مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

اغتيال الاتفاقية الأمنية

عبدالله بشارة
2014/02/09   09:14 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



ثلاثة أشخاص من مواطني الكويت عاشوا تجربة فريدة مع الاتفاقية الأمنية منذ كانت فكرة خرجت من رحم الاتفاقية الاقتصادية ومن أحكام المواطنة الخليجية، كان سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر، وزيرا للداخلية آنذاك، وجاء بعده المرحوم الشيخ سالم صباح السالم، وكلاهما تعامل بمسؤولية وتابع المسودات المختلفة التي تمت صياغتها من أجل التوصل الى صيغة واحدة متفق عليها من الدول الأعضاء، وكلاهما أظهر التزاما دقيقا باملاءات الدستور الكويتي، وثالثهما كاتب هذه السطور الذي شهد المساعي المكثفة التي بذلت للاقتراب من الموقف الكويتي، وشارك في الاجتماعات التي أعدتها الأمانة العامة للفنيين والخبراء ثم الوكلاء والوزراء.
ليس من السهل رسم لوحة معبرة عن دبلوماسية الكر والفر التي رافقت حياة مشروع الاتفاقية، فقد تركت شخصيا الأمانة العامة لمجلس التعاون في عام 1993، والمشروع مازال في ملف الاجتهادات، والسبب ان الجميع يسعى للوصول الى مشروع يرضي الجميع، مقنعا لكل الأطراف، ومنسجما مع حقائق دستور كل طرف.
كانت الاتفاقية الأمنية ضرورة تواكب اتساع فضاء العمل والاقامة والحقوق لمواطني المجلس في كل دولة من الدول الأعضاء، حيث أعطت الاتفاقية الاقتصادية حقوقا لهذا المواطن لاسيما في مجال التجارة والمال والاستثمار والضمان المصرفي، وكان لابد من تنظيم الترابط بين المسؤوليات التي يتحملها المواطن الخليجي وبين الامتيازات التي تمنح له، فلا يمكن ان يوجد مواطن كويتي في الرياض متمتعا بنفس حقوق المواطن السعودي دون التزامات تعاقدية ومالية وتطبيق أحكام المخالفات القضائية وكلها عناصر لا مفر منها لتأمين حقوق كل الأطراف.
من هذا الواقع جاءت الاتفاقية التي وقع عليها وزراء الداخلية في مجلس التعاون في 13 نوفمبر 2012، بعد ان تمكنت الدول من العبور من عنق الزجاجة التي أجهضت الكثير من المقترحات والمبادرات خلال أكثر من عشرين سنة.
نحن الآن أمام اتفاقية تحتاج الى مصادقة مجلس الأمة، وقد اطلعت عليها وشاركت في لقاء حولها منذ فترة، نظمته لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة السابق، وبالمقارنة مع الفصول التي تعرفت عليها في الثمانينيات، أدرك حجم الجهد الذي بذلته الدول الاعضاء للوصول الى صيغة اليوم، التي هي صيغة مختلفة عن تلك التي كنا نتداولها في الفترة السابقة، وفي هذا المجال أود ان أدون بعض الملاحظات:
أولا – على الحكومة ممثلة في سمو رئيس الوزراء ووزيري الداخلية والخارجية بأن تضع النقاط فوق الحروف، فلا مجال للتراخي، ولا يمكن قبول أسلوب الترضيات ولا التنازلات، وعليها ان تقود، بمعنى قيادة الشأن السياسي والأمني، وهما أبرز عناصر الاتفاقية، ولا تتأخر في الرد أو التوضيح، ومع نشر كل التفاصيل، لأن مصداقيتها وجدية الكويت وجدارتها في التمتع بالدعم الجماعي الخليجي وصورة القيادة وهيبتها كلها تلتقي حول قدرتها على الاقناع وعلى الالتزام كشريك يعتمد عليه عند الازمات.
ولا أريد ان أذكر بأن الكويت ما زالت الحلقة الشمالية الضعيفة في خريطة مجلس التعاون، تعرضت الى غزو ما كان يجب ان يحدث لو التزمنا جميعا بحقائق السياسة والقوة والفراغ والاغراء، فكانت الكويت فراغا أمنيا أغرى وحش الشمال لالتهامها.
أكبر عِبر الغزو ان تظل الكويت الى نهاية الحياة محصنة بآليات تأمين الاستقرار والاستقلال والسيادة، ومجلس التعاون أبرز آلياتها، ولا ننسى ان مجلس التعاون أنتج شيئا يطلق عليه الآن الهوية الخليجية التي كلنا ننتمي اليها، وهي شبكة فيها الثقيل وفيها المثير، فيها امتيازات وفيها مسؤوليات على الأشخاص وعلى الدول الأعضاء.
