مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

دعوة لفك الارتباط بين المعاهدة والتواطؤ

فهمي هويدي
2012/08/01   07:35 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

كثيرة هي القرائن الدالة على تعميق الفجوة بين المصريين والفلسطينيين وإشاعة ثقافة الحساسية إزاءهم
اعتبر الأستاذ محمد حسنين هيكل أن التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل شكل أهم مصدر للمعلومات المتعلقة بالعالم العربي


بعد الثورة المصرية ينبغى ان نفرق بين معاهدة السلام مع اسرائيل وبين الشراكة والتواطؤ معها ضد الفلسطينيين، فنفهم الأولى بحكم الضرورة، ونعتبر الثانية عارا يتعين التبرؤ منه.

-1

الملاحظة من وحي زيارة السيد اسماعيل هنية رئيس الوزراء المنتخب في غزة للقاهرة واستقباله فيها رسميا لأول مرة، بعدما ظل محظورا على أي مسؤول حكومي في مصر طوال الثلاثين سنة الماضية ان يلتقي احدا من وزراء حكومة غزة، وخلال تلك الفترة كان ملف قطاع غزة خارج السياسة وتابعا للأمن.
اذ كان القرار الاسرائيلي والامريكي الذي التزمت به مصر ان معارضي اتفاقية السلام من الفلسطينيين ينبغي نبذهم واقصاؤهم، على الرغم من ان الاسرائيليين الذين عارضوا المعاهدة ومزقها احدهم في «الكنيست» كانوا ممثلين في الحكومة والبرلمان!
ولم يكن الأمر مقصورا على مصر وانما ظل ممنوعا على المسؤولين في حكومة غزة أو في حركتي حماس والجهاد ان يدخلوا بعض الاقطار العربية، وحين زار هؤلاء تونس والمغرب خلال الاسابيع الماضية مدعوين الى مؤتمري الحزبين الحاكمين في البلدين، فقد كانت تلك سابقة تحدث لأول مرة، في حين ان السياح الاسرائيليين يترددون على شواطئ وملاهي البلدين طوال العقود الثلاثة الماضية.
التواطؤ قرائنه عديدة، وما تسرب من معلومات عن تنسيق امني بين البلدين «شاهد ملك» على ذلك.وكان الاستاذ محمد حسنين هيكل من دعا صراحة الى وقف ذلك التنسيق الأمني بين مصر واسرائيل، الذي لم يكن موجها ضد الفلسطينيين فحسب، ولكنه كان أهم مصدر للمعلومات المتعلقة بالعالم العربي، والكلام للاستاذ هيكل الذي اعلنه في حوار تلفزيوني جرى بثه في القاهرة على قناة الحياة بتاريخ 21/5 الماضي.
ولأن الملف الفلسطيني ظل أمنيا بالدرجة الأولى في مصر، فان اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة طوال العشرين سنة التي خلت كان مهندس التنسيق مع الاسرائيليين.وقد سبق ان اشرت الى الشهادات الاسرائيلية التي تحدثت عن دوره في اجتياح غزة وحصارها.


