مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

اختلاف المفاهيم

أسباب الطلاق وأسباب السعادة

د.عبدالرحمن الجيران
2014/08/11   09:35 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image



تذكرة لكل من ينشد السعادة الأسرية

هذه نصيحتي لكل زوجين قررا تكوين أسرة قوامها المحبة وشعارها الوئام ان يضعا أمامهما هذه الأهداف التي يسعيان الى تحقيقها في حياتهما الاسرية التي تمتد الى الآخرة، حيث يكتمل الشمل في الجنة كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِايمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (الطور 21).
يقول الفيلسوف الأمريكي (جون ديوي): «ان الحضارة التي تسمح للعلم بتحطيم القيم المتعارف عليها، ولا تثق بقوة هذا العلم في خَلْقِ قيم جديدة..لهي حضارة تدمر نفسها بنفسها» وهذا تماما ما يحصل للأسرة في بلاد الغرب.

أهداف الأسرة في الاسلام

اولاً: حياة القلوب الحقيقية:

ان الاستقرار الأسري، وما يتبعه من حصول السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، وحرص كل منهما على نفع صاحبه في العاجل والآجل، كل هذا من شأنه بث الحياة الحقيقية في القلوب، قلوب جميع أفراد الأسرة، فتسمو بذلك مشاعرهم وأحاسيسهم وتتوجه ارادتهم الى الله تعالى، والدار الآخرة، وتهون عندهم الدنيا وملذاتها، ويزول عندهم الحرص عليها، وعلى تحصيلها قال تعالى عن ابراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا انِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي الَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)} (ابراهيم: 37).
ومعلوم ان ابراهيم - عليه السلام - لما ترك ذريته في مكة، لم يكن بها زرع، ولا ضرع، ولم يسكنها معهم في ذلك الوقت أحد، وانما حمله على هذا العمل الايمان بالله وحده، والتصديق بكلماته، فحصلت حياة القلوب، واستجاب الله تعالى لدعوته، فعمرت مكة بالزوار والحجاج والعمار، ومازال الناس الى يومنا هذا يفدون من كل فج عميق الى البيت العتيق.انها دعوة قلب مؤمن من أسرة مستقرة لاقت قبولاً وصدى عبر التاريخ، بل حرص ابراهيم عليه السلام كما حرص اخوانه المرسلون على نفع ذريتهم وبنيهم، فكان من دعائه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)} (ابراهيم: 40 - 41)، روى البخاري رحمه الله: لما جاء ابراهيم - عليه السلام - بأهله، ووضعهم عند البيت بمكة، فتبعته أم اسماعيل، فقالت: يا ابراهيم ! أين تذهب، وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنس ولا شيء؟..فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال نعم.قالت: اذن لا يضيعنا، ثم رجعت.اهـ، قلت وهنا تظهر قوة الايمان بالله تعالى، ثم طاعة الزوج فيما يأمر، وبذلك تستقر الأسر، وتصبر على البلاء، وشظف العيش رجاء لما عند الله تعالى، وما وعد به المؤمنين الصابرين وكذلك دعوة المؤمنين الذين أخبرنا الله تبارك وتعالى عنهم في حرصهم على اسرهم قال تعالى: {حَتَّى اذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي ان أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ علي وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي انِّي تُبْتُ الَيْكَ وَانِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)} (الأحقاف: 15).
وهذه سنة الأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة والسلام - في طلب الولد الصالح قال تعالى: { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً انَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) }(آل عمران: 38) وقال زكريا عليه السلام في موضع آخر في دعائه لولده {وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)}. (مريم: 6) وقال العلماء: دعاء زكريا - عليه السلام - في الولد انما كان لاظهار دينه، واحياء نبوته، ومضاعفة لأجره لا لمجرد الدنيا.وقد دعا نبينا - عليه الصلاة والسلام - لكثير من الصحابة رضي الله عنهم بالذرية الصالحة، فقال عليه الصلاة والسلام: «اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين» (أخرجه البخاري ومسلم).
فاذا ثبت هذا، فالواجب على الزوج ان يتضرع الى خالقه في هداية ولده وزوجه، والدعاء لهما بالتوفيق والهداية والصلاح والعفاف والرعاية، وأن يكونا معينين له على دينه ودنياه حتى تعظم منفعتُهُ بهما ومنفعتُهما به في الدنيا والآخرة.ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث «…ومنها: «أو ولد صالح يدعو له» وفي هذا الحديث يبين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ان عمل المؤمن لا ينقطع بعد موته اذا خلف من ورائه من ولده من يحيى حياة حقيقية، فيقوم بالدعاء لوالده برفع الدرجات في الجنان، وبالمغفرة، والتجاوز عن الذنوب، وجاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم «ان الله -عز وجل- ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا رب! أنَّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك» أخرجه احمد.

