منوعات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

ملف الاسبوع

2014/10/21   06:54 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
ملف الاسبوع



«على قدر تعلق البشر به نجد مظهرهم وأخلاقهم رائعة وسوية»

راشد العليمي: الجمال سمة في «الصنعة» الإلهية.. والإنسان مُطالب بالنظر فيه واستجلاء أسراره

{وخلق كل شيء فقدّره تقديراً} آية التناسق والتنظيم والضبط والإحكام.. إنها أهم مقومات الجمال

جمال الباطن محبوب لذاته كحسن العقل والعلم والجود والعفة.. وهو الأعظم في الوجود

السلامة من العيوب والخلو من أي خلل أو نقص أول شروط الجمال وفق النظرة الشرعية

جمال الظاهر زينة خص الله بها بعض الصور عن بعض كما في قوله تعالى {يزيد في الخلق ما يشاء} كالصوت الحسن والصورة الحسنة.. ويخضع للتفاوت بين المخلوقات

ليس كل ما يطلق عليه «جميل» في حياتنا مقبولاً شرعاً.. فكم من «جماليات» صنعتها حضارات عريقة باتت من المحرمات بل أيضاً موصولة بالشرك

معلومة ومحسومة وغير خاضعة للهوى.. قضية تذوق الجمال الحقيقي الصادق وإن تفاوت الناس في التعلق بها

التجمل والتزين لا محاذير شرعية عليهما طالما بقيا في خانة «الجائز» و«المستور» وتجنَّبنا «المحرم» و«المكشوف».. إنهما دلالة على روعة وجميل معايشة الحياة

أمر مرغوب فيه ان تبحث الأنثى عن الزوج الوسيم ويريد الشاب الزوجة التي يسره منظرها.. ولكن بلا طغيان على جمال الباطن

الجمال نعمة محسودة فلا تظهروا كل ما هو جميل ظاهراً وباطناً أمام كل الناس إلا وانتم متحصنون بأذكار دفع العين


كتبت هدى الموسى:

الجمال مقياس نسبي يختلف من شخص الى آخر، كلمة لها من المعنى ألف، نستخدم معها كافة حواسنا، فيشعر به البعض ويراه البعض الآخر ويسمعه آخرون، فالجمال في حياتنا بكافة جوانبها، وحول ماهية الجمال التقى ملف الاسبوع بالدكتور راشد العليمي الداعية الاسلامي الامام والخطيب في وزارة الأوقاف وسألناه عن المقصود بالجمال فقال ان الجمال هو السعي لكل أمر مستحسن في حياتنا ظاهرا وباطنا، من شكل وسكن وطعام وشراب، وهندام، وكذلك في جوانب الأخلاق وحسن التعامل وفق العرف العام، بما لا يخالف ديننا المبارك، ويمكن القول إن الجمال: «حسن كل شيء في كماله الذي يليق به».
< سألناه: حب الجمال، هل هو دلالة على ارتقاء في النفس؟
- بالتأكيد، فالجمال سمة واضحة في الصنعة الالهية، وحيثما اتجه الانسان ببصره، يجد من صنع الله ما يجذبه بلونه، أو يستهويه بصوته، أو يتملك فؤاده بدقته المتناهية وصنعته المحكمة، فهو –أي الجمال – بعض آيات الله، التي أودعها في خلقه، وطلب الانسان ان ينظر فيه، ويستجلي أسراره، ويستقبل تأثيراته، فعلى قدر تعلق الانسان للجماليات نجد ان فطرته وأخلاقه رائعة وسوية.
< ما المقومات الأساسية للحكم على أمر ما أنه جميل؟
- من مقومات الجمال وفق النظرة الشرعية ما يأتي:
أ- السلامة من العيوب: فكل شيء جميل، يدرك جماله وحسنه بسلامته من العيوب، وخلوه من أي خلل ونقص، قال تعالى: { أَفَلَمْ يَنْظُرُوا الَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} فقد نصت الآية على جمال السماء وزينتها، وأنها سالمة من الشقوق، وما ذلك الا نفيا للعيوب عنها، وتأكيدا على جمالها.
ب- بالتناسق والتنظيم: وهو سمة أخرى للجمال تقوم أساسا على التقدير والضبط والاحكام وتحديد نسب الأشياء بعضها الى بعض، في الحجم والشكل واللون والحركة والصوت، قال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} واننا لو ألقينا نظرة فاحصة على الانسان، لأدركنا التناسق الذي يتجمل به هذا المخلوق الصغير، ولعل قوله تعالى:{يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم، الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك} اضافة الى دلالته على الاحكام والتقدير والتسوية والتعديل، فانه يشير الى دقة التناسق بين عقل الانسان وروحه وجسده، والتناسق بين أعضاء جسمه وبين الأعضاء الأخرى، والتناسق بين أجهزة عضو من أعضائه، وبين سائر الأجهزة.
< هل يمكن تقسيم مواضع الجمال؟
- نعم، هذا ممكن بل وفيه توضيح لحديثنا عن الجمال بصورة طيبة، فالجمال ينقسم الى قسمين: ظاهر وباطن.والجمال الباطن: هو المحبوب لذاته، وهو جمال العلم والعقل والجود والعفة والشجاعة، وأما الجمال الظاهر فزينة خصَّ الله بها بعض الصور عن بعض، وهي من زيادة الخلق التي قال الله تعالى فيها: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء}.قال بعض العلماء: هو الصوت الحسن والصورة الحسنة. وأقول: هذا هو الذي فيه التفاوت بين المخلوقات، وهو هبة من الله يقدره بين خلقه بحكمته وعدله وفضله.
< اجابتك السابقة تقودنا الى تساؤل: ما أثر النظرة السابقة في حياتنا وتعاملنا مع الله سبحانه؟
- تقودنا الى أمر كريم، ألا وهو أهمية تعظيم الله المبدع الخالق سبحانه، ثم الى توجيه العبادة له وحده، فواجب ان نعبده وحده سبحانه ولا نشرك معه أحدا، لا في الدعاء ولا في الخوف أوالرجاء، ونوجّه النفس الى الاهتمام بالعبادة الصادقة المخلصة له رجاء ان تصل الى أعظم جمال في الوجود.
< وما هو هذا الجمال العظيم؟
- هو ان يكون الانسان في الجنة، التي فيها أروع جمال ستراه العين، ولن يستطيع أحد حولنا بكلامه وبلاغته ان يصف روعتها، بل لن تصل القلوب والعقول الى تخيل ما فيها، كما قال تعالى في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر)، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم:فاقرؤوا ان شئتم {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. وبعد ذلك هناك التمتع بالنظر الى أجمل شيء ألا وهو رؤية وجه الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحب اليهم من النظر الى ربهم عز وجل».ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}.
< هل الجمال الشرعي يختلف عن الجمال في الثقافة العامة، وأفهام الناس؟
- نعم، فيه اختلاف كبير، فليس كل شيء مقبول في الثقافة العربية أو الاجنبية يعتبر من الجماليات المطلقة في حياتنا والمقبولة شرعا!بل واجب ابتداء وضعه في ميزان الشرع لتحديد: هل نعتبره من الجمال الصحيح أو الخادع الزائف، وهل هو من الجمال الجائز شرعا التعلق به، أو ممن أعطي وصف الجمال لكنه قبيح شرعا؟ وأضرب مثلا على ذلك، ان الحضارات الرومانية واليونانية سابقا حرصت على جمال الجسد، والنظر الى تكوينه وتناسق عضلاته، فصنعوا التماثيل في كل موضع في دولتهم، وكذلك تفننوا بالرسومات الجدارية في كل موضع، بل ووضعوها في كنائسهم ومعابدهم، فرسموا بتوهمهم الله تعالى وهو يلامس بسبابته سبابة عيسى، وصنعوا تمثالا كبيرا يزعمون أنه للنبي موسى عليه السلام بدقة في النحت والتكوين!! ولو وضعنا هذه الأمور في ميزان الشريعة الاسلامية لو وجدنا أنها جعلتها من المحرمات، بل هي من الموصلة للشرك.
