مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

إضاءة

الفردانية..و«الربيع العربي»

فاخر السلطان
2012/02/27   11:37 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



بدون الاستقلالية الفردية ستنتقل حركات التغيير العربية من صور استبداد تابعة لأنظمة لصور استبداد أخرى

عنوان «الربيع» لايزال يعتبر مبهماً في علاقته ببعض قيم الحداثة

على الرغم من الأحداث «الربيعية» التي تشهدها المنطقة العربية، والتطورات السياسية والاجتماعية والثقافية التي تصاحبها، الاّ ان عنوان «الربيع» لايزال يعتبر مبهما في علاقته ببعض قيم الحداثة، ومازال يواجه تحديات أساسية تؤكد الحاجة الى معالجة مسائل تمس أصل وجود هذا العنوان.
وفي ظل تلك التحديات تطفو مسألة المواطنة بقوة على السطح لتبرهن عدم انتمائها الى ثقافة الكثير ممن يقودون الحراكات العربية، لتصبح مخرجات الحركة الشعبية التغييرية خارج أجندة تلك المسألة.والمواطنة تبدو هنا جلية، خاصة حينما تتأسس على جملة من المفاهيم، من ضمنها بل وعلى رأسها مفهوم الفردانية، الذي يعتبر مفهوما جوهريا في التأسيس.فكثير من المراقبين والباحثين يؤكدون بأن الربيع العربي لم يؤد الى تحقيق الفرد العربي لفردانيته، لأنها - أي الفردانية - لم تكن هدفا سعى دعاة التغيير الى تحقيقه، ولم يكن الفرد هو هدف حركات التغيير، وذلك انطلاقا من ان الفرد على الرغم من تحقيق بعض التغيير لايزال يخضع لمكونات المجتمع الخاصة بمختلف تشكيلاتها، كالعائلة والطائفة والقبيلة، حتى في ظل بعض التطورات «الايجابية» التي صاحبت خضوع الفرد للجماعة في بعض المجتمعات، لكن ذلك لم يؤثر في انهاء أو تقليص ريادة الجماعة على الفرد.فعلى الرغم من سعي الربيع العربي الى انقاذ المواطنين من الاستبداد الجاثم على صدورهم، والذي أثر سلبا في حياتهم، الا ان ذلك لم يساهم في معالجة استبداد آخر متمثل في وصاية الجماعة على الفرد، ولم يتطرق الى مساعي حصول الفرد على هويته الذاتية أو على فردانيته.
لا أشك للحظة بأن الأحداث التي سبقت ولحقت انتخابات مجلس الأمة الكويتي الأخيرة كانت لها علاقة ملموسة بشعارات وتطورات أحداث الربيع العربي، خاصة الشعارات الحقوقية والقانونية الدستورية التي رفعت أثناءها، والتطورات المرتبطة لا باستقالة الحكومة فحسب وانما بتغيير رئيس الوزراء السابق، لكننا لم نلحظ خلال الأحداث أي شعارات تحث على المواطنة المنطلقة من الفردانية، بل كل ما تم طرحه كان حثّاً على المواطنة دون الاستقلال من هيمنة وسيطرة أطر الجماعة، وبالذات جماعة القبيلة والطائفة.فالمواطنة الخاضعة للجماعة لا يمكن الا ان تكون صورا مغايرة من الاستبداد.انها شعور بالتحول تجاه صور الاستبداد السياسي، واستمرار في الخضوع لصور الاستبداد الاجتماعي.فأحد صور معالجة الاستبداد هو ذاك المنطلق من الفرد والساعي الى تحريره من كل صور الخضوع في المجتمع.
لا يمكن لأحد ان يدّعي تحقيق انجاز ايجابي متعلق بصورة المواطن الكويتي بجعله قادرا على ان يطالب السلطة السياسية بحقوق المواطنة الحقّة، في حين هو لم يستطع ان يتحرّر من أسر سلطته الاجتماعية المتمثلة بالقبيلة والطائفة.وحينما لا يتحقق الاستقلال من التبعية للجماعة الاجتماعية، سيستمر اهتزاز صورة المواطنة، اذ سيغدو الشك مسيطرا على ولاء الفرد للوطن انطلاقا من ضرورة اعتبار الفرد وحدة مستقلة منتمية للوطن، أي انطلاقا من الفردانية.لذلك، لايزال شعار المواطن أولاً، انطلاقا من علاقة ذلك بالولاء للوطن، ولتنظيم علاقاته السياسية والاجتماعية، بعيدا عن أولويات الخطاب العربي التغييري، ومنها الكويتي، باعتبار أنه لايزال خطابا غير حداثي في فردانيته، بل هو خطاب يضع حائطا بين شروط الحداثة وبين شعاراتها السياسية والاجتماعية، خطاب يبني شروط الحاضر على أسس الماضي غير المهموم بالفردانية.
فالفردانية هي شرط تاريخي لتحقيق التغيير البعيد عن مختلف صور الخضوع، ودعامة أساسية لبناء ديموقراطية حقيقية يراد من خلالها التأسيس لحرية الرأي والتعبير والاعتراض والنقد والنهوض باحترام حقوق الانسان.ولن يتحقق ذلك الا عبر عملية نقل انتماء الانسان، من جماعات المجتمع الخاصة الى الدولة غير الخاضعة لأي جماعة، بهدف تأسيس مواطنة حقّة ترفض مبدأ تجمع القوى وارتكازها في جهة واحدة.
وفي حين كانت الجماعات الاجتماعية سببا في عدم تطور الفردانية في اطار حركات التغيير العربية، لكننا يجب ألا نغفل دور الجماعات السياسية المؤدلجة، من اسلامية واشتراكية وقومية، التي تراهن أيضا على ذوبان الفرد في الجماعة انطلاقا من أيديولوجيتها الرافضة للخصوصية الفردية، أي الرافضة للفردانية.هذا الى جانب عدم اغفال حضنها الشمولي الذي يمتلك الحقيقة المطلقة مما يساهم في معاقبة أي فرد يخرج عن خط سير الجماعة التي تمثّل تلك الحقيقة في نظرها «الخلاص النهائي» للبشر.فكيف يمكن لتلك الأيديولوجيات ان تقبل لفرد أو لأفراد ان ينازعوها حقيقتها المطلقة ورؤيتها للخلاص؟ خارج أسوار «المطلق» لا وجود للرأي والرأي الآخر، ولا وجود لاحترام حقوق الانسان الفرد.لذلك، علينا مواجهة الظاهرة «الجماهيرية أو القطيعية» - على حد قول جاد الكريم الجباعي في «الأوان» - التي تؤسسها ثقافة ذوبان الفرد في الجماعة، من أجل بناء فرد قادر على مواجهة الفرد والجماعة معا، فرد مستقل بذاته، اذ لولا تلك الاستقلالية الفردية فان حركات التغيير العربية ستنتقل من صور استبداد معينة تابعة لأنظمة خاصة، الى صور استبداد أخرى تهيمن عليها جماعات جديدة، اجتماعية وأيديولوجية.


فاخر السلطان
ssultann@hotmail.com
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
450.9875
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top