ثانياً: الفوز بالجنة، والنجاة من النار:

ان الأسرة التي حصرت همها في هذه الدنيا، وضيعت أوقاتها في العبِّ منها، والزيادة من حطامها، لم تدرك حقيقة أهداف الأسرة التي رسمها لها الاسلام، ولم تَعِ أبعاد وغايات العلاقات الأسرية، فالأسرة في الاسلام ليست مجرد رابطة دنيوية فقط بين المرء وزوجه، بل هي علاقة ممتدة وباقية الى يوم القيامة، وبعد ذلك في دار القرار حيث يلتئم شمل الأسرة الصالحة المؤمنة في جنات النعيم.قال تعالى حكايةً عن دعاء الملائكة للمؤمنين وذريتهم: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ انَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)} (غافر: 8).
قال مطرف بن عبدالله رضي الله عنه: أنصح عباد الله للمؤمنين الملائكة.وذلك في اخلاصها بدعائها للمؤمنين، وقال تعالى: عن الأسرة الصالحة المؤمنة: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23)} (الرعد: 23).
كما بيّن سبحانه محذراً ومنفراً من حال الأُسَرِ الخاسرة في هذه الدنيا والآخرة، وبيّن ان هذه هي الخسارة الحقيقية، وليست هي خسارة الدينار والدرهم، بل الخاسر حقاً هو الذي يأتي يوم القيامة، وقد فقد أهله وأزواجه وذريته قال تعالى: {قُلْ ان الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)} (الزمر: 15).
فيا لها من خسارة عظيمة بعد كل هذا الجهد والتعب والنصب في هذه الدنيا من أجل تحقيق سعادة الأسرة فاذا بالخسارة تأتي يوم القيامة، فتنقطع أواصر الأسرة، ويزول النسب، وتحلُّ الضغائنُ محل الودِّ والعداوة والبغضاء مكان الصداقة والمحبة، قال تعالى {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شأن يُغْنِيهِ (37)} عبس.

ثالثاً: خير النساء لخير أسرة:

قال تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)} (النور: 26). وهذا معروف ومشاهد عبر التاريخ، فكم من الفضليات أنجبن من العلماء والأخيار والأطهار الذين استضاءت بهم الدنيا بعلمهم وفضلهم وحسن سيرتهم.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيرُ نساءٍ ركِبْنَ الابل صالحُ نساءِ قريش، أحناه على ولدٍ في صغره، وأرعاه على زوجٍ في ذات يده.) رواه البخاري ففي هذا الحديث الشريف يحدد الرسول - صلى الله عليه وسلم - الخيريةَ في النساء بالصالحات منهن فقط، والمراد بالصلاح هنا صلاحُ الدين، وحسن العشرة.ثم يتبع ذلك الحُنُوُّ على الولد، ومعنى المرأة الحانية على ولدها أي: المشفقة عليه من ان يناله أدنى سوء، وقيل الحانية على ولدها هي التي تقوم عليهم في حال يتمهم، فلا تتزوجُ.ثم تأتي الصفة الأخيرة التي استحقت بها النساء هذا التفصيل من النبي – صلى الله عليه وسلم - بقوله: وأرعاه على زوجٍ في ذات يده، أي ان المرأة المفضلة هي الأحفظُ والأصونُ لمالِ الزوج بترك التبذير في الانفاق.
واذا تحققت هذه الصفات في الزوجة، تماسكت الأسرة، وحصلت الألُفة والمحبة، وزال الشقاقُ وأسبابه بين الرجل وامرأته.ذلك لأن عامة ما يبعث على الشقاق ويحملُ على النشوز بين الرجل والمرأة هو التفريط بإحدى هذه الصفات أو ببعضها.
فالمرأة غير الصالحة لا تأبه لطاعة الزوج، ولا للقيام بواجباتها تُجاه ربها وأسرتها، ولا ترعوي لنصح، ولا ترفع بذلك رأسا.والمرأة غير الحانية على ولدها لا تهتم بتربيته التربية الصالحة، ولا تنشغل بمصالحه، والقيام بشؤونه، بل تتركه وشأنه، ولربما تخطَّي فأضر بنفسه بصورة من الصور، أو ربما تركته في المنزل، وخرجت للتنزه والتجوال !! واذا ناله أذى، أو أصابه مكروه، تعذرت بالخادمة ! أو بحركته الزائدة !أو نحو ذلك، وتنسى ان الله تعالى قد استرعاها على هذه الأسرة، وهذا البيت، والله سائلها عما استرعاها: أحفظت أم ضيعت؟ وكذا المرأة المضيعة لمال زوجها، والمسرفة فيه، فلا ترعى له مالاً، ولا تحفظ له عهداً، ان حضر طالبته بالمزيد، وان غاب أسرفت فيما بين يديها، ولا تبالي بعد ذلك فيم أنفقت المال!! وفي الحديث ان الله سيسأل ابن آدم عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وتضييع المال من أعظم أسباب الشقاق والفرقة بين الزوجين، ولما يحصل به نفرة وعدم انسجام بين المرء وزوجه، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف الى حصول الفرقة والطلاق.
فعلى الأزواج معرفة ان الحياة الدنيا انما هي دار جواز ومرور الى الحياة الأخروية السرمدية الباقية الى أبد الآباد، فهذه هي الحياة الحقيقية التي لا ينغِّصُها شيء، وفيها أي في الجنة ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، وعليه، فالواجب على الرجال والنساء السعيُ في تحصيل أسباب الحياة الحقيقية، وأسباب السعادة في الدارين: الدنيا، والآخرة.

