مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

رحرحة

قل لي: كنبغيك!

أسامة غريب
2014/04/05   10:43 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



اعتدت عند السفر ان أعتمد على نفسي في حجز الفندق من خلال الشبكة العنكبوتية، ولهذا أقضي وقتاً في دراسة جغرافيا وتاريخ المدينة التي أعتزم زيارتها قبل الحجز. بالنسبة لمدينة مكناس المغربية وجدت نوعين من الفنادق: الأول هو التقليدي الموجود في كل مكان والثاني عبارة عن بيت مغربي قديم يقوم أصحابه بتجهيز بعض غرفه لاستعمال الضيوف ويسمونه «رياض» وفيه يجد المرء نفسه يعيش الأجواء الأندلسية الصميمة.
خارج محطة قطار مكناس تصطف سيارات التاكسي في انتظار الخارجين.السيارات قديمة بشكل لافت وهي في معظمها من موديلات الستينيات والسبعينيات، ومن الواضح ان أصحابها يبذلون جهداً كبيراً في صيانة الأجزاء الحيوية كالموتور على حساب الأجزاء الأخرى كالمقاعد والأبواب!. حملتني إحداها الى «رياض بن شقرون» الواقع بدرب مكة في المنطقة القديمة. توقفت بي السيارة عند حدود ساحة الهديم التاريخية وأشار لي السائق أنه لا يستطيع الدخول في الحارات الضيقة التي تصل بي الى فندقي. حملت حقيبتي وسرت داخل الحي القديم المعبأ بروائح التراث والذي لا تسمح دروبه الأفعوانية بدخول السيارات، وأحسست أنني في القرن العاشر الميلادي وأنا أجوس بين البيوت الصغيرة المكونة من طابقين أو ثلاثة على الأكثر وعلى الجانبين الحوانيت الصغيرة التي تبيع كل شيء. هو حي سكني وسياحي في الوقت نفسه يعيش فيه أصحابه ويختلطون بالزوار القادمين من كل مكان. أسعدتني الحفاوة التي لقيني بها كل من صادفتهم ووضح لي ان وجود زائر من مصر هو شيء نادر الحدوث هنا. وللمرة المائة أعيد اكتشاف ان البلدان العربية التي لا توجد بها عمالة مصرية يحمل أبناؤها لمصر والمصريين اعزازاً كبيراً، في خلفيته صورة مشرقة مستقاة من دور مصر في مساندة حركات التحرر ومن أفلام السينما والمسرحيات وذكرياتهم عن أم كلثوم وعبد الحليم حافظ.. وهي الأشياء التي لن تصمد طويلاً مع الزمن اذا لم تعزز مصر هذه الصورة بما يدعمها من واقعها الحالي!.
الفندق عبارة عن بيت عريق له صحن مغربي تسكنه نافورة بديعة وحوالي ستة غرف للايجار علاوة على الطابق العلوي المخصص لأصحابه. يتميز هذا الرياض بطابعه التاريخي في النقوش واللوحات والأثاث اضافة الى عصرية خدماته المتمثلة في التلفزيون والحمّام الفاخر والانترنت.يدير المكان صاحب البيت علاوة على طاهية تذوقت من يديها أحلى طاجن خضراوات بالدجاج.
خارج الأزقة الواقع بها الفندق تقع ساحة الهديم المتسعة التي يواجهها باب المنصور وهو من أجمل الأبواب التاريخية في العالم من حيث النقوش والزخرفة.يلاصق الساحة سوق يبيع كل شيء واذا توغلت فيه ابتعد بك عن الساحة وأدخلك في حي آخر.في السوق تجد من الزيتون المكناسي أشكالاً وألواناً، وكنت أشتري منه في غدوي ورواحي. الممتع في ساحة الهديم أنه عندما يحل الليل يأتي اليها الحواة وأكلة النار ورواة القصص التاريخية ومن يؤدون الاسكتشات والمشاهد الكوميدية ويقدمون ما يعرف بالفن الشعبي أو فن السرد.. و هؤلاء يتحلق حولهم الجمهور يستمتع بابداعاتهم وينفحهم ما يجود به.. والحق أنني كنت أقضي معظم الليل في صحبة هذا الأنس مع الاقرار بضعفي في فهم معظم ما كنت اسمعه!.
على طرف ساحة الهديم يقع متحف دار الجامعي وهو قصر بني منذ حوالي مائتي عام وتحول عام 1920 الى متحف يضم التراث المغربي. قصدت المتحف لزيارته فوجدت لافتة تقول انه مفتوح كل الأيام عدا الثلاثاء.. يا خسارة.. اليوم هو الثلاثاء.هممت بالرجوع عندما برز لي من الداخل أحد الأشخاص. سألته: هل المتحف مفتوح؟ رد بالايجاب وقال أنه من الضروري قطع تذكرة. سألته: وأين مكان التذاكر؟ قال: بالداخل.دخلت وبحثت عن مكتب التذاكر فلم أجده ولكني وجدت متحفاً جميلاً مليئاً بالمنتجات الخشبية البديعة والسيوف التاريخية.. صعدت للطابق العلوي ووجدت نفسي في حضرة التاريخ أو حقبة منه ورأيت تراثاً انسانياً من الأدوات والملابس التقليدية والأحزمة الحريرية النفيسة. تجولت في كل مكان بالمتحف ووضح لي أنني كنت الزائر الوحيد. عند خروجي طلب مني الرجل عشرين درهماً. دفعتها له وأنا في منتهى السعادة على الرغم من ادراكي أنه قام بتشغيل المتحف لحسابه في يوم الاجازة! قمت كعادتي بركوب الحافلات العامة على غير هدى فتنقلت بي الى حي البساتين ومولاي عمر كما دخلت بي الى الأحياء الجديدة التي تشي بحركة عمرانية هائلة لاستيعاب القادمين الذين ضاقت بهم المدينة.
في أحد الكافيهات جلستُ لتناول القهوة وعلى مقربة مني جلست فتاتان ترتديان ملابس عصرية وكانتا تتحدثان بمرح زائد وبصوت عال.احداهما كانت تستخدم جهاز الآي باد وتُسمع الأخرى من خلاله حديثاً دار بينها وبين حبيبها. أدهشني أنها كانت تسخر من هذا الحبيب بشكل سافر وتتعمد اهانته لدى صاحبتها. قامت الفتاة باعادة تشغيل الحوار بينها وبين المسكين الذي يحبها عشرات المرات.. وعلى الرغم من صعوبة استيعابي لكل الكلمات فقد أتاحت لي الاعادة المتكررة ان أفهم أنها كانت تتدلل للحبيب عندما تقول له: قل لي كنبغيك. وفي كل مرة يسمعان الحبيب يردد ما طلبته كانت الفتاتان تنفجران في الضحك!.
في المغرب يُستخدم حرف الكاف كزائدة يمكن حذفها مثلما نستخدم في مصر حرف الباء.. نحن نقول بحبك ويقول اللبنانيون عم حبك ويساويها في المغرب كنبغيك، ويوجد اعلان شهير بالشوارع هناك يقول: الفرحة كتجمعنا ومعناها الفرحة تجمعنا!.. كانت الفتاة تطلب من الشاب ان يقول لها «كنبغيك» لتسجلها وتسمعها لصديقتها وتضحكان!.. يا للمسكين.. هو كيبغيها وهي كتهزأ به!

أسامة غريب
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
270.0135
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top