

	الأربعاء 15/04/1447 هـ الموافق 08/10/2025 م الساعة 03:53 توقيت الصلاة الفجر 4:26

مقالات

A A A A A

رحرحة

حقوق الأنذال

أسامة غريب

2014/04/12

11:29 م

شكرا لتصويت

التقيم

التقيم الحالي 0/5

في روايته البديعة القاهرة الجديدة صاغ الأديب نجيب محفوظ شخصية محجوب عبد الدايم باستاذية واقتدار. ثم صارت الرواية فيلماً سينمائياً باسم «القاهرة 30» على يد المخرج صلاح أبو سيف، وقد جسد الفنان حمدي أحمد شخصية بطل الرواية الذي دفعه الفقر الى ان يبيع شرفه لمن يدفع الثمن.
بعد ذلك صار اسم محجوب عبد الدايم مضرباً للأمثال، وأخذ الناس يطلقونه على من يصادفونهم في الحياة ممن يتسمون بانعدام النخوة والاستعداد للتضحية بالاخلاق والمبادئ في سبيل العيش وارتقاء سلم المجتمع الفاسد.
غير أنني عندما أفكر في نهاية الرواية حين انهار البطل وتهدمت دنياه بعد افتضاح أمره ومعرفة أبيه ان الابن المحترم ليس سوى (.....) رخيص يبيع لحم امرأته للباشا الكبير.. أفكر في ان هذه النهاية المنطقية ربما ترجع الى ان فترة الثلاثينيات من القرن الماضي على كل ما بها من فقر كانت لا تزال تتسم بقدر من الإحساس بالعار عند حضور أسبابه، وهو الأمر الذي أتصور أنه قد انتفى من حياتنا اليوم أو كاد، وهذا الفارق قد يفيد هواة عقد المقارنات بين مصر الملكية ومصر اليوم.فارق اَخر أساسي يمكن ان نلمحه هو ان محجوب عبد الدايم وسالم «ابن العجّانة» وكل أشباههم من الراغبين في بيع أنفسهم كان بامكانهم أن يجدوا أثرياء فاسدين مستعدين للشراء، وكان ضيق العيش في ذلك الزمان يطحن فقط أولئك الذين يصرون على ان تكون لقمتهم شريفة، لكن المستعدين للبيع كانوا مع بعض الصبر دائماً ما يجدون المشتري.أما اليوم فان هناك معاناة من نوع عجيب قد يكون مضحكاً وداعياً في الوقت نفسه للبكاء.. تلك هي معاناة أولئك الذين حسموا أمرهم وقرروا ان يتخلوا عن الأخلاق والشرف والكرامة وان يبيع المرء منهم أمه وأباه وزوجته، غير ان ضيق المجال ووفرة المعروض من الأنذال يجعلهم يتطاحنون على اللقمة الخبيثة وقد يقتل بعضهم بعضاً في خناقة على توريد امرأة لرجل أقام مناقصة للحصول على الأقل سعراً والأعلى جودة!. ويكفي للاستدلال على مأساوية الحالة ان يقوم أي أحد ولو على سبيل الاختبار بطلب شهود زور قد تلقي شهادتهم ببريء في السجن مقابل مائة جنيه للفرد، وأنا متأكد ان النتيجة ستكون مروعة من حيث عدد المتقدمين ونوعياتهم ومؤهلاتهم!.
هذه هي المشكلة الاَن.. عدد المستعدين للتفريط أصبح ضخماً للغاية، لكن أفق الخيانة مسدود أو يكاد في وجه المستجدين، والمجال الحيوي للنذالة صار ضيقاً للغاية، حيث ان عدد الكفلاء الطالبين للخدمات البشعة وغير المعقولة، المستعدين لإيواء واستخدام هؤلاء لا يفي باستيعاب الأعداد الوافدة يومياً تطلب العضوية العاملة في نادي الأنذال! ولأني أرى ان حكومتنا- مثل كل حكومات الدنيا- هي حكومة كل المواطنين.. الشرفاء منهم والأنذال، خصوصاً وان الأنذال يملكون بطاقات انتخابية مطلوبة بشدة هذه الأيام، فانني لا أتحرج من الدعوة الى ان تنهض الحكومة بدورها كاملا في خدمة مواطنيها، وكما تفكر في توفير لقمة عيش نظيفة للشرفاء عن طريق توظيفهم في مشروعاتها ومناشدة أصدقائها المستثمرين القيام بدور في تشغيل العاطلين.. عليها أيضاً ان تجد حلاً لفئة كبيرة من المواطنين ممن صاروا يقبلون الفساد ولا يمانعون في أكل العيش من أي طريق.. وأنا لا أعرف على وجه الدقة كيف يمكن ان يتم هذا، لكني أتصور ان ضخ المزيد من الفساد في السوق قد يعمل على توسيع قاعدة الفاسدين الذين بدورهم سيحتاجون لخدمات الفقراء المستعدين للبيع، فيعم الخير على الجميع وننقذ السلام الاجتماعي المعرض للانهيار!.

أسامة غريب

أخبار ذات صلة dot4line

نشكر الحكومة على تنمية الثروة الحيوانية ولكن ذلك لا يكون على حساب حقوق المواطن

التعليقات الأخيرة

All Comments

أكثر المواضيع مشاهدة

مقالات ذات صلة بالكاتب

Tweets by WatanNews !function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");

2491.9994


موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة