مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

أفكار وأضواء

من ينقذ فن النحت السعودي؟

خليل علي حيدر
2014/02/20   12:36 ص

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

من مشاكل ضعف الحياة التشكيلية غياب التعليم الفني لنشر الوعي وضمان إقبال الشباب
أصبحت الفتيات والفنانات يخجلن من أسمائهن ويلجأن إلى أسماء مستعارة أو اختصار الاسم


توقيع الرسام أو النحات على العمل الفني كما هو معروف، يزيد من قيمته ويوثقه ويسهل عمل الباحثين ويحفظ للفنان مكانه وعطاءه الفني. ولكن مثل هذا الاجراء المعروف، كان وربما لايزال، مشكلة في الحياة الثقافية الفنية بالمملكة العربية السعودية، ان كان هذا العمل الفني من ابداع امرأة!.
فقبل عامين مثلا، تحدثت صحيفة الشرق الأوسط عن ان الفنانة التشكيلية السعودية «منال الضويان» تقوم بالاعداد لمعرض جديد في مدينة جدة.. يحمل عنوان «اسمي»! وفيه تستكشف كيفية تعامل المجتمع مع اسم المرأة واحساس المرأة ذاتها بالتعبير عن نفسها عبر ذلك الاسم [2011/12/29].
تقول «الضويان» في حديث مع الصحيفة، ان الفكرة بدأت تدور في ذهنها «عبر مناقشة مع عدد من الفتيات من بلدان مختلفة أثناء موسم الحج، وتبلورت الفكرة في مناقشة مع أستاذة جامعية حول اسم المرأة والمحظورات المرتبطة به في المجتمع».
وتضيف قائلة: «من الملاحظ ان الرجال لا يحبون ذكر أسماء زوجاتهم أو والداتهم أمام الآخرين، والأمر يمتد الى باقي العائلة. الآن الوضع تطور وأصبحت حتى الفتيات والفنانات يخجلن من اسمائهن ويلجأن الى أسماء مستعارة أو يقمن باختصار الاسم بحيث لا يذكرن اسم العائلة على سبيل المثال. إنها ظاهرة اجتماعية سعودية. وعبر نقاشي مع الكثيرات حاولت الوصول الى أسبابها، فهي بالتأكيد ليست لها علاقة بالدين، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يفخر بزوجاته وبناته ولم يخف أسماءهن. وأيضا لا يبدو ان المجتمعات البدوية تعاني من ذلك أيضا، فنحن جميعا نعرف المثال الأشهر للملك عبدالعزيز رحمه الله الذي كان يفتخر بأنه «أخو نورة».
وهكذا، فإن «ورش العمل انطلقت من التعريف بالفنانة وعملها الى دعوة الحاضرات الى كتابة اسمائهن كاملة على كرة أمامهن، كل امرأة هنا كانت تقول بكل ثقة: هذا هو اسمي أعرضه لكل الناس».
المشروع الذي اقترحته الفنانة «منال الضويان»، المعروفة في مجال التصوير الفوتوغرافي والتركيب، نجح في اثارة رغبة بعض الرجال الذين طلبوا ان يقوموا بكتابة أسماء بناتهم على تلك الكرات، التي قالت انها ستضم فيما يشبه السبحة الضخمة التي ستعلق في المعرض، وأضافت: «أرى ان السبحة ترمز للأمل، فالانسان يستخدمها للدعاء والأمل في الاجابة، وأراها أيضا تمثل حلقات متصلة تربط بين النساء في مختلف أنحاء السعودية».
في فبراير من العام 2013، شهدت مدينة جدة مجموعة من الفعاليات الفنية تحت مظلة «أسبوع جدة الفني»، شملت معرضا للفن العربي المعاصر أقامته «دار سوذبي» اللندنية في أول معارضها بالمملكة، كما أقيمت على هامش المعرض معارض أخرى مستقلة عرضت أعمال «مجموعة من الفنانين السعوديين الواعدين». من المشاركات، تقول «عبير مشخص» في تقرير لها لصحيفة الشرق الأوسط، الفنانة «مها الملوح» التي استبشرت بانتعاش الفن مع تزايد عدد الفنانين السعوديين الشباب.
أما الفنانة المصورة «منال الضويان»، فقالت: «لا توجد لدينا صناعة فنية، لكن لدينا حركة فنية نشطة، فاذا اخترت ان تمارس الفن فأعد نفسك لفترة من التقشف المادي». وأضافت: «يوجد لدينا دعم محدود جدا، مع وجود نحو اثنين من «الغاليريهات» المختصة في المملكة، ولا متاحف ولا أماكن عرض ولا منح فنية ولا مؤسسات أو برامج لاقامة الفنانين». غير ان الحركة الفنية على الرغم من هذا كله، تقول الضويان، أقوى في السعودية من بقية دول الخليج: «في السعودية لدينا واحدة من أكثر الحركات الفنية حيوية مقارنة ببقية المنطقة في الخليج، ورغم الدعم المادي في تلك الدول لفنانيها والمتاحف الضخمة التي يجري بناؤها هناك». الدعم الرسمي من داخل المملكة، يقول محمد المنيف، رئيس مجلس ادارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية ومحرر الفنون بجريدة «الجزيرة»، يظل دون المطلوب، و«من المؤسف ان الفن التشكيلي في المملكة يقع في آخر قائمة الاهتمام الثقافي مقارنة بما يحظى به هذا الفن في دول أخرى قريبة، خصصت فيها للجمعيات والنقابات ميزانيات».