< لو تكرمت يا دكتور، ما دليل تحريم الجماليات الفنية في النحت والرسومات؟
- من الأحاديث التي وردت في تحريمها والحكم على أنها من الكبائر حديث ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ان الذين يصنعون هذه الصور يُعذبون يوم القيامة»، ويُقال لهم: «أحيوا ما خلقتم». (رواه البخاري ومسلم)، وحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ان أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون». (رواه البخاري ومسلم).والمقصود بهذه الصور النحت أو الرسومات على شكل ذوات الأرواح.
< بعض الناس يرى ان الدقة في النحت، والاتقان في الرسم دلالة من الابداع في الجمال، فما رأيك في هذا؟
- هذا من الأسباب التي لأجلها تم تحريم مثل هذه النوعية من الأمور، ألا وهو الاتقان في النحت والرسم حتى يظنه المشاهد كأنه فيه الحياة، وهو ما يقال له المضاهاة لخلق الله! ولهذا جاء الوعيد والتخويف في الشرع، مثل ما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: {ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة} (رواه البخاري ومسلم).
وهذا طبقه النبي صلى الله عليه وسلم في بيته مع عائشة رضي الله عنها فقالت: قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفرٍ، وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم تلوّن وجهه، وقال: «يا عائشة، أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله». فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين.(رواه البخاري ومسلم)، والقرام: الستر، والسهوة: الطاق النافذة في الحائط. فالميزان للجمال ليس بما تراه عقول بعض الناس، انما هو بما يحبه مولانا سبحانه وتعالى.
< هل المسلمون الأوائل عرفوا هذه القضية، بشأن الجماليات في النحت والرسم في الأشياء حولهم؟
- نعم، ولهذا نلاحظ بشكل واضح أنه لا توجد أي رسومات أو نحت دالة على شكل النبي عليه الصلاة والسلام، ولا لآل بيته والصحابة رضي الله عنهم، من زمن النبوة، وكذا زمن الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم في الدولة الأموية والعباسية وغيرهم، لأن هناك من اجماع من العلماء على تحريمها، لكنهم برعوا في جماليات التشكيل في الخط العربي، بعكس الدول الأوربية النصرانية، أو الوثنية في الهند وشرق آسيا نجد عندهم اهتمام بالتماثيل والرسومات لذوات الأرواح، ويتفنون فيها.
< هل مسألة الجمال خاضعة لحرية الرأي وما تهواه كل نفس؟
- حينما نعلم يقينا بأن الله سبحانه فطر عباده على استحسان الصدق والعدل، والعفة والاحسان، ومقابلة النِعم بالشكر، وفطرهم على استقباح وكراهية أضدادها، فاننا نعلم بأن القضية ابتداء معلومة بين الناس جميعا، وليست خاضعة للهوى وما يتعلق به بعض الناس، ونعلم ثانيا بأن هذه المعرفة والتذوق للجمال الحقيقي الصادق الذي يحبه الله الناس سيتفاوتون في التعلق به، بل ونسبته الى فطرهم وعقولهم كنسبة الحلو والحامض الى أذواقهم، وكنسبة رائحة المسك ورائحة النتن الى مشامِّهم، وكنسبة الصوت اللذيذ وضده الى اسماعهم، وكذلك كل ما يدركونه بمشاعرهم الظاهرة والباطنة، فيفرقون بين طيبه وخبيثه، ونافعه وضاره.
< الجمال من الأمور التي نسعى لها في الحياة، فما الضوابط لها؟
- هذا سؤال مهم في حياتنا ينبغي دائما ان نتعلق به، فأقول من تلك الضوابط الشرعية في قضية الجمال:
-1 النظر في الأمر الى حكم الشريعة ابتداء في التجمّل والتزيّن حتى ولو كان فيه انتشار بين الناس، فمثال على هذا ليس من المشروع وصل الشعر لشعر الرأس أو الرموش، ونحكم بأن هذا من التجمل.
-2 ما يجوز التجمل به في جهة قد يحرم اظهاره في جهة أخرى، مثل ما يكون من تجمل الزوجة لزوجها، مع ستر هذا التجمل عن الأجانب.
-3 لا مانع من التجمّل بما لا يكون فيه تشبه بغير المسلمين، مما يكون من خصوصياتهم، أو فيه تشبه باعتقاداتهم.
-4 ستر العورة، من أروع الجمال الذي يسعى اليه كل عاقل محب لربه.
-5 الحذر من الاسراف والتبذير في التجمل.
< ما الفرق بين الاسراف والتبذير في قضية التجمل في حياتنا؟
- الاسراف هو تجاوز الحد والزيادة عن غير الحاجة في الأمور المعتاد فعلها أو شرائها في حياتنا، أما التبذير فهو صرف المال في المحرم، وهذا ملاحظ فعله من بعض الناس أنه يتجاوز حاجته فيشتري كل ما تقع عليه عينه ويعجبه شكله، وتطمح له نفسه، وهناك من يجمع المال فينفقها في الشهوة المحرمة لأن عينه معجبة بذاك الجسد الحرام، فأراده بأي سبيل ولو كان من طريق الفاحشة والزنا.
< هل التزيّن من الأمور المرغوب فيها شرعا؟
- نعم، بل هذا واجب على كل انسان ان يكون في زينة مناسبة للحال والمقام التي يكون فيها، وفق الضوابط الشرعية التي تم ذكرها قبل قليل، وأن يحرص على كل جميل في حياته ظاهرا وباطنا، وهذا ما نادت اليه الشريعة، فقال ربنا: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} فالتزين والتجمل دلالة على روعة في الحياة، وحسن تدبير في الحياة، وجميل معايشة للحياة بما يحبه الله تعالى.
