خارجيات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

يو إس نيوز آند ورلد ريبورت

«التعايش» هو القاعدة في تاريخ الشرق الأوسط

2014/10/28   06:40 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0



بقلم – ستيفاني ميلدر:

تبيّن الافتراضات السائدة عن الإسلام في الغرب أنه دين غير متسامح، وان الشرق الأوسط منطقة لصراع دائم ومكان يتقاتل فيه الناس منذ بدء الخليقة.
غير أن هذه الافتراضات بعيدة تماماً عن الواقع، وهي في هذا مثل بقية الافتراضات الأخرى التي غالباً ما تكون غير صحيحة.
إذ من الملاحظ أن النقاش العام الدائر الآن حول المنطقة يركز بشكل شبه حصري على ما يجري فيها اليوم ويفسره كنتيجة لمشاعر كراهية طائفية، عرقية ودينية لا تنتهي منذ قديم الزمان. ومن المؤكد ان التوسع السريع الذي حققه تنظيم الدولة الإسلامية في الأشهر الأخيرة في سورية والعراق، وما اتسم به سلوكه الطائفي البعيد عن التسامح من قسوة، عزز الانطباع السائد المشار إليه عن المنطقة كمكان لصراع طائفي، ديني، عرقي وغير عقلاني لا ينتهي.
ولعل من المفيد الإشارة هنا الى أنه عندما أعلن الرئيس باراك أوباما العودة للعمل العسكري الأمريكي من جديد في العراق، برر ذلك بالقول إن «الدولة الإسلامية» انتهزت الصراع الطائفي والحرب الأهلية في سورية لكسب أراضٍ على جانبي الحدود العراقية-السورية. بالطبع كان الرئيس يتحدث عندئذ انطلاقاً من خلفية التاريخ الراهن في المنطقة إلا أنه أثار بذلك المعتقدات الشائعة حول عدم التسامح والصراع القائم بين المجموعات الطائفية فيها.
والحقيقة أن لمثل هذه الانطباعات انعكاسات عميقة على نظرة الأمريكيين للعملية العسكرية في المنطقة. فتأييد الرأي العام الأمريكي السريع والمُتعَب من الحروب السابقة لهذه الحرب الجديدة يُظهر أن الأمريكيين على استعداد دائماً لدعم العمل ضد اللاعبين الذين يبدون لا عقلانيين، ولا يشاركوننا قيمنا الثقافية والتاريخية، وينهمكون في محاربة بعضهم بعضاً.
غير أن الواقع القائم على الأرض هو أبعد ما يكون عن هذه الفرضية. إذ يبيّن تاريخ الشرق الأوسط في معظمه أن الناس غالباً ما كانوا متعايشين فيه. فقد أخذ الإسلام في القرن السابع عشر بمبدأ التسامح الديني من خلال ما يُعرف بـ«قوانين أهل الذمة» التي تعني أن على الخليفة الإسلامي توفير الحماية للشعوب التي أنزل الله عليها كتاباً مقدساً كالمسلمين أي اليهود والنصارى.

مجتمعات حرة

بالطبع، لم يستأصل هذا المبدأ التوترات بالكامل، لكن تمّ السماح لتلك المجتمعات اليهودية والنصرانية بممارسة شعائرها الدينية طوال معظم فترة التاريخ الإسلامي تحت حماية الخليفة، وكان لها مطلق الحرية في أحيائها بل وغالباً ما اندمجت مع مجتمعات الديانات الأخرى أيضاً.
ومن الواضح ان مبدأ حماية أهل الذمّة جعل مدن الشرق الأوسط متنوعة الأشكال بل واكتسبت صفة الحداثة. فقد رعى الخليفة في بغداد القرن التاسع عشر معهداً عمل فيه علماء من كافة الأديان في ترجمة كتب المعرفة العلمية، الطبية والفلسفية القديمة من اللغتين اليونانية والهندية. وبعد قرن من ذلك تم تأسيس واحدة من أول جامعات العالم في القاهرة هي جامعة الأزهر. وعمل اليهود والمسيحيون والمسلمون معاً في العديد من المهن، وقاموا بأدوار مهمة كإداريين، مستشارين بل ووزراء في العديد من الممالك الإسلامية التي برزت بعد انهيار نظام الخلافة في القرن العاشر. ولعل من أشهر هؤلاء المواطنين، الذين تولّوا مناصب رفيعة من أهل الذمّة، هو الفيلسوف اليهودي موسى بن ميمون الذي عمل في القرن الثاني عشر طبيباً شخصياً للقائد المسلم صلاح الدين الأيوبي.
بل وكان التسامح وليس الصراع هو السائد بين المذهبين الرئيسيين في الإسلام. فقد عمل المسلمون السُّنّة والشيعة معاً وتعبّدوا الله في أماكن دينية واحدة خلال العصور الوسطى، واستمروا في ذلك حتى العصر الحديث.
بل وأظهرت الأبحاث ان بعض الحكام رعوا طرازاً من الهندسة يتضمن وصايا دينية من أجل ضمان التسامح بين الطوائف.
وطوال حوالي 500 سنة من حكمها الذي امتد بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، رعت الإمبراطورية العثمانية ثقافة اتسمت بالانفتاح والتسامح إزاء الشيعة والأقليات الدينية الأخرى، وشكلت بذلك نموذجاً يُحتذى لجمهورية هولندا وللديموقراطيات الوليدة الأخرى في أوروبا. ومن المفيد أن نتذكرها هنا ان أفكار التسامح الديني، التي تبدو اليوم متأصلة في الفكر الأوروبي، لم تكن في الحقيقة معروفة في أوروبا قبل القرن السادس عشر بينما كانت هي السائدة في الشرق الأوسط.

فترات توتر

بالطبع كانت هناك فترات من التوتر الديني والطائفي، وذلك عندما اختلف السُّنّة والشيعة في القرن العاشر حول الأحقية بالخلافة. لكن لو نظرنا الى تاريخ الإسلام الطويل الممتد منذ 1400 سنة، لتبيّن لنا أن مثل تلك الفترات لم تكن رغم أهميتها هي المعيار الذي يتعيّن ان نحكم من خلاله على تعايش المجتمعات المتنوعة في ظل الإسلام.
بل وحتى في سورية والعراق، اللذين يشهدان صراعاً طائفياً اليوم، عاش السُّنّة والشيعة والمسيحيون جنباً الى جنب في أحياء خاصة بكل منهم أحياناً وفي أحياء مختلطة أيضاً، كما شاركهم اليهود في ذلك حتى قيام دولة إسرائيل عام 1948. وكل هذا يشير الى أن الصراع الطائفي لم يكن هو القاعدة في هذين البلدين بل الاستثناء.
وتكفي الإشارة هنا الى أن كل الأحزاب تقريباً في سورية والعراق كانت سياسية حتى عقد السبعينيات، وان أكبر حزب سياسي في العراق بين عقدي الأربعينيات والستينيات كان الحزب الشيوعي الذي أسسه ناشطون من مختلف الديانات والطوائف.

تعريب نبيل زلف
أخبار ذات صلة dot4line
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
78.9992
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top