ومن مشاكل ضعف الحياة التشكيلية في الثقافة الفنية السعودية، كما يرى الفنانون غياب التعليم الفني، أحد أهم الأدوات لنشر الوعي الفني وضمان اقبال الشباب على تنمية مواهبهم، وتقول نعيمة السديري «لقد تقابلنا مع عدد كبير من المواهب الجديدة وأعتقد ان هناك حاجة ملحة لدعم هؤلاء». الدعم يكون عبر مساحات العرض وكذلك عبر التعليم: «التعليم هو المفتاح». ومن المؤسف، يقول المنيف، «أن تفتقر المملكة إلى الأكاديميات المتخصصة في الفنون الجميلة.. مثل هذه الأكاديميات تم التعويض عنها بكليات أو أقسام التربية الفنية بجامعاتنا». [2013/3/14].
وقد عمدت أربع تشكيليات سعوديات قبل عامين، وبعد تخرجهن في الدراسات العليا ونيلهن لدرجة الماجستير في التربية الفنية من جامعة الملك سعود بالرياض، الى تشكيل جماعة باسم «ديجا فو آرت»، بهدف «تنمية الذائقة الفنية للمجتمع في السعودية، وتعريفه بالفنون البصرية والتشكيلية تحديدا». وقد ضم معرضهن ما يفوق خمسين عملاً فنيا منوعا ما بين لوحات ومنحوتات خزفية وصور فوتوغرافية. من هؤلاء الفنانات التشكيليات البندري الحسينان وسلطانة آل مقرن وسارة العبدالواحد. [الشرق الأوسط، 2011/10/12].
وبعكس الرمزية الطاغية على الكثير من اللوحات تجنباً للحرج الديني من رسم ملامح الأشخاص، عرضت الرسامة زهرة بوعلي في مدينة الخبر، شرقي السعودية، مجموعة من «لوحات البورتريه» وجاء في التقرير الصحفي في الشرق الأوسط، أن الفنانة السعودية عاشت طفولتها بمدينة الاحساء، وحصلت عام 1996 على بكالوريوس الفنون الجميلة من كندا، واهتمت في حياتها الفنية المبكرة برسم الوجوه القريبة منها ومن الذين عاشوا حولها وتركوا أثراً في ذاكرتها. [2012/5/29].
يشتد هجوم المتشددين في المملكة، بعد تصوير الأشخاص والحيوانات وفن البورتريه على فن النحت! فأي منحوت له ملامح انسانية أو حيوانية تسميه الأوساط الدينية السلفية بالصنم. واذا كان الفنان التشكيلي يعمل في مجال النحت، فهو مستهدف وفي وضع حرج بلا شك.
وفي تقرير عن معرض «صُنع في مكة» بقلم الناقدة «عبير مشخص»، الشرق الأوسط، 2012/10/6، تتحدث الكاتبة عن جملة من المعروضات الفنية من بينها مجموعة تماثيل للفنانة نهى الشريف، تقول عنها: «النساء المتشحات بالسواد متوحدات في الشكل وفي ايماءة الصلاة التي يؤدينها جماعة، لا نميز لهن ملامح، إذ حرصت الفنانة على تجريدهن بشكل كبير لتنعدم الملامح وتتوحد الأشكال». لقد عاشت نهى الشريف في مدينة جدة في طفولتها، وقد تأثرت بالمجسمات الشهيرة التي تتوزع على كورنيش المدينة وتقول: «في النهاية أعمل مجسمات تبسيطية لا تحمل ملامح، هي مجسمات روحانية خالصة».
ويصف البعض فن النحت في السعودية بأنه «فن يتيم» لا أحد يتبناه أو يهتم بحاله، على الرغم من أنه يزين الساحات والميادين وصالات الاستقبال، لكن لا أحد يحتضن رواده ومبدعيه. «فرغم الاهتمام الذي تبديه وزارة الثقافة والاعلام بالفنون، فإن النحت يكاد يكون الفن الوحيد الذي لم ينل نصيبا من كعكة الاهتمام»، كما يقول بعض المتابعين!.
بعض النحاتين السعوديين رغم هذا الضغط، يقول فتح الرحمن يوسف، «وصلوا الى العالمية، ومن بينهم الراحل عبد الحليم الرضوى الذي ما تزال بعض أعماله النحتية قائمة في بعض ميادين جدة وينبع وجامعة الملك سعود بالرياض، وكذلك الفنان الراحل عبدالله العبداللطيف، الذي درس النحت على الحجر في الولايات المتحدة، والفنان محمد السليم، الذي أبدع فنونا نحتية على البرونز، بالاضافة للفنان كمال المعلم، الذي وصلت أعماله النحتية للصين». [الشرق الأوسط، 2011/12/11].
