا والغرب وفي ميزان القوى العالمية

في الزمن القديم لم تكن هناك وسائل اعلام يتابعها الناس فكان كل حدث سياسي أو اقتصادي لايؤثر في الدول الأخرى، ولكن في الوقت الحاضر فإن أي أزمة اقليمية أو دولية قد يكون لها من الأبعاد السياسية والاقتصادية مايؤثر في الوضع الدولي، بمافيه المنطقة العربية، لنأخذ مثلاً الأزمة في اوكرانيا ونشرحها بشكل مبسط حتى نستخلص الدروس ونرى النتائج فنقول ان الدولة العثمانية كانت من القوة أنها احتلت أجزاء من شرق اوروبا مثل رومانيا وبلغاريا وهنغاريا وأراضي في جنوب اوكرانيا منها شبه جزيرة القرم، وبعد حروبٍ متعددة بين الدولة العثمانية والامبراطوريات الروسية، حل الضعف بالامبراطورية العثمانية بمرور الزمن فاستغل الروس الفرصة وانقضوا محتلين شبه جزيرة القرم في عام 1771 م، وأقاموا قاعدة بحرية لأسطولهم العسكري البحري على ساحل القرم المطل على البحر الأسود، وبعد الحرب العالمية الثانية في عام 1944 انتهج الرئيس الروسي ستالين سياسة تطهير عرقي بترحيل سكانها من التتار المسلمين الى سيبريا بتهمة تعاونهم مع الألمان النازيين الغزاة، وأبقى على الروس كأغلبية في القرم، وفي عام 1954 أُعتبرت القرم جزءاً من اوكرانيا السوفييتية، وعندما تفكك الاتحاد السوفييتي احتفظت روسيا بقواعد الأسطول العسكري البحري.
في الوقت الحاضر هناك شباب اوكرانيون لم يعيشوا فترة الاتحاد السوفييتي، وبالتالي فقد طالبوا بمزيدٍ من الحريات، والكثير منهم يتوق لأن تنضم بلاده الى الاتحاد الاوروبي.واذا نظرنا الى اوكرانيا نجد ان القسم الشرقي منها يتعاطف مع روسيا، والقسم الغربي يشترك بحدود مع دولٍ أوروبية، لذلك كانت عواطف الاوكرانيين منقسمة بين الشرق والغرب، وشيئاً فشيئاً احتج مئات الألوف من الاوكرانييين على أداء الحكومة التي لم تستجب لتطلعات الشعب ومصلحة البلاد، ولما تولى السلطة في اوكرانيا الرئيس فكتور يانوكوفتش، المؤيد للروس، رفض في أواخر عام 2013 اتفاق شراكة مع الاتحاد الاوروبي، وابرم صفقة بديلة مع روسيا بحيث تسمح للروس الاستمرار بالاستفادة من موانئ اوكرانيا الشرقية المطلة على البحر الأسود حتى عام 2042 بدلاً من انهاء العقد في عام 2017، فبدأت المظاهرات تندلع في شوارع اوكرانيا وتفاقمت الأزمة فطالب المحتجون باقالة الرئيس يانوكوفتش، فقام البرلمان الاوكراني بعزل الرئيس فكتور يانوكوفتش في أواخر فبراير 2014.
روسيا رفضت الاعتراف بالحكومة التي تولت السلطة بعد عزل يانوكوفتش المؤيد للروس، وخول البرلمان الروسي الرئيس بوتين بانزال قوات عسكرية في القرم لحماية أرواح المواطنين الروس، وبهذا ضمت روسيا القرم اليها مما أثار موجة استنكار من قبل امريكا واوروبا على وجه الخصوص، وبعدما كان الاوروبيون لايهتمون بأحداث اوكرانيا، أصبح العالم بأسره الآن يتابع أحداثها لأن ماحدث قد يشجع بلداناً اخرى مثل الصين وايران على تحدي المجتمع الدولي، فامريكا أظهرت موقفاً ضعيفاً بترددها عن استعمال القوة في سورية، وضعفاً أيضاً في التعامل مع ايران والصين، وبالتالي قد تتصور الحكومات الاخرى ان السياسة الخارجية الامريكية ضعيفة ممايدهور الوضع الدولي، فقد تتشجع الصين وتحتل جزر «سنكاكو» المتنازع عليها مع اليابان، طالما ان الصين تعتبر امريكا ضعيفة ولن تخاطر بالتدخل في حربٍ ضد قوة نووية هي الصين، وان حدث وتدخل الأمريكان فان لدى الصين أسلحة اقتصادية تنتقم بها من امريكا من خلال الحاق الضرر بسلسلة الشركات الامريكية ورفض شراء سندات الخزانة الامريكية.
كذلك فإن ما يحدث في اوكرانيا يؤثر في الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، فقد تنتقم روسيا من مواقف امريكا واوروبا بعد ضمها للقرم فتوعز مثلاً لايران بعدم تقديم تنازلات للغرب في محادثات ايران مع الغرب حول البرنامج النووي الايراني، واذا ماعلمنا ان التيار اليميني الاسرائيلي أصبح يرفض بشدة التسوية السلمية مع الفلسطينيين طالما انه ليس هناك ضمانات دولية تحفظ حقوق الأراضي، فاذا كانت أراضي اوكرانيا تضمنها الاتفاقيات الدولية ومع ذلك أُحتل جزء منها هو القرم، فمافائدة الضمانات الدولية لاسرائيل؟.