-2

خلال السنوات الماضية، بل منذ عصر السادات الذي وقع معاهدة السلام مع اسرائيل جرى الترويج لأمرين، أولهما ان العدو هو ايران وليس اسرائيل! والثاني ان الفلسطينيين لا يضمرون خيرا لمصر، ويرغبون في التمدد في شبه جزيرة سيناء.
كنت افهم ان تلح اسرائيل على اقناع المصريين بأنه بعد معاهدة «السلام» فلم تعد لها مشكلة معهم، وأن مشكلتهم صارت مع ايران الشيعية والطامعة في الخليج، لكنني لم افهم ان يردد الاعلام المصري هذا الكلام على الرغم من انه لا توجد مشكلة حقيقية بين مصر وايران.ورغم ان المشكلة الحقيقية التي تهدد امن مصر القومى هي ما تمثله اسرائيل في المنطقة، ولكن مقتضيات الشراكة والتواطؤ أيضا اقحمت مصر في المعسكر المخاصم لايران، حتى كانت القاهرة في الثمانينيات مقرا لاثنتين من الاذاعات الموجهة ضد الثورة الاسلامية، وظلت مصر عضوا في معسكر الخصومة مع ايران التي اقامت علاقات دبلوماسية مع جميع دول العالم، في حين قاطعتها ثلاث دول فقط هي الولايات المتحدة واسرائيل ومصر! وفي حين اقامت دول الخليج جميعها علاقات دبلوماسية كاملة مع ايران التي يفترض انها طامعة في اراضيها، فان مصر لم يسمح لها بذلك على الرغم من انه لا توجد ازمة اطماع لايران فيها.
توتير العلاقة مع الفلسطينيين بعد معاهدة السلام لا تخلو من مفارقة، كأن المعاهدة حولت الاعداء الى اصدقاء والاشقاء الى اعداء، وقد بات ميسورا على الافواج الاسرائيلية ان تزور مصر التي يدخلها الامريكيون بلا تأشيرة، أما دخول الفلسطينيين فهو بمثابة رحلة عذاب كثيرا ما تنتهي بالفشل وخيبة الامل، وما يحدث في معبر رفح يجسد تلك المعاناة التي لا تفسر الا بكونها من اصداء الشراكة والتواطؤ مع الاسرائيليين التي لا علاقة لها باستحقاقات معاهدة السلام.
فى هذا السياق يروج البعض لشائعة رغبة الفلسطينيين في التمدد في سيناء، وهو ما يدهش النخبة الفلسطينية التي تعتبر ان الاسرائيليين هم من اطلقوا الشائعة وسعوا الى الترويج لها، وهو ما علق عليه الباحث والقيادي الفلسطيني عبدالقادر ياسين بقوله ان سيناء كانت تحت الاحتلال الاسرائيلي طوال عشرين عاما، ولو كانت لدى الفلسطينيين فكرة للتمدد في اراضيها لكانت تلك فرصتهم التاريخية التي لاشك ان الاسرائيليين كانوا سيرحبون بها، لكنهم لم يفعلوها، وأضاف ان اهل غزة حين اجتازوا الحدود في عام 2008 ودخلوا الى رفح والعريش، فانهم لجؤوا الى ذلك ضيقا بالحصار وسعيا لتوفير احتياجاتهم ولم يخطر على بالهم شيء اكثر من ذلك، بدليل انهم استوفوا حاجياتهم ثم عادوا ثانية الى القطاع.
لم يعد سرا ان بعض الابواق الاعلامية والجهات الامنية ضالعة في حملة تشويه الفلسطينيين والايقاع بينهم وبين جماهير الشعب المصري. فقد نشرت الصحف المصرية قبل اسابيع قليلة انه تم القاء القبض على 13 «ارهابيا» من حماس تسللوا الى مصر لاحداث اضطرابات فيها، وحقيقة الامر ان هولاء كانوا مجموعة من الفلسطينيين الذين انتهت مدة اقامتهم في مصر، فقفلوا راجعين الى غزة، وعند منطقة كوبري «الفردان» ألقى القبض عليهم، واودعوا احد السجون.وبعد 18 يوما اطلق سراحهم بعدما تبين انهم لا علاقة لهم بحماس وان بعضهم من أعضاء حركة فتح.وهو ما يثير أكثر من سؤال حول الهدف من تسريب الخبر بالصورة التي نشر بها واتهامهم بأنهم «ارهابيون» تماما كما تتحدث الصحف الاسرائيلية عن الفلسطينيين.
تتصل بذلك الشائعات غير البريئة التي تحدثت عن مساهمة عناصر من حماس في التظاهرات التي انطلقت بعد الثورة واشتراكهم في قتل بعض المتظاهرين وهي الاكذوبة التي اطلقها بعض مسؤولي الامن للايحاء بأن عناصر خارجية هي التي أشعلت الموقف وتسببت في قتل المتظاهرين لتبرئة ساحة الشرطة وقناصتها.
كثيرة هي القرائن الدالة على تعميق الفجوة بين المصريين والفلسطينيين واشاعة ثقافة الحساسية ازاءهم والنفور منهم، لكى يصب ذلك في صالح زيادة رصيد «الاصدقاء» الاسرائيليين.

