فنون  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

يرصد الحالة الإنسانية للمواطن السوري في ظل الأزمة التي تشهدها بلاده

«سنعود بعد قليل».. آهاتٌ دمشقيّة في أنفاس بيروت

2013/08/05   07:58 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
«سنعود بعد قليل».. آهاتٌ دمشقيّة في أنفاس بيروت



استطاع المؤلف أن يأخذ «عقل» فيلم إيطالي ويبني له «جسداً» سورياً خالصاً

التباينات في الآراء بين مؤيد للنظام ومعارض له خلقت لغتين متضادتين

الأداء التمثيلي جاء محترفاً لدرجة لا تشعر معها بفروقات في مستوى الإقناع بين مشهد وآخر

سجلت دانة مارديني حضوراً احترافياً أقنعت من خلاله المشاهد بـ «ألمها» و«أملها»


كتب منصف غازي حمزة:
«سنعود بعد قليل» هو واحد من 23 مسلسلاً استطاعت ماكينة الدراما السورية ان تنتجها هذا العام، برغم ما تمر به سورية من أحداث سياسية وعسكرية جعلت من المستحيل في كثير من الأحيان التنقل الاعتيادي فما بالك بتصوير عمل درامي!.
دريد لحام، عابد فهد، باسل خياط، قصي خولي، رافي وهبة، عمر حجو، بيير داغر، سلافة معمار، كندا علوش، كارمن لبس، نادين الراسي وغيرهم.. هم أبطال المسلسل، أما التصوير فكان بين دمشق وبيروت.

التأليف و«الجميع بخير»

قصة المسلسل مستوحاة من الفيلم الايطالي «الجميع بخير» للمخرج جوسيبي تورانتوري، وقد استطاع كاتب السيناريو والمؤلف رافي وهبي ان يأخذ «عقل» الفيلم الايطالي ويبني له «جسداً» سورياً خالصاً لا يمكن معه للمشاهد ان يربط بين المسلسل السوري والفيلم الايطالي لولا اشارة صنّاع المسلسل للفيلم في شارتي البدء والنهاية من باب الأمانة المهنية، وفي هذا الخصوص يُحسب للفنان رافي وهبة قدرته على تقديم العمل برائحة سورية نقية لا تشوبها أي اقتراضات أو اقتباسات من الفيلم الأصلي، سواء على صعيد اللغة الدرامية أو التركيب المشهدي أو التراتبية الحدثية.

الأحداث

تدور أحداث المسلسل حول شخصية أبوسامي «دريد لحام» الذي يصر على عدم مغادرة دمشق برغم ما تشهده من أحداث، وذلك بسبب تعلقه الشديد بدمشق وأهل حارته الذين عاش معهم أكثر من ثمانين عاماً، في حين أولاده وبناته الستة انتقلوا للعيش في بيروت بحثاً عن مكان أكثر هدوءاً وأمناً لهم بحسب ما ورد على ألسنة شخصيات العمل.
يعيش أبوسامي في بيت عربي في حي باب توما الدمشقي العريق، ويملك محلاً لصناعة الموزاييك، وفي كلا المكانين وما بينهما من طرق يلمس المشاهد ما طرأ من تغير على أحوال دمشق بكل معاييرها، وخاصة الانسانية منها، حيث يمتزج صوت فيروز صباحاً مع أصوات الانفجارات والرصاص، وتتحول سكينة الليل الى أوركسترا عبثية قوامها تفجير هنا، ورشق رصاص هناك، وأحياناً صراخ موت مباغت لم تعرفه آذان الدمشقيين خصوصاً والسوريين عموماً لسنوات طويلة.

وجدان صادق

هذه اللوحة الانسانية اكتملت بحوارات استطاع المؤلف رافي وهبة ان يصبّها في قالب وجداني مفعم بالمصداقية، وخاصة تلك التي تأتي على لسان «أبوسامي» وهو يتكلم الى زوجته الراحلة ويحدثها عن «أحوال الشام» التي تبدلت، وكذلك حواراته مع عدد من أصدقائه التي تدور حول ما يحدث في سورية، والتباينات في الآراء بين مؤيد للنظام ومعارض له، التي أدّت بدورها الى خلق لغتين متضادتين تحاول كل واحدة منهما باستماتة الدفاع عن فكرتها، وفي «حزن» الرأيين يسقط المشاهد فريسة سهلة أمام الوجع الذي يقدمه المسلسل.
في بيروت يرصد المسلسل حياة أولاد وبنات «أبوسامي» الذين فعل بهم «السفر الاضطراري» فعله لناحية ارتباكهم في تعاملهم مع واقعهم الجديد، ووقوعهم «طوعاً» في شراك «سوق الأحداث» التي تشهدها سورية، سواء على صعيد الاعلام (باسل خياط يعمل صحافياً) او على صعيد التجارة (قصي خولي يعمل سمساراً) اضافة الى الجوانب الاجتماعية المتعلقة بالخيانة الزوجية التي طالت كل من الابنة «دينة» (نادين الراسي) والابن الصحافي كذلك. مع عدم اغفال الجانب الأسري المتعلق بانعكاسات الأحداث على الأبناء بمختلف أعمارهم.

حضور الأداء التمثيلي

على صعيد الأدوار الرئيسية في العمل كان الأداء التمثيلي محترفاً لدرجة لا تكاد تشعر بفروقات في مستوى الاقناع بين مشهد وآخر، باستثناء حالات قليلة كان أبطالها من صغار السن قليلي الخبرة، ولكن هذا لم يؤثر ولم يبعد المشاهد عن روح العمل، وبعيداً عن النجوم السوريين المحترفين لمسنا تقدماً هائلاً للعنصر اللبناني الذي بدا مقنعاً في أدائه الى حد كبير.
وان كان الأداء اللافت لرافي وهبة متوقعاً (يقوم بدور فنان تشكيلي) كونه من أصحاب الخبرة والموهبة، فقد كان لافتاً اداء الفنانة صغيرة السن دانة مارديني التي تقوم بدور «مريم» الفتاة السورية الهاربة الى بيروت بعد ما فقدت عائلتها بمدينة حمص السورية. حيث تمكنت دانة من تسجيل حضور تمثيلي احترافي استطاعت من خلاله شد المشاهد وجعله مقتنعاً بـ«ألمها» و«أملها» ويُتوقع لهذه الشابة ان تكون علامة فارقة في الدراما السورية والعربية فيما لو أتيحت لها الفرصة، خاصة ان اداءها قارب أقوى المواهب التي عرفتها الدراما العربية على امتداد تاريخها.

الإخراج.. سرد مرئي مذهل

ليس جديداً على المخرج السوري الليث حجو ابداعه في خلق صورة درامية تتماهى مع الحدث واللغة لدرجة «اشتمام رائحة العطر والعرق» عبر الشاشة، وفي «سنعود بعد قليل» استطاع الليث ان يضيف الى مشواره الاخراجي «تحفة» جديدة لا يخطئها كل مدرك لعالم الاخراج، فالكادرات محسوبة بالميليميتر كما يقولون، أما زوايا الكاميرا فكانت لغة ثالثة تحكي بانسيابية شديدة قصة المَشاهد المتتابعة دون «قفز» بصري غالباً ما يقع به بعض المخرجين نتيجة عملية التصوير القائمة على عدم تراتبية المشاهد. أما حركة الكاميرا فكانت مقنعة وفي محلها تماماً، ولم تسقط فريسة «الاستعراض الاخراجي» أو «البحث عن تعبئة الكادر»، فوجدناها ناعمة ومبررة في «حركتها»، ومشبعة وثرية (درامياً) في ثباتها.

أخيراً

«سنعود بعد قليل» عمل درامي يستحق المشاهدة، وان تخللته بعض الهنّات على صعيدي الحوار (قليلة جداً) والأداء التمثيلي للأسماء الجديدة، فهذا لا يقلل من شأنه على الصعيدين الفكري والتقني، خاصة وأنه من الأعمال التي ترصد «حالة» الانسان السوري من الناحية الاجتماعية في ظل الأحداث التي تشهدها سورية.


أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
79.9999
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top