وقد نشرت الصحافة قبل أكثر من عام تأكيدا من وزارة الثقافة والاعلام حرصها على اقامة المناسبات الخاصة بالنحت، ومنها ما سيكون في معرض «سمبوزيم الدوادمي للنحت» في فبراير 2012. وقد أكد د.ناصر الحجيلان، وكيل وزارة الثقافة في حديث للشرق الأوسط «أهمية فن النحت في حياة المجتمع». غير ان الضغوط الدينية «جعل هذا الفن محصورا في مدينة سعودية واحدة، وهي مدينة جدة»، وقال فنانون نحاتون للجريدة «إن فن النحت محارب في المدن السعودية» [2012/1/22].
وقد نشرت الصحيفة في فبراير 2013 صفحة ثقافية عن النحاتين السعوديين بعنوان «لا نصنع أصناما.. النحت السعودي يمشي على استحياء». وفي مقابلة نشرتها «القبس» الكويتية قبل شهرين، 2013/6/9، تحدث النحات السعودي «علي الطخيس» للصحيفة في مقابلة معه قال: «لكي يأخذ فن النحت مكانه الصحيح وسط منظومة الفنون، يجب ان يعترف به أولا من المجتمع ومن الجهات المختصة كفن يمكن ان يقدم الكثير للتاريخ الثقافي للمملكة ولشعبها». وعن الصعوبات التي تجابه النحات قال: «لكي يمارس النحات عمله يجب عليه أن يحصل في البداية على الأحجار المناسبة للنحت وهذا لا يتوافر بسهولة، كما أن النحاتين يجدون في الغالب صعوبة في التعامل مع الأدوات الكهربائية المستخدمة في النحت، فهذه الأدوات لا تعمل في أي مكان خاصة الأماكن النائية التي يمكن أن يرغب النحات في استخدام حجارتها، أضف إلى ذلك يجد النحات صعوبة بالنحت داخل الأحياء، لما تسبب أصوات الأدوات من إزعاج للجيران، وأيضا يجد صعوبة في حمل منحوتاته للمشاركة في المعارض». وسألته الصحيفة: النظر الى النحت باعتباره «تخليقا»، ألم يتسبب لكم في مشكلات مع التيار الديني؟، فأجاب: «نحن في مجالنا النحتي ابتعدنا عن المواضيع التي تدور حولها الشبهات، فسلكنا مسارا يعطي قبولا لدى التيار الديني، فبدأنا في التعامل مع النحت التجريدي، ونعتقد أنه مع مرور الوقت سيكون النحت مألوفا لدى الجميع».
ورغم هذا، يقول الفنان، كان لهذه المناوئة من التيار الديني «أثر مباشر في عدم وصول فن النحت الى المكانة التي يستحقها في المجتمع».. وطالب النحات بفتوى رسمية تبيح فن النحت!.
وكان النحات السعودي في مقابلة أخرى، قد عزا ضعف الاهتمام بفن النحت في السعودية الى قلة النحاتين المحترفين، وحداثة الاهتمام بهذا الفن في المجتمع». أما زميله النحات «عصام جميل»، فقد علل في نفس الصحيفة ضعف الاهتمام هذا لـ«عدم استيعاب مفهوم النحت»، وأضاف: «نقص الاحترافية في تقديم هذا الفن من الناحية النظرية والعملية وقلة المشاركات الخارجية وعدم وجود مهرجانات محلية تعنى بالنحت.. كلها أضعفت الاهتمام به في السعودية».
وبعكس هؤلاء، يرى سلطان البازعي، رئيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون ان «هناك قبولا متزايدا بفن النحت، فالمدن السعودية أخذت تسارع لتزيين ميادينها وشوارعها بالمنحوتات». ورحب المسؤول الثقافي بفكرة تأسيس جمعية لمختلف المجالات الفنية، ولكن «ليس من صلاحية الجمعية تأسيس جمعية خاصة بفن النحت، فوزارة الثقافة والاعلام هي المخول الوحيد لتأسيس جمعية لفناني النحت» [الشرق الأوسط، 2013/2/3].
أما النحات السعودي «ضياء عزيز»، فقد طالب علماء المملكة بإصدار فتوى صريحة تحسم أمر فن النحت بين الحرمة والتحليل قائلا: «ليس من الانصاف أن أبقى كل حياتي كفنان أعيش وأموت في مجال فن النحت، وفي النهاية يتملكني إحساس مرعب بأنني أمارس شيئاً حراماً مصيره جهنم، كما يقول الآخرون، ومنهم أولادي».
ولكن ماذا قال علماء الدين في المملكة العربية السعودية بخصوص فن النحت والتصوير والفنون التشكيلية والسينما؟ هذا ما سنعرضه في مقال آخر.

خليل علي حيدر
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
2956.9917
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top