إلى جانب ذلك فإن وضع القرم يعكس موقف روسيا من سورية، فالرئيس الروسي بوتين تشجع باحتلال القرم لأنه في أحداث سورية لم يملك الغرب سياسة حازمة تجاهها بل صدرت عن الدول الغربية «كلمات لا أفعال» بينما تدك القوات السورية المدن بأسلحة روسية، ولما ظهرت الاحتجاجات في اوكرانيا ضد يانوكوفتش قبل عزله، مارس هذا الأخير سياسة القسوة، ولم يفضل التسوية السياسية، تماماُ مثلما فعل بشار الأسد.
قد يتساءل المرء عن السبب الذي دعا روسيا الى ضم القرم، وعن السياسة الروسية الخارجية بشكل عام، هنا يمكن القول بأن روسيا تعتبر اوكرانيا بلداً هاماً لأمنها الوطني، فاوكرانيا تسيطر على منفذ روسيا الى البحر الأسود ومن ثم الى البحر الأبيض المتوسط، وموانئ أوديسا وسيفاستوبول تتيح لروسيا منفذاً لتصدير السلع التجارية والعسكرية، واوكرانيا أيضاً طريق حيوي تمر عبره أنابيب النفط الروسي الى أوروبا، ويمثل النفط لدى روسيا حاجة تجارية واستراتيجية لأن الطاقة (الغاز) أصبحت أداة للتأثير والتحكم بالدول الاخرى، بما فيها اوكرانيا، واوروبا متعطشة للطاقة ممايضعها في موقف الاعتماد على روسيا، ويتيح لروسيا ان تمارس الضغط على اوروبا.
في انتخابات الرئاسة الاوكرانية خلال السنوات الأخيرة وجهت روسيا الاتهام لجهاز المخابرات الأمريكية وجهاز المخابرات البريطاني بأنهما كانا يحرضان الاوكرانيين على المطالبة بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي، ومحاولة لجر اوكرانيا نحو حلف الناتو، فرأت روسيا في هذه الممارسات الغربية محاولة لتطويق وتحطيم الاتحاد الروسي، فأخذ بوتين خلال السنوات الست اللاحقة يبذل أقصى جهده لتقويض رغبة الغرب فعمل علانيةً وسراً على تقوية نفوذ روسيا في مناطق الاتحاد السوفييتي السابقة لخلق حكومات موالية لروسيا، واذا عدنا الى التاريخ يتبين لنا ان حروب اوروبا العظمى حدثت بين جبال البرانس في اسبانيا الى سانت بيترسبيرغ في شمال روسيا، وهذا الطريق سلكه نابليون وهتلر لغزو روسيا، لذلك تحاول روسيا دفع حدودها ناحية الغرب بقدر ماتستطيع لخلق منطقة عازلة، فبعد الحرب العالمية الثانية دفعت روسيا حدودها الى وسط ألمانيا، واليوم تراجعت الى الشرق، فتسعى الى دفعها ناحية الغرب بقدر الامكان، وروسيا ليست دولة عالمية عظمى بل قوة اقليمية عظمى، وهذا يعني انها ستصطدم بدول اوروبا، فدول الناتو مثلاً كانت بعيدة عن بيترسبيرغ بنحو 1600 كيلومتر، لكنها أصبحت توجد الآن بمسافة أقل من 150 كيلومترا عن الحدود الروسية، كما ان استراتيجية الرئيس بوتين هي زيادة قوة روسيا لا ان تكون بموقف دفاعي، فالقوى من حولها قوية للغاية، وهو الأمر الذي جعل روسيا تسعى لتحقيق درجة كافية من السيطرة على اوكرانيا حتى لاتتحكم بها قوى معادية لروسيا تهدد الأمن الروسي.
أمريكا فرضت منذ أيام عقوبات على بعض المسؤولين الروس والاوكرانيين بتجميد أرصدتهم المالية أو منع دخولهم أراضيها، والدول الأوروبية تدرس فرض عقوبات مماثلة، والى حد الآن لم تحدث مواجهات عسكرية بين القوات الروسية والاوكرانية، ولكن اذا حدث ذلك فان الصراع سيكون كبيراً وسوف يمتد الى فترة طويلة من الزمن، ممايعرض الأمن في اوروبا للخطر، وحتى اذا لم تحدث حرب بين الطرفين فان أزمة القرم ستؤدي الى تغيير في العلاقات الجوهرية بين روسيا والغرب وفي ميزان القوى العالمي، فروسيا في سباق واضح مع امريكا واوروبا في منطقة شرق اوروبا.

أحمد الدواس

أخبار ذات صلة dot4line

التعليقات الأخيرة

All Comments

أكثر المواضيع مشاهدة

مقالات ذات صلة بالكاتب

Tweets by WatanNews !function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");

671.9815


موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة