خارجيات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

واشنطن بوست

واشنطن مسؤولة عن كوارث الشرق الأوسط

2014/01/18   06:50 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
واشنطن مسؤولة عن كوارث الشرق الأوسط



بقلم – فريد زكريا:

أصبح الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية منطقة تتّسم بالعنف على نحو غير عادي على الإطلاق، فها هو العراق عاد ليكون مسرحاً لواحدة من أكثر الحروب الأهلية دموية وضراوة بعد سورية التي هي الأسوأ بالطبع.
هذا التطور للأحداث على هذا الشكل الرهيب جعل الكثيرين في الولايات المتحدة مقتنعين أن واشنطن هي المسؤولة عنه أو ان نهج إدارة أوباما السلبي إزاء المنطقة هو الذي سمح للفوضى وعدم الاستقرار بالسيطرة عليها. وهذا يعني أن آخر شيء تحتاجه هو عودة أمريكا للتدخل فيها من جديد.
فالشرق الأوسط يشهد الآن صراعاً طائفياً مماثلاً لما حدث بين الكاثوليك والبروتستانت في أوروبا في عصر الإصلاح، وفي مثل هذه الصراعات لا تزول بسهولة عادة أسباب التوتر والمشاحنات لأنها تعود في أصولها للسياسة والتاريخ.
غير أن هناك ثلاثة عوامل أدت بنا الى هذا الوضع للأحداث.
الأول: بُنية دول الشرق الأوسط، فالشرق الأوسط الحديث رسمت حدوده في الواقع القوى الاستعمارية عند نهاية الحرب العالمية الأولى.
إلا أن الدول، التي رسمت بريطانيا وفرنسا حدودها دون تروٍّ، كانت غير متجانسة، وتألّفت من مجموعات متفاوتة من الناس لم يحكمها كيان واحد تاريخياً. فالعراق تشكّل، على سبيل المثال، من ثلاثة أقاليم عثمانية لم يكن هناك الكثير مما يجمعها فيما بينها.

استراتيجية تتّسم بالدهاء

ومن الملاحظ أن القوى الاستعمارية كانت تختار عادة بل ودائماً الحكام الذين ينحدرون من مجموعات الأقليات، وهذه استراتيجية تتسم بالدهاء لأن أي نظام يستند في وجوده الى أقلية ما سوف يكون دائماً بحاجة للمساعدة من جانب قوة خارجية ما كي يستمر في الحكم، وهذا ما حدث في سورية.
فعندما واجه المستعمر الفرنسي ثورة وطنية فيها في عقدي الثلاثينيات والأربعينيات، عمد الى تجنيد أبناء الطائفة العلوية الذين أصبحوا يهيمنون على الجيش على الرغم من أنهم يشكّلون أقلية في سورية.
العامل الثاني، الذي لعب دوراً فيما تشهده المنطقة من أحداث الآن، هو بروز المدّ الإسلامي الأصولي.
بيد أن أسبابه متنوعة، وهي تتمثل في انتشار الأفكار المتزمتة، ومجيء الثورة الإيرانية وتشويه سمعة الغرب لأن الجمهوريات العلمانية في المنطقة تحوّلت الى دكتاتوريات عسكرية.
والحقيقة أن أهم دول الشرق الأوسط – مثل مصر عبدالناصر على سبيل المثال – لم تكن طائفية بل وأكدت على نهجها العلماني، لكن لما فشلت هذه الأنظمة مع مرور الوقت، بدأت تعتمد بشكل متزايد على المجموعات والعشائر الموالية لها. وهذا واضح في عراق صدام حسين الذي تحوّل من نظام علماني الى نظام طائفي معتدل ثم متطرّف في تسعينيات القرن الماضي.
أما العامل الثالث، فهو يتعلق بواشنطن وغزوها العراق. فإذا كان هناك عمل واحد عجّل في اندلاع الصراعات الطائفية في الشرق الأوسط، لن يكون هذا العمل إلا قرار إدارة الرئيس جورج بوش الإطاحة بنظام صدام، وتفكيك كل بنيته السُّنّية التي تمسك دفة السلطة ومن ثم تسليم الدولة العراقية للأحزاب الدينية الشيعية.

هاجس التغيير

في ذلك الوقت، كانت واشنطن تعيش هاجس تغيير الشرق الأوسط، ولم تهتم كثيراً بالأبعاد الطائفية التي ستطلقها هذه العملية. وأذكر أني التقيت برئيس الحكومة الراهن نوري المالكي في عام 2005، ولم يكن قد تولّى السلطة بعد، ووجدته شيعياً متشدداً متمسكاً بآراء دينية وميالاً بقوة لاتخاذ إجراءات متطرفة نحو السُّنّة كعقاب لهم.. لذا، لم أشعر أنه رجل يسعى للمصالحة الوطنية.
وبدا لي واضحاً انه يميل جداً للنظامين السوري والإيراني لأنه عاش مع عدد من زملائه لعقدين تقريباً حياة النفي الاختياري في سورية والعراق.
بيد أن مسؤولي إدارة بوش لم يأخذوا بمشاعر القلق التي عبّرت لهم عنها وأبلغوني أن المالكي يؤمن بالتعددية والديموقراطية.
ولاشك أن عواقب تلك السياسات واضحة الآن. فالشيعة يمعنون اليوم في اضطهاد السُّنّة وبمباركة واشنطن على ما يبدو. وتكفي الإشارة هنا الى أن أكثر من مليوني عراقي، معظمهم من السُّنّة والمسيحيين هربوا من البلاد دون رجعة.
لكن ثمة سُنّة لايزالون يعتقدون أن بإمكانهم العودة للسلطة، وهم يخوضون اليوم قتالاً ضد الحكومة وأصبحوا أكثر تطرفاً. ومن الملاحظ انهم ينتمون لعشائر ترتبط بالدم ونسب القرابة مع عشائر سُنّية أخرى في سورية أصبح أبناؤها أيضاًَ متشددين بسبب ما يحدث في العراق.
والآن، مع تأجج الصراع في العراق، خرجت علينا مجموعة من مسؤولي إدارة بوش بالقول: لو أن الولايات المتحدة كانت أكثر نشاطاً في العراق، وتركت بضعة آلاف من الجنود الأمريكيين فيه، وحاربت ميلشيات السُّنّة، وضغطت على المالكي أكثر، لكانت الأمور مختلفة جداً عما هي عليه اليوم.
غير أن هؤلاء لا يسيئون فقط فهم طبيعة الصراع العميق في الشرق الأوسط، بل ولا يدركون أن وقوف واشنطن بجانب أحد طرفي هذا الصراع جعل المسائل فيه أكثر تعقيداً وسوءاً.
إن عودة واشنطن للتدخل من جديد في صراع ديني وسياسي معقّد لن يكون في حال حدوثه سوى بمثابة صبّ المزيد من الزيت على النار في الشرق الأوسط.

تعريب نبيل زلف


أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
80.0106
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top