مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

إضاءة

تناقضات المجتمع.. ومسؤولية المثقف

فاخر السلطان
2014/02/13   09:25 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

كيف يمكن أن يرفعوا شعار احترام حقوق الضعفاء وهم يعاملون فئة الخدم بصورة تشتم منها رائحة العبودية


كيف يمكن أن يجمع المسلمون، وفي آن واحد، بين السلوك الإنساني وكذلك غير الإنساني؟ كيف يمكن ان يدعوا الى احترام حقوق الإنسان وأن يمارسوه على نطاق ضيق من حياتهم، وفي نفس الوقت يدعون الى عدم احترام تلك الحقوق ويمارسونه على نطاق واسع؟ كيف يمكنهم ان يدعوا للاثنين وأن يمارسوا الاثنين؟ كيف يزعمون احترام حقوق المرأة ويصيغون بعض القوانين في هذا الجانب، وفي نفس الوقت يرفضون مساواتها في الحقوق مع الرجل ويعتبرونها تابعة، مطيعة له، وخاضعة له؟ كيف يمكن ان يرفعوا شعار احترام حقوق الضعفاء وهم يعاملون فئة الخدم بصورة يُشتمُّ منها رائحة «العبودية»؟ كيف يدعون الى المساواة ويسعون الى ممارستها، وفي نفس الوقت يدعون الى التمييز ويمارسونه أيضا؟
ما نستنتجه من تلك الأسئلة، هو ان بعض المسلمين يعيشون «تضادّا» معرفيا، يميلون الى مرحلتين ثقافيتين.فهُم مابرحوا يزعمون احترام حقوق الإنسان، وهو زعم يغلب عليه الشعار وتنتفي منه الممارسة، في حين غالبية سلوكهم تشير الى انتمائهم لعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية التي لا ترتبط بصلة ثقافية ومعرفية بتلك الحقوق. والأسئلة التي قد تُطرح هنا هي: لماذا ظلت تلك المزاعم مجرّد مزاعم؟ لماذا باتت شعارا أكثر من كونها ممارسة؟ لماذا لم تترسخ كثقافة في حياة المسلمين، تؤثر في سلوكهم، وتهيمن على ممارساتهم؟
يبدو ان هناك اجابات متفرقة عن تلك الأسئلة. وأجد ان احداها ترتبط بدور النخب الفكرية والثقافية الاصلاحية في المجتمع، ومسؤوليتها في كشف هذا التناقض المعرفي، ما يحتّم توجيه سؤال مباشر الى مختلف فئات المجتمع، بهدف الحصول على اجابة واضحة تعمل على كشف هذا التناقض وتساهم في اختيار الثقافة التي تعزّز جانب حقوق الإنسان. والسؤال هو: اذا كنت تؤمن بحقوق الإنسان الحديثة وتدعو الى احترامها بصورة عملية، فكيف في الوقت نفسه تدافع عن السلوك المناهض لتلك الحقوق؟
يُعتبر الزعيم الأمريكي الأسود الذي تولى الدفاع عن الحقوق المدنية في أمريكا، مارتن لوثر كينغ، والذي كان واعظا بروتستانتيا، نموذجا للشخصية التي استطاعت ان تتغلب، معرفيا وعمليا، على العادات والتقاليد العنصرية التي تنتصر للجنس الأبيض.لذلك، استخدم أعداء كينغ ومنافسوه تهمة الالحاد ضده واعتبروه شيوعيا معاديا لأمريكا.وحين تبحث في حياة كينغ، خاصة حياته الفكرية، ستجد أنه تبنى مصدرين في نضاله الحقوقي: بيان الاستقلال المرتبط بحقوق الشعب الأمريكي، والانجيل أو الكتاب المقدس. وعليه فمن غير المنطقي وصفه بالملحد، أو بأنه عدو لأمريكا. بل من المنطقي وصفه بعدو الأفكار التمييزية العنصرية، وبأنه انتصر لأمريكا الحقوقية.
