مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

رحرحة

منير فوكس (1)

أسامة غريب
2014/08/17   09:17 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



في ليل مونتريال كنت أسهر بصحبة الأصدقاء.. في السهرات الطويلة الممتدة كنت أتعرف على وجوه مصرية من كل صنف ولون.. والليل في مونتريال على الرغم من برودته مثير للخيال ودافع للبوح والحكي، وكل من قابلتهم كانت لديهم حكاية تروى.. وإذا كان للكون أبعاد ثلاثة أضاف اليها أينشتاين بعداً رابعاً هو الزمن، فاني أنجذب الى اضافة يوسف ادريس الذي تحدث عن خمسة أبعاد بعدما أضاف القصة كبعد خامس.. كل شيء في الوجود له قصة في انتظار من يرويها.
وفي مونتريال ليست هناك قصة تخلو من أحداث درامية تغلفها شجاعة اتخاذ القرار.. قرار الهجرة، فالهجرة تحتاج الى شجاعة حقيقية وتقدير كبير لقيمة الحياة.
من بين أصحاب الحكايات التقيت بمهاجر شاب في أوائل أربعينياته.. جمعني به اللقاء في واحدة من السهرات العامة التي تجمع المصريين عندما يلتقون في حفل يقوم بتنظيمه واحد من الشطار القدماء أصحاب القدم الراسخة في المهجر. يقوم الشاطر في هذه الحالة باستئجار قاعة في أحد المطاعم بايجار رمزي ثم يقوم بطباعة التذاكر ويشرع في بيعها بالمقاهي والمطاعم والملاهي التي يتردد عليها المصريون والعرب، ولا بأس من بعض الاعلانات في الصحف المحلية العربية التي هي عبارة عن منشورات اعلانية بالأساس يتخللها بعض الأخبار القديمة المنقولة من الصحف المعروفة. ولا ينسى الشاطر الاتفاق مع وجه مصري يقوم بدور مطربة الحفل، وهي في الغالب عاملة في سوبر ماركت أو بائعة في محل ملابس تملك صوتاً معقولاً وفاتها قطار ان تكون مطربة بحق وحقيق فاستسلمت للقسمة والنصيب.
في تلك الليلة أخذني أصدقائي الى ضاحية «لافال» حيث القاعة المعدة للحفل الذي تحييه المطربة سماح توفيق. هناك قابلته.. كان يجلس على المائدة أمامي مباشرة وقام أحد الأصدقاء بتعريفي به.. حسن مرجان.. مهاجر استقر به المقام منذ عشر سنوات.. يمتلك محلاً للبيتزا والعصائر وكان حاضراً بصحبة زوجته الأجنبية وطفلتيه. دار بيننا حديث ودود تخللته النكت المصرية التي لا تخلو منها جلسة تجمع المصريين في الخارج خاصة اذا كان بينهم زائر قادم لتوه من المحروسة مثلي.
ما ان علم أنني أكتب بالصحف حتى بادرني بالسؤال: هل تعرف منير فوكس؟
أجبته بأنني أعرفه جيداً فقد زاملني في سنوات الدراسة بالكلية وأنا الذي أطلق عليه لقب فوكس فلصق به.. وفوق هذا هو صحافي بارز معروف يشق طريقه نحو المناصب العليا بدأب واصرار وهو معروف بصداقته للكبار في البلد، يعرفهم ويحل ضيفاً على مناسباتهم ويعود الينا بزاد من الصور والحكايات جمعته بفلان وعلان، وهو في الحقيقة لحوح ودؤوب لا يحيد عن هدفه، ولا غرابة اذا قرأنا في جرائد الصباح أنهم اختاروه وزيراً. قال في أسى بصوت كله مرارة: ان صديقك هذا كان نقطة تحول فارقة في حياتي.. لقد غير مساري كلية ودفعني للهجرة بينما لم أكن أفكر فيها مطلقاً. قلت له بعد ان أثار اهتمامي: أولاً هو ليس صديقي على الرغم من أني أعرفه جيداً.. ثانياً ما حكايتك معه وكيف عرفته؟ تجاهل سؤالي وسألني بدوره: ولماذا أطلقت عليه لقب فوكس؟ ضحكت قائلاً: كل الناس يعرفونه بهذا الاسم لكن قلائل من يعرفون أنني صاحب هذه التسمية.. كنا سوياً بالجامعة وكان معروفاً أنه أحد عيون الأمن الذين يشون بالطلبة المنخرطين في السياسة ويكتبون فيهم التقارير، هذا غير أنه عمل معي فترة بالديسك المركزي لاحدى الصحف الخليجية.. وأذكر أننا كنا نمضي وقتاً طويلاً بالمكتب، لهذا فقد كنا نرسل في شراء السندويتشات من المطعم المجاور.. في بداية عملي معهم لاحظت ان كل الموجودين بالمكتب يحضرون الطعام ويأكلون أثناء العمل ما عدا منير.. كان هو الوحيد الذي لا يرسل في طلب السندويتشات، وقد أخبرني الساعي انه يحتمل الجوع على انفاق المال! كما لاحظت ان أحداً لا يدعوه لتناول الطعام معه.. بطبيعة الحال كنت أعرف بخله التاريخي منذ أيام الجامعة ومع هذا كنت أدعوه ليشاركني الطعام. كانت له لازمة لا يحيد عنها..في البداية يعتذر بدعوى ان زوجته تنتظره بالبيت وقد جهزت له الطعام، لكن اذا كررت الدعوة فانه كان يدخل بكليّته فيلتهم طعامي بقلب جسور!.
تكرر هذا الأمر منه عدة مرات.. مرة يزعم ان زوجته في انتظاره مع صينية كفتة ومرة يعتذر لأن حماته أعدت له طاجن سبيط وثالثة لأنه سيتعشى مع السفير فلان.. وفي كل هذه المرات كنت ألمحه ينظر للطعام فأخجل وأدعوه للمشاركة فيعتذر في البداية ثم يقررأنه سيتذوق القليل فقط حتى لا يكسفني وينتهي الأمر بأن يحرمني من غدائي!. كان أسلوبه في المراوغة يغضبني.. قلت له مراراً: اذا كنت تنوي ان تأكل معي قل من البداية حتى أعمل حسابك.. وكان رده غالباً من عينة: أختي طابخة لي فتة كوارع.. لا تعمل حسابي.. ومع ذلك كان الوغد لا يستنكف ان يلتهم أكلي. ونتيجة لقدراته الفجة على الاستعباط والمراوغة أطلقت عليه منير فوكس.. في البداية غضب من اللقب لكنه تذكر الطعام فكبح غضبه وتظاهر بالمرح.. التصق به اللقب حتى بعدما كبر وصار من رجال الأمن الصحافيين أو رجال الصحافة الأمنيين!.. يتبع

أسامة غريب
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
396.0151
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top