مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

طرف الخيط

ليبيا.. تحترق

خليل علي حيدر
2015/01/20   09:53 ص

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

الأنظمة الاستبدادية لا تدمر حاضر بلدانها بل وتدمر كذلك المستقبل


كم هو مؤلم ومخيب للآمال، ولطموحات وتطلعات الشعب الليبي، ومن تمنى له الخير بعد خلاصه من دكتاتورية «القذافي»، وحش طرابلس الذي جثم على صدره نحو اربعين عاما، كم هو محزن ان تغرق ليبيا في كل هذا الاقتتال والدمار، والتفجيرات والتصفيات، وان يكتشف المراقب للاحداث منذ نشوب الثورة في طرابلس ونجاحها في الاطاحة بنظام الطاغية، ان نجل القذافي «سيف الاسلام»، لم يكن مخطئا ومبالغا، عندما تنبأ عشية سقوط حكم والده، بفشل هذه الثورة، وبنشوب الحرب الاهلية، واحتراق النفط، وتنازع القبائل والمناطق، وباختصار دمار البلاد!.
ويتضاعف الالم عندما ينظر الانسان في مؤهلات التقدم والرخاء في ليبيا من حيث سعة الارض وقلة السكان وضخامة الثروة النفطية والقرب من اوروبا، وكل مسلتزمات بروز دولة حديث وشعب ينافس في رفاهية اثرى الدول العربية، الا اننا نجد ان الامور تسير عكس كل هذه التوقعات، حيث الخراب يزداد والنيران تمتد والبؤس يعم شرق البلاد وغربها، ومؤسسات النفط والمطارات تتعرض للقصف والتفجير والاحتراق.
وقد افادت تقارير ميدانية واردة من ليبيا، «بأن رجال المطافئ فشلوا مساء امس، 2014/12/27، في السيطرة على الحرائق التي اندلعت في مستودعات النفط الخام في مرفأ السدرة النفطي، الذي يعد احد اكبر المرافئ النفطية في ليبيا، وامتدت الحرائق المستمرة في ثلاثة من مستودعات النفط الى مستودع رابع امس، الامر الذي دفع الحكومة الليبية الى طلب مساعدة دولية، رغم «الجهود الحثيثة» لإخماد الحرائق المندلعة منذ الخميس اثر اصابتها بصاروخ اثناء معارك بين القوات الحكومية وعناصر من ميليشيات «فجر ليبيا» وعناصر من فصائل اخرى موالية لها، وحذرت الحكومة من مخاطر بيئية خطيرة تهدد المنطقة بأكملها». (الاتحاد 2014/12/28).
واضافت الصحيفة الاماراتية نفسها ان المسلحين الذين يطلقون على انفسهم «فجر ليبيا»، بدأوا هجوما قبل اسبوعين للسيطرة على المنشآت النفطية في المنطقة، «وتصدى للهجوم القوات العسكرية التي تدعم الحكومة المعترف بها دوليا بقيادة عبدالله الثني وتتخذ من مدينة طبرق الواقعة شرق البلاد مقرا لها، هناك حكومة اخرى بقيادة عمر الحاسي تتخذ من طرابلس مقرا لها».
الصراع والفوضى لم يتوقفا هنا، فالوضع كان اخطر بكثير! فليبيا تشهد قتالا بين الجيش الوطني والميليشيات المسلحة، وقد «استمرت ملاحقة جيوب المتطرفين في منطقة الصابري وسوق الحوت في بنغازي، حيث يتمترس المتطرفون في مبان سكنية عالية متخذين من سكانها دروعا بشرية»!.
ومن ابتكارات الصراع الدامي في المدينة استخدام المتطرفين للاسلحة الثقيلة، كالمدفعية والدبابات في طرقات المدينة الضيقة، ربما بعد نفاد ذخيرة الاسلحة المتوسطة الفعالة في هذه الاحياء.
ووجه مصدر عسكري نداء موجها للسكان في «الاحياء الساخنة» بمغادرة منازلهم سريعا، حيث يلجأ المتطرفون الى قتل الاهالي بطرق بشعة كورقة اخيرة للضغط على الجيش للتراجع!.
هل تؤدي عودة الارهاب بقوة، الى فرنسا واوروبا مؤخرا الى تدخل حاسم من قبل اوروبا او امريكا، لحسم الوضع الليبي؟ ربما حدث العكس، ان تغلب التيار الانعزالي على سياسات هذه الدول! صحيفة غارديان البريطانية صنفت «الفوضى الليبية» بانها تتقدم اسوأ الاحداث في القارة الافريقية خلال العام 2014! ربما اسوأ حتى من نيجيريا وجرائم بوكو حرام الارهابية؟! واعتبرت الصحيفة الاوضاع في ليبيا دليلا على ان تدخل الحلف الاطلسي لإطاحة معمر القذافي عام 2011 «كان عملا مفزعا ظنت القوى الغربية جيدا في حينه». (الحياة 2014/12/28).
