مقالات  
نسخ الرابط
 
   
   
 
  A A A A A
X
dot4line

فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) القدوة

السيد ابوالقاسم الديباجي
2014/04/01   08:33 م

شكرا لتصويت

التقيم التقيم الحالي 0/5
writer image



لقد اتسمت حياة فاطمة الزهراء (ع) بالبساطة والقناعة، فلم تستثمر مكانتها من أبيها لتحرجه بمستلزمات الترف والنعيم، بل نجدها على العكس من ذلك قد ضربت مع باقي أفراد أسرتها الأمثلة الرائعة في التضحية والايثار قربة واخلاصاً لله تعالى، وكانت آيات سورة الدهر شاهداً خالداً على ايثارها: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * انّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شُكوراً}.
ولم تتوانَ الزهراء (ع) على الرغم من صغر سنها وكونها ابنة الرسول وزعيم المسلمين وقائدهم- من مشاركة باقي المسلمات في دعم المسلمين في المحن والمصاعب التي واجهوها، فقد روى الواقدي- في حديثه عن رجوع النبي (ص) والمسلمين من معركة أحد-: وكنّ جئن أربع عشرة امرأة، منهن فاطمة بنت رسول الله (ص) يحملن الطعام والشراب على ظهورهن ويسقين الجرحى ويداوينهم.
لم يكن مقام الزهراء ولا التزاماتها الاسلامية العامة تمنعها من أداء دورها في بيتها كزوجة بارّة وأمّ مثالية، فلم تغفل حقّ زوجها ولم تتطاول عليه، بل كانت مثال الزوجة الصالحة في الاخلاص لزوجها وأنسه وتخفيف معاناته خارج البيت، حتى ورد الحديث عن الامام علي(ع) أنه قال: فوالله ما أغضبتُها ولا أكرهتُها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنتُ أنظر اليها فتنكشف عني الهموم والأحزان، وفي هذه المواقف الفاطمية درس للمرأة المسلمة في ضرورة العناية ببيتها وأسرتها مهما كانت التزاماتها خارج البيت.
وهذه صورة يصورها التأريخ عن حياة فاطمة(ع) في بيتها وكدحها في ادارته، وتدبير شؤونه، وتربية أبنائها، وتحملها المعاناة والتعب، فقد روي أنه: «دخل رسول الله (ص) على فاطمة وهي تبكي، وتطحن بالرحى، وعليها كساء من اجلة الابل، فلما رآها بكى، وقال: «يا فاطمة! تجرعي مرارة الدنيا اليوم لنعيم الآخرة غدا»، وأنزل الله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى}، وروي أيضاً: «دخل النبي(ص) على فاطمة وهي تطحن مع علي، فقال النبي(ص): «لأيكما أعقب»، فقال علي: «لفاطمة، فانها قد أعيت»، فقامت فاطمة، فطحن النبي(ص) مع علي لفاطمة»، وروي أنه: بينما النبي(ص)، والناس في المسجد ينتظرون بلالا ان يأتي فيؤذن، اذ أتى بلال، فقال له النبي(ص): «ما حبسك يا بلال؟» فقال: اني اجتزت بفاطمة وهي تطحن، واضعة ابنها الحسن عندها وهو يبكي، فقلت لها: أيما أحب اليك، ان شئت كفيتك ابنك، وان شئت كفيتك الرحى، فقالت: «أنا أرفق بابني»، فأخذت الرحى فطحنت، فذاك الذي حبسني، فقال النبي (ص): «رحمتها رحمك الله».
هذه الصورة العائلية، واللقطة الفذة من حياة المجتمع الاسلامي والحياة النبوية الكريمة توضح لنا صور الحياة التعاونية وعلاقة الرجل بالمرأة، وعظمة التواضع عند قادة الاسلام وعظماء البشرية، فمحمد (ص) يساعد فاطمة ويعينها على طحن طعامها، وعليّ يشاطرها العمل في المنزل، وبلال يعرض خدماته على فاطمة فيعينها، فينجز بعض أعمالها، انها الصورة المثالية لحياة مجتمع صنعه الاسلام بمبادئه وأخلاقه، وانها الصيغة التشريعية لحياة العائلة المثالية في الاسلام، ولمكانة المرأة وعلاقتها بالزواج والاسرة في هذه الرسالة الالهية الخالدة.
وروت أسماء بنت عميس عن فاطمة بنت رسول الله (ص): ان رسول الله(ص) أتاها يوما، فقال: «أين ابناي؟» يعني حسنا وحسينا، قالت، قلت: «أصبحنا وليس في بيتنا شي‏ء نذوقه»، فقال علي (ع): «أذهب بهما، فاني أتخوف ان يبكيا عليك وليس عندك شي‏ء»، فذهب بهما الى فلان اليهودي، فتوجه اليه رسول الله (ص) فوجدهما يلعبان في مسربة بين أيديهما فضل من تمر، فقال: «يا علي! ألا تقلب ابني قبل ان يشتد الحر عليهما؟» فقال علي (ع): «أصبحنا وليس في بيتنا شي‏ء، فلو جلست يا رسول الله حتى أجمع لفاطمة تمرات»، فجلس رسول الله(ص)، وعلي (ع) ينزع لليهودي كل دلو بتمرة أجرا عليه حتى اجتمع له شي‏ء من تمر فجعله في حجزته ثم أقبل، فحمل رسول الله (ص) أحدهما وحمل علي (ع) الآخر.
تلك صورة من الكدح والصبر على شظف العيش ومعاناة أهل البيت علي وفاطمة والحسن والحسين وهذا رسول الله (ص) يشاطرهم تلك الحياة الصعبة، يشاطرهم بروحه وأحاسيسه، وبجهده واهتمامه.
هذا الدرس هو تواضع القيادة في المجتمع الاسلامي، وتعودها على ان تعيش بمستوى الطبقات الفقيرة الكادحة في مجتمع المسلمين، ففاطمة بنت محمد (ص) وغيرها من عامة المسلمين سواء، لا فارق بينهما وبين غيرها، الا فارق التقوى وميزة الاخلاص لله، لذا حرص رسول الله (ص) على تعليمها وتربيتها وتوجيهها الى الارتباط بالله سبحانه كي تكون مثلا في حياتها ومركزها، وقدوة في التواضع وحب العمل، ورائدة في المساواة والزهد في هذه الحياة.


السيد أبو القاسم الديباجي
الأمين العام للهيئة العالمية للفقه الإسلامي
التعليقات الأخيرة
dot4line
 

!function(d, s, id) { var js, fjs = d.getElementsByTagName(s)[0], p = /^http:/.test(d.location) ? 'http' : 'https'; if (!d.getElementById(id)) { js = d.createElement(s); js.id = id; js.src = p + "://platform.twitter.com/widgets.js"; fjs.parentNode.insertBefore(js, fjs); } } (document, "script", "twitter-wjs");
1709.9997
 
 
 
إعلن معنا
موقع الوطن الإلكترونية – حقوق الطبع والنشر محفوظة
 
Top