< جماليات الحياة كما ذكرت دكتور مرغوب فيها، فما رأيك بمن يحرص على الجماليات في بيته ولو من قروض ربوية؟
- أقول هذا ليس من الجمال، ولكن من تضييع الحسنات، وفقد البركة في البيوت! فالجمال اذا لم نصل اليه من طريق محمود، يحبه الله تعالى، والا فهو وبال وحسرة علينا، بل هو قبيح في حياتنا، وحسرة في مآلنا يوم القيامة! فتزيين البيوت من خلال الربا دلالة على شر في حياتنا في الدنيا والآخرة.
< هل كان نبينا عليه الصلاة والسلام يحرص على التجمل التزين في حياته؟
- نعم، وهذا هو المعروف عنه صلوات ربي وسلامه عليه في جميع أمور حياته، التشريعية والدنيوية، والظاهرة والباطنة، وفي جميع تعاملاته عليه الصلاة والسلام، فهو على أجمل وأنقى وأروع حال ظاهرا وباطنا.، بل وكان يدعو من حوله الى التزين في القول والفعل واللباس، وحسن التعامل، وقوام الدين على حب الخير للغير وحسن التناصح بأجمل وأرفق كلمة ودلالة، وقد حقق في أروع تطبيق قول الله: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}، فلم يشم منه أي انسان الا أجمل رائحة، ولا يراه الا في أروع حال وأطيبه صلوات ربي وسلامه عليه.
< أين نرى الجمال، هل في الأولاد أم في الزوج أو الزوجة أم في المال، أم على ماذا تعتمد رؤيته؟
- نراه في جميع هذه الأمور، فربنا سبحانه يقول: { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فهي من المساعي التي يطمح ويحرص عليها كل انسان المسلم وغير المسلم، والعاقل من عرف كيف يعرف التعامل معها بميزان واضح، فهناك من تجعله هذه الأمور في طغيان أو تمادي أو ابتعاد عن رعايتها برعاية كريمة يحبها الله، ولهذا نجد ان ربنا قال في تتمة الآية السابقة: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أملا}فاذا لم نجعل المال يخدمنا بما يحبه ربنا، ونعرف من أين اكتسبناه وفيم ننفقه والا سيكون حالا له كسبا بالحرام وانفاقا له خلف المهلكات، وان لم نحسن الاختيار في الزواج فقد نختار الجمال الفاني على الجمال الباقي الا وهو الأخلاق والدين، وكذا الحال في تربية الأولاد، اذا لم نحسن توجيههم الى حسن التعامل مع الجمال في الأخلاق وكريم التعامل مع الناس، والا سيقودهم الأمر الى تمردهم وطغيانهم وسوء أخلاقهم.
< هل الحرص على الجمال في الزوجة أو الزوج سلوك دال على حب التميز والتجمل؟
- هذا أمر مرغوب فيه، فالأنثى تريد الشاب الوسيم أو المقبول في عينيها، وكذا الشاب يريد الزوجة التي تسره اذا نظر اليها، لكن واجب ألا تطغى هذه السلوك والطلب على النظرة الأساسية وهي جمال الباطن مع قبولنا لجمال الشكل! فبعد كم سنة سيكون المظهر الخارجي من الأمر المألوف الذي لا يلفت العين ولا الفكر، لكن الذي يبقى ويجبنا للطرف الآخر روعة وجمال واشراقة الباطن فيه.
< الحرص على شراء الأشياء الغالية، أمر مشاهد وملاحظ في حياة الكثير، فهل هو دلالة على الحرص على الجمال؟
- انطلق ابتداء من قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} فالحرص على الأشياء ذات الجودة العالية دلالة على حسن نظر في الحياة، وتمتع بالمباح، وفق النظرة الآتية:
- واجب ألا ننخدع في قضية الماركات التي وضعها التجار الجشعين ليخدعوا الاغنياء، برفع الأسعار.
- النظر للموضة أمر مباح، لكن بعيدا عن مخالفات فيها للشرع، أو باسراف في المال، حتى لا تكون حياة بعض الناس في فوضى وترقب لكل جديد، وليس هناك من ضابط شرعي لجمالها!
- ليس دلالة الجمال التحلي بالماركات، وبكل شيء مرتفع السعر، بعيدا عن قضية الاسراف والتبذير.
- ليس الجمال بأن نكون مثل غيرنا في كل شيء، فالمال يعطيه الله من يحب ومن لا يحب، لكن جمال الأخلاق يختص الله بها من يريد لحكمة.
< هل التجمل قد يجلب علينا شيئا من الأمور المزعجة مثل الحسد؟
- نعم، فكل صاحب نعمة محسود، وواجب اخفاء بعض مما حبانا الله به عن أعين من نظن ان نفسه خبيثة وفيها شر الحسد، فهناك من يظهر كل شيء جميل في حياته، ظاهرا وباطنا أمام كل الناس، ولم يحصن نفسه بالأوراد والأذكار النبوية عن الحسد، فيجد بعد ذلك تغير الجماليات في حياته، ظاهرا أو باطنا، ولربما في أولاده وعلاقته مع طرفه الآخر (الزوج)! فالتجمل مرتبط كثيرا بالحسد، فواجب ان ندعو الله، ومن ذلك الأدعية النبوية الصحيحة لدفع العين.
< ما هي مقاييس جمال الروح في الدين الاسلامي؟
- جمال الروح الحقيقي والصادق حينما يمتلئ القلب بنور الايمان الخالص البعيد عن الشركيات والبدع، ذاك القلب الذي تعلق بالله سبحانه وحده، في جميع أحواله، ولم يلتفت الى مخلوق ليدعوه أو يتعلق به، فعلى قدر ما يكون في القلب من تعظيم لله وحده تجد هذا الانسان منشرح الصدر، عامرة نفسه بالجمال، محبا لغيره، الحياة حوله يسيرة وسهلة، ولا تجد فيه الكدر أو التأفف أو التسخط مما وقع فيه من أمور لا يحبها أو فاته ما يرجوه ويتأمله.