ان اعتماد كينغ على هذين المصدرين أدى به الى تحدّي الدعاة التمييزيين، فدعاهم الى مناظرته. واستطاع من خلال خطبه وكتبه ودعوات المناظرة تلك ان يجعل الكثير من الأمريكيين البيض والسود يلتفون حوله ويدعمون مطالبه، خاصة وأنه اعتمد في تحرّكه على ذكر مواقف رؤساء أمريكيين مناهضين للعنصرية، كجورج واشنطن وابراهام لينكولن. ورغم أنه أفدى نفسه في سبيل هذا النضال، فإنه استطاع ان يعايش الفترة الزمنية التي أعلن خلالها الرئيس الأمريكي ليندون جونسون الغاء القوانين العنصرية. لكن، يجب الاشارة هنا الى ان نضال كينغ لم يكن هو الدافع الوحيد لالغاء تلك القوانين، بل سبقه الكثير من الجهود الفكرية والثقافية التي هيّأت أجواء هذا التغيير وسهّلت تحقيقه.
وتجب الاشارة أيضا الى ان تلك الجهود، الثقافية/ الحقوقية/ المدنية/ السياسية، التي توّجت بالغاء القوانين العنصرية، نابعة من همّ تعاني منه البشرية جمعاء لا الشعب الأمريكي فحسب. وتتباين صور تلك المعاناة، لكن الشعوب تشترك في ضرورة معالجته. وهذا ما أدّى بمارتن لوثر ان يصبح أيقونة عالمية، وأن تصبح كتبه وخطبه وشعاراته ونضاله بمنزلة ثقافة كونية. فرغم مختلف التباينات الثقافية بين الشعوب، الا أنها تتفق في بعض الثقافات التي أصبحت مشتركة بين الجميع، مثل الحقوق المدنية واحترام كرامة الإنسان.مع ذلك، فإن بعض الشعوب ترفع شيئا وتمارس شيئا آخر، ترفع شعار احترام حقوق الإنسان، وفي نفس الوقت ترفع شعارا آخر يحط من كرامة الإنسان ويهينها عمليا.
وتشير نتائج استطلاعات أجريت في 44 دولة كجزء من مشروع مركز «بيو» للبحوث العالمية ان الناس في الدول الإسلامية يضعون قيمة كبيرة للحريات الفردية، ولحرية الرأي والتعبير، ولتعددية الأحزاب، وللمساواة أمام القانون. لكن واقع الحال يشير الى عكس ذلك تماما. فبعض المسائل والموضوعات التي تندرج تحت بند حرية الرأي شبه مخنوقة، بدءا من داخل الأسرة، مرورا بالمدرسة، وصولا الى الساحة السياسية/ الاجتماعية من خلال القوانين «المتناقضة» التي تنظمها. فاذا تمعنّا بوضع منطقة الخليج العربي فقط، وركّزنا على الكويت لأنها تنعم بحريات سياسية واجتماعية تفوق جاراتها، نجد أن هناك توافقا شبه عام على تغليظ عقوبة المختلف بالرأي حتى الوصول الى «الاعدام» في بعض القضايا التي تمس الدين. وحول المساواة أمام القانون فحدّث ولا حرج، بل لا يمكن الحديث في هذا الجانب بسبب حساسيته المفرطة. أما بشأن الحريات الفردية والمساواة، فالعادات والتقاليد الاجتماعية، وهي بالمناسبة عادات وتكاليف شعبية، تقمع المتحدّث بشأنهما وتهدّده بعقوبات اجتماعية وقانونية.
المثير في استطلاع «بيو» هو في الجانب الآخر من النتائج، التي تشير الى ان المسلمين يفضلون هيمنة الوجه الاجتماعي للدين التاريخي على حياتهم الراهنة... هل هناك تعارض بين التوجّهين؟ ألا يجدر بمركز «بيو» ان يسأل المستطلعين كيف يمكنكم ان تجمعوا «الضدَّين»؟ أعتقد بأن مهمة «بيو» انتهت عن طريق كشفه هذا التّضاد، وأن مسؤولية المثقفين الاصلاحيين تبدأ من هنا، من معالجة هذا التضاد، وفي اعتبار أنه لا يمكن ان نرفع شعار احترام حقوق الإنسان، وفي نفس الوقت لا نجزع من انتهاك تلك الحقوق.

فاخر السلطان
fakher_alsultan@hotmail.com
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
395.0059
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top