كونا- يبدأ الرئيس الايراني حسن روحاني زيارة لاوروبا غدا الاثنين تشمل ايطاليا وفرنسا يدشن خلالها عودة بلاده إلى المجتمع الدولي وخروجها من عزلة دامت سنوات بعد إبرامها الاتفاق النووي مع مجموعة (5+1).
وتأتي زيارة روحاني لأوروبا عبر روما تأكيدا جديدا على خصوصية العلاقات الثنائية واتساع المصالح بين البلدين وكسر القطيعة الدبلوماسية بعد الاتفاق النووي.
ولا يستغرب أن يحرص الرئيس روحاني على بداية عهد جديد في العلاقات الايرانية الغربية عبر البوابة الايطالية حيث فتحت روما أبوابها قبل 16 عاما لسلفه محمد خاتمي في مارس 1999 في زيارة تاريخية تعتبر الأولى من نوعها بعد الثورة الايرانية وانهيار علاقات طهران مع الغرب.
ورغم جذور العلاقات الثنائية الايطالية - الايرانية القديمة فانها اكتسبت خصوصيتها في القرن الماضي عندما تجرأت شركة آجيب النفطية الايطالية عام 1957 على كسر احتكار كونسورتيوم شركات النفط البريطانية - الأمريكية - الهولندية - الفرنسية لصناعة النفط الايرانية.
وفي منتصف التسعينيات مدت روما التي لم تقطع حبل العلاقات مع طهران يدها الى ايران لكسر عزلتها الغربية الدبلوماسية عام 1996 عبر مبادرة "الحوار النقدي" التي تبناها رئيس الوزراء لامبيرتو ديني الذي توجه بعد عامين كوزير لخارجية حكومة رومانو برودي الى طهران في أول زيارة لمسؤول حكومي أوروبي على هذا المستوى.
ورغم الفتور الذي حل بالعلاقات الايطالية - الايرانية مع بروز الملف النووي أثناء فترة رئاسة أحمدي نجاد في طهران وسيلفيو بيرلسكوني في روما فان العلاقات الاقتصادية والتجارية لم تتوقف حيث ساهمت الشركات الايطالية بشكل بارز في مشروعات البنية التحتية الكبرى في ايران مثل مرفأ بندر عباس.
وأبدت الحكومات المتعاقبة في روما ندمها لعدم انضمام ايطاليا وما لها من مصالح اقتصادية واسعة مع ايران الى مفاوضات مجموعة (5+1) وغيابها بقرار متسرع في ذلك الوقت من قبل حكومة رئيس الوزراء بيرلسكوني الذي قام وزير خارجيته فرانكو فراتيني بآخر زيارة لطهران في عام 2004.
وسعت ايطاليا من خارج مجموعة المفاوضات الى أن تبقي أبواب الحوار مع طهران مفتوحة حيث قامت بعد انتخاب الرئيس روحاني بدور نشيط في تسهيل المفاوضات بين ايران والعواصم الغربية ومجموعة (5+1) بعد أن بادرت باستقبال وزير الخارجية محمد جواد ظريف في 19 نوفمبر 2013.
واستمرت طهران في اشراك ايطاليا بمختلف مراحل المفاوضات عبر المشاورات السياسية والدبلوماسية والتقنية بين وزراء الخارجية الايطاليين المتعاقبين ووزير الخارجية ظريف الذي واصل التردد على روما التي استضافت قمة أمريكية - ايرانية لتذليل آخر العقبات.
ومن جانبها استمرت ايطاليا التي أرسلت وزيرة خارجيتها ايما بونينو في أول زيارة لطهران في ديسمبر 2013 في الدعوة الى اشراك طهران في مساعي حل الأزمة السورية والاعتراف لها بدور فاعل في القضايا الاقليمية وصياغة التوازنات الجديدة.