ضوابط لا تخضع لـ«الهوى والتحرر»

حول مقاييس جمال الاخلاق في الدين قال د.راشد العليمي ان جمال الأخلاق وروعتها والحرص عليها هي السعادة في الحياة بعد تحقيق حسن العبادة لله سبحانه، فواجب على كل عاقل ان يتزين بأجمل الأخلاق، ويتحلى بأكرم الصفات، ويعرف كيف يحسن التعامل مع الناس، فمن نقص منه المال، أو قلّ منه الجمال الظاهري لن يلتفت الناس الى هذا الأمر الظاهري مع روعة وجمال وحسن تعامله معه بالابتسامة والهدية، والكلمة الطيبة والرفق بهم وحسن الظن في أحوالهم.
وعن من نراه يحرص على الجمال الظاهري بعيدا عن نظرته لاستكمال فضائل أخلاقه علق: هذا من النظرة القاصرة والمفاهيم غير الصحيحة، فمن أراد الجمال الحقيقي الصادق فلابد ان ينظر للطرفين الروح والجسد، ولن تجد جمالا يشعرنا بالسعادة الحقيقية حينما ننظر الى جانب ونهمل الآخر، فمن وجدناه ينظر الى جمال الشكل بعيدا عن جمال الروح بالسمو بالأخلاق والفضائل فنعلم ان هذا محب للشهوات وسفاسف الأمور ولم يستكمل فضائل نفسه.
ورأى د.العليمي ان قول «ان الله جميل يحب الجمال» جميل لكن وفق النظرة الشرعية، وليس وفق الهوى والتحرر! فكما أسلفنا القول هناك ضوابط للجمال والزينة، والقضية ليست خاضعة لما أحبه أنا أو غيري، أو تراه الفتاة من خلال متابعتها لمجلات الأزياء وأخبار الممثلات والفنانين الذي شوهوا وجوههم وأجسادهم حتى أصبحوا مثل الدمى، لا مشاعر في وجوههم، وهناك تجد الممثلة التي تلاعبت بأنفها في عمليات التشويه وليست التجميل في الحقيقة، ولا ضابط لها شرعياً، انما هو بقصد الظهور بمظهر جاذب لأعين ذئاب المشاهدين.




