مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

الإيمان والعمل الصالح

عمار كاظم
2014/04/03   10:40 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 5/0
writer image

الحياة هي المعمل الكبير الذي أراد الله له أن ينتج الخير في حركة الحق


لقد جرى الأسلوب القرآني على الحديث عمّا ينتظر المؤمنين من رضوان الله وثوابه جزاءً لايمانهم وعملهم الصالح في كل مورد يتحدث فيه عن الكافرين وعمّا ينتظرهم من عذاب النار لكفرهم وطغيانهم، وقد جرت هذه الآية على هذا الاسلوب، بدعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) الى تبشير المؤمنين الذين يعملون الصالحات بالجنات التي تجري من تحتها الانهار، والتي تشبه ثمارها ثمار الدنيا، حتى يخيل اليهم ان هذه الثمرات امتداد لما كانوا يجدونه منها في الدنيا لتشابهها. ثم يحدثنا الله عن المتع الحسية التي تنتظرهم في الآخرة، وذلك في ما يعده لهم من ازواج مطهرة، بكل ما تعنيه كلمة الطهارة من معاني الروح والجسد، حيث تتم لهم بذلك نعم الله وألطافه في حياة خالدة لا شقاء فيها ولا فناء، بل هو الخلود السابح في رحمة الله ورضوانه.
وبشر الله في هذه الآيات {الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات} تتنوع، وتمتد اشجارها وثمارها، وتتحرك كل جمالاتها، بما ينعش الروح، ويسحر البصر، ويأخذ اللب {تجري من تحتها الأنهار} المتدفقة بالحياة الصافية، العذبة، الرقراقة، التي تمنح الارض الخصب والنمو الحياة، لتنبت من كل زوج بهيج، ولتهتز بالخضرة المعشوشبة والثمار اللذيذة.
{كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا} وتناولوه بأيديهم، وحدقوا فيه، وفي خصائصه، وفي حجمه، ولونه، وشكله، وتلذذوا بطعمه في عناصره الحلوة الشهية، {قالوا هذا الذي رزقنا من قبل} في الدنيا فلم يتغير علينا شيء مما ألفناه وعرفناه من الثمار، {وأتوا به متشابها} يشبه بعضه بعضا في الشكل، ولكنه يختلف في طبيعته، أو يشبه ثمار الدنيا، مع تميزه عنها في الجودة، أو يشبه بعضه بعضا في الجودة، ذلك ان لثمار الجنة خصائصها التي تتميز عن كل ما في الدنيا من لذة، كما قال الله في الحديث عن كل ما في الجنة مما ينتظر المؤمنين والمؤمنات: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17]، فلا يعرف الإنسان ماذا يتخير منها.
{يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه} فليست الحياة فرصة للاسترخاء والنوم والراحة اللاهية المطلقة، وليست مجالا للعبث واللعب واللهو، بل هي فرصتك للكدح الذي يمثل الجهد العملي الذي يترك تأثيره عليك في كيانك الجسدي والروحي والشعوري، لأن هناك دورا كبيرا لابد من أن تقوم به في خلافتك عن الله في إدارة شؤون الحياة في الأرض على خط رسالاته، فلا بد لك من أن تكدح في فكرك لتنتج الفكر الذي يخطط للحركة ويدفع نحو التطور، ولا بد لك من أن تكدح في نشاطك الجهادي لتملأ الحياة بالدعوة باسمه تعالى والجهاد والحركة الدائبة في سبيله في مختلف المواقع، بما يجعل الحياة كلها حياة الرسالة وللرسالة.
إن الحياة هي المعمل الكبير الذي أراد الله له أن ينتج الخير في حركة الحق في ساحة الصراع، وجعل الإنسان كادحا حيا أساسيا في تحريك أجهزته، وفي توجيه إنتاجه، فلا مجال للتفكير بالراحة، بل هو الجهد الدائب الذي إذا التقى بالنوم، فلكي يمنحه النوم حيوية جديدة، وإذا عاش مع بعض لحظات الراحة والاسترخاء واللهو، فمن أجل أن يخفف عنه ثقل التعب، وضغط الضعف واختناق الروح، ما يجعل لهذه الأمور معنى يتصل بشروط الكدح، لا معنى يتخفف الإنسان به منه، وهكذا يخاطب الله الإنسان من موقع إنسانيته، ليكدح إلى ربه كدحاً، ليقول له إنه مهما أعطى من جهد، فإنه سوف يلتقي به في يوم القيامة، لتكون طبيعة النتائج منسجمة مع طبيعة الكدح.
{فأما من أوتي كتابه بيمينه} وهو الذي يجعل كدحه في طاعة الله في خط الايمان والعمل الصالح، {فسوف يحاسب حسابا يسيرا}، لانه لا يحمل في كتابه أي انحرافات كبيرة تبعده عن الله، فقد عاش حياته كلها مؤنا بالله، عاملا بطاقته بمقدار جهده، فإذا كانت له بعض المعاصي، فإنها لا تمثل شيئا كبيرا يستوجب غضب الله عليه، ما يجعل المغفرة امرا طبيعيا له، من خلال ما يرحم الله به عباده الصالحين من التكفير عن سيئاتهم، ومن ادخالهم في مواقع رحمته، وبذلك، كان هذا الانسان هو الراضي المرضي الذي يعيش سعادة القدوم على الله تعالى، فلا يتوقف الا لكي ينظر في كتابه – كما ورد في بعض الاحاديث.
{وينقلب الى اهله مسرورا} وليس اهله الا الذين ارتضاهم الله اهلا له في مجتمع الجنة، الذي يضم الحور العين، والولدان المخلدين، والملائكة المقربين، والصالحين من ازواج المؤمنين واولادهم وآبائهم.. ليتلقاهم بوجه طافح بالسرور، وقلب مملوء بالشعور بالسعادة، بما غفر الله له من ذنبه، وبما خفف عنه من حسابه، وما اولاه من فضله في نعيم جنته.
< في الايام القليلة الماضية رحل عنا العزيز علينا الحاج الكريم احمد عاشور خادم اهل البيت عليهم السلام الذي افنى عمره في خدمة سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام ولاسيما في حسينية عاشور المباركة، العم الفاضل كان ارتباطه بأهل البيت واضحا وجليا من خلال افعاله واعماله وتصرفاته، كان ملتزما بالصلاة في اوقاتها وكان حريصا على ان يؤديها في المسجد وكان مواظبا على زيارة النبي واهل بيته الطاهرين وله بصمات واضحة في العمل الخيري {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} نسأل الله تعالى ان يتغمده برحمته الواسعة ويسكنه الفسيح من جنته ويحشره مع محمد وآله الطاهرين ويجعل قبره روضة من رياض الجنة، وانا لفقدك يا ابا جاسم لمحزونون.. انا لله وانا اليه راجعون.

عمار كاظم
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
2070.996
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top