رابعاً: العيش بحياة طيبة:

لقد شغل كثير من المفكرين والفلاسفة منذ القدم في البحث عن أكسير السعادة وأسبابها، وسلكوا في سبيل ذلك السهل والوعر والقعر والجبل، ورجعوا بخفي حنين! كما يقال، بل ذهب بعضهم الى ان السعادة في جمع المادة واللهث وراء الملذات والشهوات، وغلا البعض الآخر بقوله: السعادة هي الانقطاع عن الدنيا والعيش في المفاوز والقفار، وترك الجمع والجماعات، فوقعوا فيما هو أشد مما فروا منه، وبين هؤلاء وأولئك ضاعت الحقيقة على الرغم من وضوحها، وطحنت البشرية حين اعتقدت ان الحق ما يسطره هؤلاء بعقولهم وطلاسم أفكارهم، في حين ان البشر لا يمكنه ان يرى ما فوق حدود الزمان والمكان والظرف الآني، فلا تسلم النتائج في الأعم الأغلب اذا اعتمدت على هذه المقدمات الخاطئة.لقد تاهت البشرية حين تنكبت وحي السماء، وضاقت بها السبل وشقت الانسانية بضنك العيش، ولما أشرقت الأرض بنور ربها، وجاء النبيون بالحق من عند الله، فاستضاء به المؤمنون، ونعموا بالحياة الطيبة الهانئة التي هي الحياة الحقيقية، وهي الحياة الخاصة التي يعيشها الانسان بخلاف الحياة العامة التي هي مشتركة بين الانسان والحيوان، ولذا قال الله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122)} (الأنعام: 122) والحياة الطيبة هي التي استضاءت بنور الوحي، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا الَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الايمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَانَّكَ لَتَهْدِي الَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)} (الشورى 52).
يقول ابن القيم
-1 رحمه الله -: «فالوحي حياة الروح، كما ان الروح حياة البدن، ولهذا فان من فقد هذه الروح فقد فقد الحياة النافعة في الدنيا والآخرة.أما في الدنيا فحياته حياة البهائم.وله المعيشة الضنك.وأما في الآخرة: فله جهنم، لا يموت فيها ولا يحيا كما قال الله تعالى عن حياة المعذبين في النار: {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} (طه: 74) قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} (النحل 97).
والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت، فتجد راحة القلب، وراحة في المسكن، وفي الزوجة، وفي الولد، وفي الرزق، فلا يشقى الانسان بها أبداً، وهذه هي السعادة الحقيقية، ولكنها سعادة مشروطة لمن عمل صالحاً، وهو مؤمن بالله تعالى، فله الحياة الطيبة في هذه الدنيا، وله الجزاء الحسن في الآخرة، والحياة الطيبة تشمل هذا كله، بل حتى في ساعة الموت والاحتضار، فان الملائكة تبشر الطيبين بالسلام والأمن، وبدخول الجنان، قال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل: 32) فَحَرِيٌّ بالأزواج السعي لتحقيق أسباب العيش بحياة طيبة فيما بينهم، فذلك هدفٌ من أهداف الأسرة.