العلاقة بين الخير والجمال

حول العلاقة بين الخير والجمال قال ضيفنا الكريم: الخير خير، لكنه اذا زُين بالجمال كان أقرب الى الكمال، والحق حق، ولكنه اذا زيّن بالجمال كان أدق في تحقيق العدل، فالأمر بالمعروف خير، ولكنه اذا كان بأسلوب مهذب، بعيدًا عن الفظاظة والغلظة، أي كان بالمعروف والرفق، كان أقرب الى تحقيق الجدوى وبلوغ النتائج الجميلة، لأنه في هذه الحالة أجمل، والصدقة على الفقير والمحتاج خير، واذا كانت بعيدة عن المن كانت أوقع في الأثر بصورة أجمل! وقد يوجد الجمال حيث لا يوجد الخير، وقد أشار القرآن الكريم الى مثال على ذلك بقوله {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}، فقد وجد الجمال هنا لدى المشركة ولكنه لم يوجد الخير.




المحرومون من السعادة.. والجمال

ماذا عن من لا نجده يعيش في تفاؤل، ولا ينظر لجماليات الحياة؟ سؤال وجهناه للشيخ راشد العليمي فقال: مثل هذا الشخص محروم من السعادة في الدنيا، فالدنيا فيها جماليات كثيرة، لمن عرف كيف يعيش ويتمتع فيها بطاعة مع الله، ثم بأمل كبير ان الأمور كلها بيد الله يقلبها كما يشاء، فلماذا الكدر والتشاؤم، ولماذا لا يحقق مثل ما قيل في الكلام العامي: (تفاؤلوا بالخير تجدوه) وهذا ليس حديثا نبويا، وكما قيل أيضا: كُن جميلا تر الوجود جميلا، ويبتعد عن التشاؤم ومقولات تزعج نفسيات الناس، ومن مقولات: الأمة تضيع، الفساد في كل مكان، الحياة لا خير فيها، ولهذا حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: {اذا قال الرجلُ: هَلَكَ الناسُ، فهو أَهْلَكهم}. فالخير موجود، والجمال متناثر حولنا في أمور كثيرة، ولله الحمد والمنة.
وأضاف: كلنا يريد ان يكون جميلا في حياته، في ظاهره وباطنه، وهذه دلالة على طموح كريم، لكن ينبغي وزن هذه الجماليات في أقوالنا وأفعالنا وسلوكنا، وظاهرنا وباطنا وفق الجمال الذي يحبه الله وتعلمناه من الهدي النبوي.


أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
80.999
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top