وعلى خلفية هذه العلاقات السياسية بين روما وطهران تقف بقوة المصالح الاقتصادية والتجارية الواسعة التي تتطلع ايطاليا الى جني ثمار انفتاحها والعودة الى المستوى المتقدم كأحد أهم شركاء ايران التجاريين وتعويض الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي تحملتها شركاتها وصادراتها نتيجة تطبيقها العقوبات التي فرضها حلفاؤها الغربيون.
وفور توقيع الاتفاق النووي سارع وزير الخارجية باولو جينتيلوني وزميلته وزيرة التنمية الاقتصادية فيديركا غويدي بزيارة طهران في أغسطس الماضي بمرافقة وفد حافل من رؤساء المؤسسات المالية والمصرفية والاتحادات المهنية في مختلف القطاعات وقيادات كبرى الشركات الايطالية.
وأثمرت هذه الزيارة التي سبقت زيارات الوفود الغربية المتعاقبة على طهران ابرام عدد من الاتفاقيات والتفاهمات الائتمانية المالية والاستثمارية والتجارية الأولى التي تبرمها دولة أوروبية مع ايران عقب التوصل الى الاتفاق النووي.
وبلغ اجمالي حجم التبادل التجاري بين ايطاليا وايران في النصف الأول من عام 2015 الجاري وفق آخر البيانات قرابة 408 ملايين يورو شكلت صادرات ايطاليا نحو 277 مليون يورو مقابل واردات بلغت 131 مليون يورو بينما أكد وزير الاقتصاد الايراني علي طيب نيا امكانية زيادتها الى ثلاثة مليارات دولار في المستقبل القريب.
وعلى الجانب المقابل أكدت وزيرة التنمية الاقتصادية رغبة حكومتها في استئناف العلاقات الاقتصادية والتجارية الممتازة التي كانت ايطاليا الشريك التجاري الأول لطهران حتى عام 2011 بحجم ميزان تبادل بلغ نحو سبعة مليارات يورو بالاضافة الى عمل جميع كبرى شركاتها في ايران.
وفي ظل اضطراب أسواق الطاقة نتيجة انهيار أسعار النفط وآثاره المقلقة على مجمل الاقتصاد العالمي هدأ الرئيس المفوض لمجموعة (ايني) النفطية الايطالية كلاوديو ديسكالتسي من مخاوف عودة النفط الايراني موضحا أن قدرات ايران على زيادة انتاجها النفطي تبقى محدودة نتيجة تهالك وتقادم البنية التحتية للقطاع وحاجته لاستثمارات بنحو 150 مليار دولار لتحديثه.
واستبعد ديسكالتسي تهافت شركات النفط العالمية للمساهمة في استثمارات ضخمة بهذا الحجم في ظروف السوق الحالية والمنظورة في الوقت الذي تشهد الاستثمارات العالمية في القطاع تراجعا سنويا بمعدل يتراوح بين 140 و150 مليار دولار لكنه أكد اهتمام (ايني) "التي لم تغادر ايران قط" بالمشاركة في عملية تحديث قطاع النفط الايراني.
وسيلتقي روحاني خلال زيارته مع الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا قبل أن يجري محادثات مع رئيس الوزراء ماتيو رينتسي يتناول خلالها الجانبان الملفات الاقليمية الساخنة وفي مقدمتها الأزمة السورية ومحاربة الارهاب.
كما يحتل ملف التعاون الاقتصادي والصناعي مكانة محورية على جدول هذه الزيارة المنتظر أن تسفر عن توقيع العديد من الاتفاقيات المهمة التي تتجاوب مع تطلعات الشركات الايطالية للمشاركة في مشروعات الصناعات الايرانية الضخمة في القطاعات النفطية والطاقة المتجددة والبنى التحتية الصناعية والصحية.
وكان يفترض أن يقوم روحاني بهذه الرحلة في نوفمبر الماضي لكنه اضطر لإلغاء الزيارة إثر اعتداءات باريس في ال13 من الشهر نفسه.