مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

إضاءة

علمانية التيار الوطني

فاخر السلطان
2012/02/21   12:21 ص

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



يحتاج هؤلاء إلى خطاب متصالح مع الدين بدلا من أي خطاب آخر معاد له

أدى فقدان التيار لبوصلته إلى خشيته من المبادرة المحلية وفقدانها


كثُر الحديث عن هزيمة التيار الوطني في انتخابات مجلس الأمة الكويتي.ففي حين ربط كثيرون أسباب ذلك بمواقفه السياسية، وكيف أنها كانت «غير حازمة» تجاه الكثير من القضايا والمسائل المحلية، ما ساهم في تراجع شعبيته، اعتبر البعض السبب الحركي المتمثّل في تفرّق التجمعات الممثلة للتيار، والعائد الى الخلافات الفكرية، بأنه أحد العوامل الأساسية في الهزيمة.لكن قليلين أشاروا الى عامل مهم آخر في الهزيمة، والمتمثّل في عدم ارتكاز التيار بشكل واضح وصريح على هويته الفكرية، وهي العلمانية، سواء في أهدافه وفي نشاطه، أم في صراعاته مع معارضيه من غير العلمانيين.
فعدم وضوح علمانية التيار، وعدم حسمه لمسألة رفض تدخل الدين بالدولة، خاصة تخبّطه في الموافقة على تدخل الدين في شأن معين (كموافقته على استمرار وجود المادة الثانية) ورفض التدخل في شأن آخر، سهّل هجوم الآخرين عليه، وبالذات التيار الديني، ما جعله عرضة لاتهامات اللعب على وتر الدين أينما وكيفما اقتضت المصلحة.الى جانب ذلك، أدى فقدان التيار لبوصلة العلمانية الى خشيته من المبادرة المحلية وفقدانها، فركّز نشاطه على ما فات من قضايا ومسائل، مما أدى به الى تجاهل التطورات الراهنة، وهو ما سهّل على التيار الديني اختطاف المبادرة المحلية، وهذا كان جليا في رؤى الاصلاح السياسي التي تبناها الحراك الشبابي وافتقدت لمشاركة فعّالة من التيار الوطني.ففقدان البوصلة العلمانية، وعدم الوضوح في رفض أسلمة القوانين، ساهما في ضياع الزخم السياسي والحركي للتيار الوطني، وأدى ذلك الى تراجع مصداقيته واهتزاز الثقة بشعاراته وبرامجه، وهو ما أثر في شعبيته.فبينما نجد ان التيار الديني واضح في طرحه وفي الدفاع عن شعاراته وبرامجه، وفي ربط ذلك بمطالبه السياسية، نجد التيار الوطني على العكس من ذلك في طرحه، حيث كان حذرا جدا في الدفاع عن رؤاه السياسية والاجتماعية التي هي رؤى علمانية واضحة، وفضّل خلط الشعار العلماني بالدين وبالعادات والتقاليد، لخشيته من الواقع الاجتماعي الكويتي المتّصف بالدينية المحافظة، ولخوفه من ان يتّهمه التيار الديني بمعاداة الدين.
فاذا كان الكويتيون اختاروا غالبية النواب من التيارات الدينية والمحافظة، فان أحد أسباب ذلك هو اخفاق التيار الوطني في اقناع المجتمع بمزايا العلمنة، وفي الدفاع عن علمانية الدولة.ففي حين يعتقد البعض ان البيئة الكويتية بيئة طاردة للعلمانية، ومتقبلة للطرح الديني والمحافظ، لكن ذلك يعكس فشل التيار الوطني في خلق البيئة العلمانية، اذ تقع على عاتقه مسؤولية خلق تلك البيئة بجهود ترتكز على العامل الثقافي والفكري، وهذه جهود متوفرة بصورة خجولة جدا.فشخص مثل الداعية فؤاد الرفاعي - صاحب مركز وذكّر - قادر على مهاجمة العلمانية والديموقراطية بكل جرأة ووضوح، لكن التيار الوطني غير قادر على الاشارة - على سبيل المثال – الى ماهية ضرر الفقه على الديموقراطية، أو تأكيد عدم مواءمته مع المعايير التي تنظم الحياة الانسانية الراهنة، والتي هي معايير نابعة من العلمانية.وعلى الرغم من اعتقاد البعض بأن لغة الرفاعي الدينية الهجومية ضد منجز العلمانية مستساغة في المجتمع الكويتي، الا ان ذلك لا يبدو صحيحا عند الغالبية.مع ذلك، فالرفاعي واضح في لغته، مثلما هناك نائب واضح في لغته التي لا يتردّد من خلالها في اظهار دفاعه عن الارهابي أسامة بن لادن.في مقابل ذلك، لا نجد نائبا أو مرشحا منتميا للتيار الوطني قادراً على طرح رؤية علمانية واضحة تعارض بكل جرأة استغلال الشريعة في لعبة الديموقراطية.
باعتقادي، هناك فرصة سانحة لاعادة الزخم الفكري والسياسي للتيار الوطني، من خلال التأكيد الواضح والصريح، ومن دون أي خوف، على مصداقية علمانية التيار، في ظل ربط ذلك بالمنجزات الدستورية الوفيرة المحسوبة للفكر العلماني، وكذلك في اطار التطور الحداثي العالمي المحسوب على العلمانية.فتلك المنجزات والتطورات من شأنها ان تدعم أي تصور لترتيب النشاط السياسي والحركي والفكري للتيار عبر التأكيد على علمانيته الشفافة.لذلك، تبدو أبرز الشروط اللازمة للعمل في هذا الاطار، خاصة في المرحلة المقبلة، هي الجرأة في الطرح العلماني، والوضوح في الدفاع عنه.فمنجز العلمانية المحلي اختطفه التيار الديني ونسبه الى فكره ونشاطه ووظفه لصالح تقوية شعبيته، على الرغم من علمه بأن مشروعه لا يحمل مقومات الحياة الراهنة، ومن ثَمّ فلن يستطيع تحقيق أي منجز خارج اطار العلمانية.
وفي حين ان الكثير من المنتمين الى التيار الوطني لم يحسموا علمانيتهم بوضوح وصراحة في اطار ما تقتضيه الحداثة الفكرية، في ظل عدم تعارض ذلك مع الحريات الثقافية ومن ضمنها الحرية الدينية، فقد باتوا في حرج من القيام بذلك لأسباب تتعلق - كما قلنا - بالخشية من فقدان مكتسبات سياسية واجتماعية، على الرغم من ان المرحلة الراهنة تستند الى صراع الثقافات قبل صراع السياسات.فأي شفافية ثقافية علمانية قد ينتج عنها خسائر، وبالذات على المدى القريب، لكنها ستكشف عن نهج حداثي واضح وصريح على المدى البعيد متوافق مع الحياة وتطوراتها، مما يستتبع معه تحقيق نتائج جريئة تلائم ذلك التطور.ومن شأن تلك النتائج ان تساهم في زرع مزيد من الرؤى العلمانية في التربة الدينية أيضا، وبالذات في تربتها المعرفية التي ستجعلها معرفة دينية حديثة.هذا الأمر سيكون مؤثرا في عملية تحديث النهج السياسي الديني وفي تأسيس رؤى دينية حداثية (بدلا من الرؤى التاريخية) في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع.ان وضوح العامل العلماني وجرأته ضروريان للتيار الوطني، كما ان تأثيرهما ايجابي على مخرجات التيار الديني.لذا في تقديري يحتاج التيار الوطني، من جهة أخرى، الى خطاب علماني متصالح مع الدين، بدلا من أي خطاب آخر معاد للدين.وهذا التصالح ليس بمعنى خلط الأوراق، أو تداخل التشريعات، أو تنازل العلماني خشية من العواقب، بل يعني القدرة على التعايش بين الاثنين بحيث تتوضح حدود كل جهة، حتى لا تفقد العلمانية دورها المركزي في تنظيم الحياة، ولكي لا يفقد الدين بريقه الروحي وتأثيره الايماني ويحوله التيار الديني الى شأن وصائي ينهل من التاريخ دون مراعاة للحاضر وتغيّره.أما اذا ما أراد التيار الديني ان ينهل من الحاضر، فان الحاضر هو الآن في عهدة المدرسة العلمانية بجميع تفرعاتها وتخصاصاتها، فاما ان يصبح هذا التيار ذا فهم حديث صالحا للزمان ويصبح أحد العناصر المنتمية للمدرسة العلمانية، واما ان يقبل بالرؤية العلمانية التي لا تسعى بتاتا لمعاداة الدين بل تسعى لتحريره من هيمنة العقلية الوصائية.

فاخر السلطان
ssultann@hotmail.com
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
269.0154
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top