مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

السلام والإصلاح

السيد ابوالقاسم الديباجي
2014/10/25   09:42 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



ان ثورة الامام الحسين (ع) لا تزال متجددة تطل علينا مع كل عام بالكثير من الفوائد والدروس والعبر.فالامام الحسين (ع) على الرغم من تقدم السنين على ثورته المشهورة عاشوراء الا انها بقيت الشعلة التي لا تنطفئ أبد الدهر والمعين الذي لا ينضب وبلغت من السمو والرفعة وشرف المقام ما لم تبلغه ثورة من الثورات الانسانية في التاريخ لأنها تحمل في مضمونها هدفاً سامياً نبيلاً له علاقة بالخالق الباري عزّ وجلّ، كما له علاقة بالانسان، وبقي الحسين (ع) مشعلاً للحق، ومدرسة للمثل والأخلاق والفضيلة، ونهضةً للحياة السامية.
ان المتأمل فيما حدث في يوم عاشوراء يدرك بجلاء ان يوم عاشوراء مدرسة تثري الأجيال المتعاقبة بكثير من المبادئ الاسلامية العالية التي تجسدت في مواقف الامام الحسين (ع)، ومواقف أصحابه وأهل بيته، من التضحية، والاباء، والاخلاص، وعلو الهمة، والثبات على المبدأ الحق، وبذل النفس والنفيس في سبيل الله، والوفاء، والعزم، والشجاعة، وغيرها من المبادئ السامية التي لا تخفى على كل من درس هذه الواقعة ونظر اليها بانصاف ورويَّة.
والحسين (ع) هو من دعاة السلام والإصلاح ومدرسته تقف من العنف والعدوان والتعسف والارهاب موقف المضاد، فكرة وسلوكاً، فقد كان الرسول (ص) يدعو الناس الى الايمان بالاسلام بلا اكراه أو عنف، يقول سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ لأمَنَ مَن فِي الأرْضِ كُلّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّىَ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ}، وقال تعالى: {فَذَكّرْ انّمَآ أَنتَ مُذَكّرٌ لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ}.
وقال (ص): «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ مَالُهُ وَعِرْضُهُ وَدَمُهُ حَسْبُ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ ان يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ».
فقد جعل النبي (ص) للمسلم حرمة أي حصانة الهية حصَّنه بها الله، فمن يخرق هذه الحصانة فانما يعادي الله ويحارب الله جل وعلا لأن الله سبحانه وتعالى جعل لكل من يقول (لا اله الا الله محمد رسول الله) حصانة حتى لو كان كافراً أصبحت له هذه الحرمة فلا ينبغي لنا ان نسيئه بحديث أو كلام ولا ينبغي ان نعتدي عليه وعلى عرضه وماله وعياله وكل ما يملك ولا ينبغي ان نريق له ولو قطرة دم واحدة لأنه في حصانة أحكم الحاكمين ورب العالمين.
والنبي (ص) كان يتحرج أشد الحرج من القتل، قال أسامة بن زيد رضي الله عنهما: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ (ص) فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا الَهَ الَّا اللَّهُ فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ (ص) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: أَقَالَ: لَا الَهَ الَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ انَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ قَالَ: أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا فَمازال يُكَرِّرُهَا على حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ.
فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بأسامة ليعلم الجميع حرمة الدم حتى للكافر الذي نطق بالشهادتين خوفا من القتل فما بالكم بمن يُصلي ويصوم ويتقي الله ويعمل أعمال الخير التي أمره بها الله ويسعى في الأرض عاملاً بشرع الله كيف يستحل القتل؟ وكيف يُقتل؟ ومنهج الحسين أشد حرصا على منع سفك الدماء ليس في صفوف الانصار والموالين، وانما في صفوف الاعداء والمبغضين، فالحسين (ع) كان يدعو جيش الخصم وقادته ان يعدلوا عن قتله وقتل عياله وأنصاره ليس خوفا أو طمعا في شفاعتهم، ولكن خوفا عليهم من دخول النار.
والامام الحسين (ع) لم يكن يبحث عن الحرب، وهو القائل: «اني أكره ان أبدأهم بقتال»، لحرمة اباحة دماء المسلمين، وهو الذي بكى على أعدائه لأنهم سيدخلون النار بسبب قتله، فخروجه ما كان الا من أجل السلام والإصلاح والانسانية، اذ لم يبدأ القوم بقتال قط، كجده رسول الله (ص) التي كانت حروبه كلها حروباً دفاعية وليست هجومية أو ابتدائية، وكأني به يردد قول الحق- سبحانه وتعالى: {واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق اذ قربا قربانا فتُقبل من أحدهما ولم يُتقبل من الآخر، قال لأقتلنك قال انما يَتقبل الله من المتقين، لئن بسطت الى يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي اليك لأقتلك اني أخاف الله رب العالمين}.
فالحرب لم تبدأ في كربلاء الا بعد هجوم الأعداء نحو الحسين (ع) وأصحابه، ومنذ خروجه من المدينة وطوال سفره وحتى يوم عاشوراء كان يلقي الخطب وذلك للدعوة الى الصلح وايجاد فرص السلام الممكنة، وفرص الحياة الآمنة بعيداً عن قعقعة السلاح وهدر الدماء لأنه يعلم بأن من أحيا نفسا فقد أحيا الناس جميعا، وقد قام الحسين (ع) بأكثر من ثلاث محاولات لنزع فتيل الأزمة ولاحلال السلام ولكن عندما خاطب ضمائرهم بقوله: «اذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم الى مأمن الأرض»، وجدناهم قد أبوا الا قتله وسحقه بحوافر الخيل!! وما كان لهم ذلك وانما سحقوا هم، وبقي الحسين صرخة حق وسلام يترنم بها كل باحث عن القيم والفضائل، بعد ان قُتل (ع)- جسدا- في معركته من أجل السلام والأمن والأمان.
هذا هو سلام الحسين هو يريد الإصلاح ويطلبه ولا يَحيد عنه، ولكنه يحرص ان يكون هذا الإصلاح ثورة بيضاء، واذا كان لابد من التضحية فليكن هو وعياله وأنصاره أول المضحين!!
لذا، بقيامه وثورته يدعو الحسين (ع) الى حفظ دماء المسلمين وحرمة المسلمين وشخصية المسلمين، وعدم اثارة الفتن الطائفية والقبلية والتفرقة والتي من نتائجها توقف عجلة النمو والتطور وهلاك المجتمع ودماره.
وباذن الله تعالى سوف نستمر خلال العشرة أيام الاولى من محرم الحرام في البحث والتحقيق حول هذه الثورة العظيمة.

السيد أبوالقاسم الديباجي
الأمين العام للهيئة العالمية للفقه الاسلامي
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
332.0016
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top