-3

معهم حق الاسرائيليون حين وصفوا الرئيس السابق بأنه «كنز استراتيجي» لهم.ذلك انه في ظل معاهدة السلام ألحقت مصر بالقاطرة الاسرائيلية، ووقفت ضد المقاومة وتعاملت مع الفلسطينيين بدرجات مختلفة من الاستياء والنفور.وصارت في نهاية المطاف ظهيرا للاسرائيليين بأكثر منها عونا للفلسطينيين.في مقابل ذلك استعلى الاسرائيليون وضربوا بالمعاهدة وكل اتفاقات السلام عرض الحائط.وكان ذلك أوضح ما يكون في أمرين هما: * اندفعت اسرائيل منذ عام 2002 في بناء سور الفصل العنصري الذي يبتلع نحو %25 من أراضى الضفة الغربية.وسارعت في تنفيذ المشروعات الاستيطانية حتى بلغ عدد المستوطنين في الضفة عدا شرقي القدس نحو 343 ألف مستوطن.أما في شرقى القدس فهناك 200 ألف مستوطن.
وحسب التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لعام 2011 فانه خلال ذلك العام وحده كانت هناك 3500 وحدة استيطانية في طور البناء أو تحت التشييد، كما أقيمت 142 مستعمرة وبؤرة استيطانية في الضفة الغربية.وسجل التقرير أنه خلال ذلك العام تم هدم 200 مسكن وتهديد أكثر من 500 مسكن آخر بالهدم في الضفة الغربية.وبلغت مساحة الأراضي المعتدى عليها بالمصادرة نحو 11 ألف دونم اضافة الى تجريف وحرق وتخريب ما يزيد على 2000 دونم أخرى، كما تم الاضرار بما يزيد على 20 ألف شجرة، %50 منها تم اقتلاعها أو حرقها بالكامل.الى غير ذلك من التفاصيل التي ترسم صورة بشعة للعربدة ونهم الاستيطان والتهويد ومحو كل أثر للفلسطينيين على أرض بلادهم.
< أجهضت اسرائيل مشروع حل الدولتين الذي تم تخدير العرب به منذ عام 1988 حين أعلنت القيادة الفلسطينية انحيازها الاستراتيجي الى جانبه.الأمر الذي يعني نسف فكرة الدولة الفلسطينية التي مازالت تدغدغ مشاعر الجميع ويلوح بها في مختلف المحافل الدولية.في هذا المعنى نشرت مجلة «فورين بوليسي» عدد 12/7/2012 مقالا لها للبروفيسور ستيفن م.والت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، دلل فيه على ان حلم الدولة الفلسطينية صار بعيد المنال ونقل عن عكيف الدار المحرر الرئيسى لصحيفة هاآرتس قوله ان حل الدولتين في أفضل أحواله أصبح في غرفة الانعاش، ومن غير المرجح ان يخرج منها يوما ما.كما نقل كلاما أكثر صراحة على لسان مساعد نتنياهو السابق مايكل فروند قال فيه «ان الخط الأخضر حدود ما قبل 1968 التي يفترض ان تقوم عليها الدولة الفلسطينية الموعودة، مات ودفن ولم يعد له أى معنى سياسي أو غيره».أضاف ان الشعب الاسرائيلي وجد في يهودا والسامرة «الضفة الغربية» لكي يبقى.وعلق البرفيسور والت على ذلك بقوله ان ما يجري الآن في الأرض المحتلة هو تطهير عرقي. وبدلا من ان يتم طرد الفلسطينيين بالقوة على غرار ما جرى عام 1948، فالسياسة المتبعة الآن هي مواصلة الضغط على الفلسطينيين ليصبح استمرارهم مستحيلا في بلادهم، الأمر الذي يضطرهم الى المغادرة تدريجيا برضاهم.

-4

لسنا في وارد الحديث عن معاهدة السلام الآن.التي نعلم ان استمرارها يشكل محور وجوهر السياسة الأمريكية، فضلا عن ان فتح ذلك الملف يتطلب توافر شروط معينة في موازين قوة أطراف المعاهدة، وتلك الشروط ليست متوفرة في الوقت الراهن.
لكن دول «الربيع العربى» وفي مقدمتها مصر مطالبة بأن تنتهج سياسة تجاه اسرائيل مغايرة لتلك التي اتبعتها الأنظمة التي أسقطتها.فكرامتها الوطنية التي استردتها تفرض عليها ان تخرج من نادي الشراكة والتواطؤ مع اسرائيل ضد الفلسطينيين.كما ان تلك الدول مدعوة لأن تعيد النظر في نهج التعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم أشقاء لهم الحق في الكرامة والاحترام.الا ان الدكتور موسى أبومرزوق نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس يذهب الى أبعد، حيث يطالب دول «الربيع العربى» بوضع نظرية جديدة للتعامل مع اسرائيل بعد انهيار مشروع التسوية السياسية باعتراف الرئيس محمود عباس.وبعد اجهاض مشروع الدولتين كما اعترف بذلك الاسرائيليون.الأمر الذي يستدعي سحب المبادرة العربية التي أعلنتها القمة العربية في بيروت عام 2002.واذا أضفنا الى ذلك سقوط فكرة محور الاعتدال الذي كان النظام المصري السابق بمثابة الرافعة الأساسية له، فان هذه الخلفية تستدعي اعادة النظر فيما تبقى من خيارات شريفة لمواجهة الاحتلال، تنتزع الحق وتحفظ الكرامة وتصحح أخطاء التاريخ.


فهمي هويدي
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
279.0133
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top