ثانيا – نرجو من كل من يريد ان يقول شيئا عن الاتفاقية الأمنية ان يقرأها جيدا، لا يسمع من الآخرين وانما يقرأ ويتمعن، فكل ما فيها واضح ومكتوب بلغة سهلة وكل شيء فيها وفق التشريعات الوطنية ووفق التزاماتها الدولية، ومعظم بنودها التنسيق وتبادل الخبرات، وعقد لقاءات دورية واتصالات للتشاور، وتبادل معلومات، وكل خطوة مشروطة وفق الامكانات والظروف، ووفق التشريعات الوطنية.
وهنا لابد من حملة توضيحية اعلامية تقوم بها وزارة الداخلية لابعاد الشكوك والقضاء على الوسوسة السياسية التي تسعى لاغتيال الاتفاقية والتي بدأت تعمل مدفوعة بطاقة سياسية محلية لا علاقة لها بحسنات أو سيئات الاتفاقية.
ثالثا – الاتفاقية الأمنية تخص دول المجلس، وهي اتفاقية بين دول متعاقدة يجمعها نظام اقليمي جماعي وتأخذ شكل العقد الملزم، بأبعاد دولية، وهذا العقد لا يمكن ان يخضع للمماحكات السياسية والجدلية الداخلية للدول الأعضاء، ويجب ان يظل بمنأى عن السخونة السياسية والاعلامية بين أطياف المجتمعات الخليجية سواء في الكويت أو غيرها، ولا يمكن قبول الحشد الطائفي أو القبلي أو الفئوي ضد مشروع يهم الدولة بكل هيئاتها وطوائفها، كما يجب ألا تتسلل الهواجس والحساسيات التي تفرزها المخاوف من غلو ديني أو فكري أو أيديولوجي.
فالاتفاقية في مجملها مساهمة خليجية جماعية للأمن الاقليمي، تحصد منه الكويت الكثير من المنافع وبحجم أكبر مما يستفيد منه الآخرون.
وعندما تحضر ضرورات الأمن فلا مجال للهذرة السياسية ولا مجال للدخول في حرب المناشيتات الاعلامية.
كما أرجو ان تكون المقاربة السياسية المحلية لبنود الاتفاقية واعية لحقائق الكويت التي تظل هي الأصل والباقي مجرد فروع، كما كان يردد سمو المغفور له الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه.
رابعا– علينا ان نتذكر دائما بأن الاتفاقية هي جزء من مسيرة مجلس التعاون الجماعية التي احتضنت الكويت عند كارثة الغزو، وهي مسيرة شاملة متكاملة لا مجال فيها للانتقائية المزاجية، وهي حقائق اليوم التي لن تتبدل ولن تختفي، فيها امتيازات وفيها واجبات لا تقبل الاستثناءات ولا تعطي حق التميز لأحد، وادارتها سداسية جماعية تعمل على قاعدة التراضي والاقتناع، ولا تعطي طرفا اعفاءات، كما يريد بعض أعضاء مجلس الأمة، ولا تسمح الاتفاقية باقتلاعات لأجزاء منها لكي تختفي مواد لا يستذوقها بعض الأعضاء لأنها كيان متكامل.
ولا يوجد فيها ما يردده المستعجلون حول التضييق على حرية الرأي، وحرمان المجتمع الكويتي من أجواء الحرية.
فالاتفاقية تهدف – كما تقول الديباجة - لتحقيق أكبر قدر من التعاون من أجل المساهمة الفاعلة في مكافحة الجريمة بجميع أشكالها وصورها ورفع كفاءة الأجهزة الأمنية، وهي ترجمة لقرار قادة الدول بأن المحافظة على الأمن والاستقرار هي مسؤولية جماعية يقع عبؤها على هذه الدول.
ونردد الشعور العام داخل دول المجلس بأن الكويت تتحرك دائما ببطء وتجر رجلها جرا والسبب ان الصراعات السياسية الداخلية تضغط وبشكل مستمر وسلبي على قرار الدولة التي لابد في هذه الحالة ان تجند كل ما لديها من طاقة وتمارس فنون العمل البرلماني في التنسيق مع رئيس المجلس ومع الأعضاء لكي تتخلص الكويت من الصورة السلبية في ترددها واسترخاء قراراتها..
ونكرر بأن مجلس الأمة شريك مع الحكومة في القرار المناسب لخدمة الوطن، وليس هيئة مناكفة معرقلة، وجوهر دستور الكويت هو التعاون الايجابي بين الطرفين من أجل التطور الذي يأتي بالانسجام والدعم التبادل.
ونتطلع الى وقفة قيادية تبرد القلب وتجعل المواطن مؤمنا بأن دياره استقرار ورخاء وسلام..

بقلم: عبدالله بشارة
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
391.011
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top