خامساً: تحقيق زكاة النفس البشرية:

وأعظم طريق لتحصيل زكاة النفس البشرية للزوج والزوجة هو غضُّ البصر عن المحارم وحفظ الفرج الا على الأزواج وملك اليمين، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ان اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (النور: 30).
فجعل سبحانه الزكاة بعد غض البصر، وحفظ الفرج، والزكاة ملازمة للطهارة دائماً في القرآن الكريم، ويحصل بهما النماء والزيادة وكمال الشيء وتمامه، والمجتمع الذي يتزكى ويتطهر تظهر به علامات الاستقرار والطمأنينة، وينعم فيه أفراده بالأمن والأمان.وهذا من فضل الله تعالى على عباده المؤمنين قال تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (النور 21).
وقد ذكر: أهل العلم فوائد غض البصر، وحفظ الفرج، وهذا الذي يحصل بالزواج واستقرار الأسرة، فمن هذه الفوائد ما يلي:

أ) حلاوة الايمان ولذته
ان حصول حلاوة الايمان ولذته، والتي هي ألذ وأطيب مما صرف الانسان بصره عنه، أو تركه لله تعالى، فان من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.ولهذا قال بعض الفضلاء: من أطلق لحظاته دامت حسراته، وهذا كله من جناية النظر.

ب) نور القلب والبصيرة
والسر في هذا: ان الجزاء من جنس العمل، فكما غض الانسان بصره عما حرمه الله عليه، عوضه الله من جنسه ما هو خيرٌ منه، فكما أمسك نور بصره عن المحرمات، أطلق الله نور بصيرته وقلبه، ولهذا قيل ان القلب كالمرآة، كلما كانت صافية من الأكدار، كلما انطبعت فيها صور الحقائق والمعارف كما هي.

ت) ثبات القلب وشجاعته
وجاء في الأثر: ان الذي يخالف هواه يَفْرَقُ الشيطان من ظله، والله تعالى جعل العزة لمن أطاعه، والذلة والمهانة لمن عصاه، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (المنافقون: 8) واذا استقامت هذه المطالب في المجتمع، انصلح حاله، وتفرغ لما يعنيه، وترك ما لا يعنيه من سفاسف الأمور، فعم الخير، وزاد الصلاح، وحصلت الألفة، والمودة بين المسلمين.
والمقصود أنه متى ما تحققت زكاة نفس الزوج والزوجة، سمت أرواحهما، والتقت على أمر قد قدر، وسارا معاً في طريق الخير، ونتج عنهما ذرية صالحة تسعد بهم الانسانية.
وبهذا يتبين لنا بوضوح الأهداف العظيمة والنبيلة، والتي من أجلها شرع لنا الله تعالى في الاسلام نظام الأسرة كرابطة اجتماعية تربط بين الأفراد والجماعات، وعلى أساسها يكون التعارف والتعاون على البر والتقوى.ورأينا كيف عصفت الانحرافات والشذوذ بالمجتمعات الغربية التي أعرضت عن هذه الشريعة العظيمة، وعن شعيرة الزواج، ولم تسلك باب العفة والحياء والقناعة، بل أطلقت العنان لشهواتها وملذاتها.ورأينا نظرة الاسلام الى هذه الرابطة العظيمة، وهي عقد الزواج، حيث سماه الله تعالى ميثاقاً غليظاً لما يترتب عليه من آثار وأبعاد اجتماعية وانسانية وأخلاقية وتربوية.
فحريُّ بكل أسرة مسلمة تنشد السعادة الزوجية ان تتعرف على هذه الأهداف والغايات المرجوة من الزواج، وهذه الأهداف هي الزاد الذي يُتقوى به في هذه الحياة، ولا يُتصور حياة هانئة طيبة بغير هذه الأهداف العظيمة.
وها هي المجتمعات الغربية تقبل على الاسلام، وذلك حين تتعرف على نظام الأسرة في الاسلام فيعجبها هذا النظام والمعاملة بين الزوجين والأبناء فتدخل في الاسلام، وللأسف عندنا الأسرة تسير بعكس هذا الاتجاه، فبعض الأسر تسعى جاهده لتقليد ثقافة اجنبية هنا وهناك، وتنسى الخير العميم عندها وتتغافل عنه وراء البهارج والزينة !! وهذا من اختلاف المفاهيم، ومن اختلاف المفاهيم أيضا أسباب وقوع الطلاق عندنا في المحاكم، حيث ارتفعت المعدلات الى أكثر من نصف عدد الزيجات؟ وأصبحت الكويت الاولى خليجياً بارتفاع نسبة معدلات الطلاق ولو نظرنا الى أسباب الطلاق وان أغلبها ليست أسباباً وجيهة، لعلمنا مقدار اختلاف المفاهيم عندنا!!

د عبدالرحمن الجيران
Dr.aljeran_wk@yahoo.com
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
375.0094
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top