التشاؤم يغرق غالبية الشعب الليبي، يقول المحلل محمد خلف، مع حلول عام جديد على «الثورة الديموقراطية»، ينذر بأزمات اعمق وانهيار اخطر في المجتمع، مع فشل جميع المحاولات العربية والاقليمية والدولية لوقف الاقتتال وسيطرة الميليشيات الاسلامية العنيفة على مقاليد الدولة التي تسير نحو التفكك والتفتت والتداعي الاقتصادي والمالي، والسقوط في اوحال الكراهية المجتمعية، والمشهد الليبي بصورته الراهنة يدفع الليبيين الى الوقوع اسرى نوستالجيا الماضي، لقد باتت ليبيا اليوم مقسمة بين حكومتين وبرلمانين يتنازعان الشرعية، واصبح القصف العشوائي للمناطق المدنية واختطاف المدنيين والتعذيب والاعدامات امرا معتادا في الكثير من المدن، بعد ان انقضت الميليشيات حتى على المستشفيات قصفا، وجعلت من بعضها مقرات وثكنات عسكرية، وبعد قيام عناصر من الميليشيات بارتداء زي جمعية الهلال الاحمر». (الوطن 2014/12/27).
يلخص الباحث في الشؤون الافريقية د.خالد حنفي علي، «مسارات التحول في النزاع الليبي»، مجلة السياسة الدولية يناير 2015، في عبارة موجزة ضمن دراسته عن اوضاع هذا البلد المنكوب فيقول ان احواله صار في شد وجذب، وتنازع وتصارع، «بين معارك لم تحسم الموازين العسكرية، وتنازع سياسي حول الشرعية، ومبادرات حوار لم تؤت اكلها، وسياسات استقطابية للقوى الاقليمية واخرى مرتبكة للقوى الكبرى». فبين كل هذا التجاذب، يضيف «تدور رحى الصراع الليبي، الذي تحول – بعد اكثر من ثلاث سنوات من ثورة 17 فبراير 2011 – الى حالة معقدة وممتدة، تتقاطع فيها خطوط الانقسام الداخلي مع مصالح قوى اقليمية ودولية».
ويتلخص المشهد الليبي، في تحليل د.حنفي، «في انه اصطفافات مرنة، حيث يسعى كل طرف في الساحة الليبية لتحقيق اكبر قدر من النفوذ على حساب الآخر، في ظل هيمنة حالة توازن الضعف، حيث لا يملك طرف القدرة السياسية او العسكرية او الجماهيرية على فرض ارادته كاملة على الآخر».
لقد تعرضت الدولة والنظام في ليبيا لما يعتبره الباحثون «تجريف مؤسسي» لم يبق في الواقع ولم يذر، ابان مرحلة القذافي، وحسم الدور الخارجي مصير النظام، ولكن القوى الدولية، ممثلة في حلف شمالي الاطلسي، لم تؤسس بعدها قوة امنية وطنية، فانفتح المجال لتغول الميليشيات ولإضعاف السلطة واسقاط هيبة الدولة، وخضع المجلس الانتقالي لضغوط الاقاليم.
لقد كان النظام الذي اقامه القذافي على مدى اربعين عاما ونيف فريدا من نوعه في الاستبداد والغوغائية والتسلط – ولهذا ترك على ملامح الدولة الليبية ومجتمعها نتوءات واخاديد صعبة الشفاء، واليوم لا يملك اي من جبهتي الشرق او الغرب القدرة القتالية الكافية او التماسك الداخلي للسيطرة على البلاد، ولسوء حظ ليبيا، كما يلاحظ د.حنفي، لاتزال ذخيرة المتصارعين من السلاح ومن التعصب المناطقي والقبلي بعيدة عن النفاد، او كما يشخصها الباحث، «لم تبلغ نقاط قوة ميدانية على الارض تنعكس على عملية التفاوض السياسي»، وقد كشف ابن عم القذافي «احمد قذاف الدم، في ديسمبر الماضي، «ان حجم السلاح الموجود الآن في ليبيا يفوق بكثير ما تركه القذافي». واضاف «ان الوضع الراهن في بلاده مأساوي لدرجة كبيرة جعلت الناس تترحم على ايام القذافي» (الجريدة 2014/12/1).
الانظمة الاستبدادية لا تدمر حاضر بلدانها.. بل وتدمر كذلك المستقبل!.

خليل علي حيدر
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
272.0119
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top